دأب اللبنانيون على التباهي بـنجاحهم عبر ″المبادرة الفردية″، متجاهلين فشلهم في التعاون على النجاح كمجموعات في إدارة شؤون بلادهم. الأمر الذي تمت ترجمته عملياً في حكم الوطن الذي إحتفل بيوبيل استقلاله الماسي منذ بضع سنوات، حيث تقف البلاد اليوم في قعر من الأزمات من دون أي بصيص أمل للخروج بسلام.
ففي العام 1958 أختلف المسؤولون والقيادات على تكوين موقف موحد من “حلف بغداد” الذي وضع أسسه الأجنبي، فكانت الثورة التي فتحت ابواب القبور الطائفية ودفعت الوطن إلى شفير الإنقسام والتشرذم.
وفي العام 1969 وما تلاه، إنقسم اللبنانيون حول ما سُمي آنذاك بـ “النضال المسلح الفلسطيني” أو “المقاومة الفلسطينية” عبر الأراضي اللبنانية نظراً لما ستتركه من تداعيات ديموغرافية على التركيبة الداخلية، فوصلوا إلى حرب الأخوة في العام 1975 التي شلّعت الوطن وكادت تؤدي به إلى ما يتمناه له أعداؤه.
وفي نهاية الثمانينات توافق المسؤولون والسياسيون اللبنانيون ظاهرياً على إتفاق الطائف، ولكنهم ما فتئوا أن اختلفوا على تطبيقه، وما زالوا بعد ثلاثة عقود يفسرون الماء بالماء، من دون أن يتمكنوا من الوصول إلى صيغة لتعديله أو إصلاح البنود المختلف عليها.
وهم منذ عقد ونصف يختلفون على مبدأ وجود المقاومة في لبنان التي أخذت على عاتقها محاربة العدو الاسرائيلي منذ العام 1982 بعدما إحتل جيشه العاصمة بيروت، وتدَخل عميقاً في السياسة اللبنانية. لتجبره على الإنسحاب في العام ألفين وتمنعه من الدخول مجدداً الى الاراضي اللبنانية في العام 2006.
وها هم اللبنانيون الذين ساهموا عن قصد أو قلة إدراك منذ خريف العام 2019 في عدم معالجة الأزمات المعيشية والمالية والمصرفية التي نتجت عن تغلغل الفساد في مختلف أرجاء الجسم اللبناني، يكادون، على هامش مقاربتهم لتلك الآفات، أن يعطلوا عمل المؤسسات المحورية في كيان الدولة كالأجهزة الأمنية والقضاء اللذين يعتبران الركيزيتين الأساسيتين لإستمرار الدولة القادرة والعادلة، فإنهم كمن يعمل بجد من اجل هدم الهيكل على رأسه كي ينهي غريمه!..