«كأننا رجعنا إلى أيام جدودنا»، يقول مهدي زبيب وهو يشير بيده إلى «قن» للدجاج بناه قرب منزله في بلدة الشرقية. ومثله فعل الجيران الخمسة الذين «أمّنوا أيضاً الدجاج ليوفّروا شراء البيض». ومع أن تربية الدواجن «تتطلّب وقتاً وجهداً»، إلا أن العشرين «بيضة بلدية» التي تقدمها دجاجاته الخمس يومياً تسعده كثيراً، بعدما لامس سعر «كرتونة البيض الزراعي» الـ 40 ألف ليرة.
كثر لاذوا أخيراً بـ«ذاكرة المأكولات الشعبية» مع أزمة اقتصادية رفعت أسعار السلع الاستهلاكية واستنزفت القدرة الشرائية لكثيرين، وأزمة صحية تثير الخوف من تناول أطعمة خشية انتقال عدوى «كورونا». هكذا، يتراجع الطلب على الأطعمة الجاهزة، وتعود إلى الموائد أطعمة من «الزمن الجميل» كان النسيان قد طواها، ككبة العدس وكبة البطاطا والغمّة وغيرها مما لم يتعرف إليه الجيل الجديد، وغيرها من مأكولات «المخزون التراثي» التي تقوم أساساً على الحبوب، رغم أن أسعار هذه أيضاً حلّقت مع تحليق سعر صرف الدولار.
تحضير أي شيء في البيت يبقى أوفر من شرائه جاهزاً. وتضم لائحة «الأوفر» الكثير من المأكولات كـ«المتبل والصلصة والصعتر والمكدوس والمربيات وغيرها»، تقول زينة حرب التي بدأت منذ أربعة أشهر تحضير اللبنة والجبنة في البيت «لأن قالب الجبنة الصغير في المحال التجارية يكلف 18 ألفاً، وهو سعر سطل الحليب الذي أحضّر منه أكثر من قالب جبنة».
آخرون لجأوا، من أجل التوفير، الى الزراعة على شُرفات المنازل أو أسطح الأبنية لتوفير «لقمة نظيفة وغير مكلفة»، على ما تقول فاطمة شحادة التي تؤمن احتياجاتها الأساسية من الخضر من الزراعة على سطح منزلها. غلاء أسعار الخضر يُعدّ الدافع الأساسي للزراعة، «فبذور البقدونس التي يعادل ثمنها ثلاث ضمات تنتج عشرين ضمة»، بحسب علي الدر الذي زرع الأرض أمام منزله بقدونس وكزبرة ونعناع وفجل وباذنجان، بعدما كان قد بدأ ذلك على سبيل «التسلية» مع بداية الحجر المنزلي.
وخلال فترة الحجر المنزلي أيضاً، استعادت كثيرات «الفرنية» و«الصاج» لصنع الخبز والحلويات والمعجنات، مستعينات بـ«يوتيوب» وبتبادل الخبرات والتجارب في ما بينهن. سكينة شعيب، مثلاً، علّمت صديقاتها تحضير الكشك، وهي تعدّ بنفسها الدجاج المتبّل والمقبّلات والحلويات العربية والمناقيش، «لأنني أخاف أن يلمس المنقوشة في الفرن مصاب بكورونا».
ولأن في كل تهديد فرصة، تلفت الاختصاصية في علم النفس العيادي رولا عز الدين إلى أن الإحجام عن الأكل الجاهز، سواء لأسباب صحية أو اقتصادية، «أعاد تأطير العلاقات الأسرية وجمع الأسرة على مائدة واحد». أضف الى ذلك أن عبارة «تسلم يداك» التي تسمعها الأمّ من الزوج أو الأولاد مصحوبة بالإعجاب بما حضّرته لها تأثيرات نفسية إيجابية عليها تنعكس حتماً على بقية أفراد الأسرة».