قبل وصول ديفيد هيل الى بيروت، ساد إنطباع على نطاق واسع بأن حزب الله الذي ينأى بنفسه ظاهريا عن ملف
ترسيم الحدود البحرية والمرسوم الذي يؤدي الى توسيع رقعة المفاوضات والمنطقة المتنازع عليها، هو الذي يقف وراء تجميد المفاوضات في الناقورة في إطار عملية إعادة خلط الأوراق التي حدثت إثر التغيير الأميركي الرئاسي، وهو الذي يدعم بقوة مرسوم تعديل الحدود البحرية إستنادا الى الدراسات التقنية ـ القانونية التي أعّدها الجيش اللبناني.
وبقدر ما يشكل موضوع الحدود البحرية قضية وطنية سيادية تتعلق بحقوق لبنان في مياهه وثرواته، فإنه يشكل ربط
نزاع جديد مع إسرائيل، بحيث نكون أمام ما يشبه "مزارع شبعا بحرية"، خصوصا في ضوء الإشكالية التي تحيط بـ"مزارع شبعا"، بعدما كشف فريدريك هوف أن الرئيس بشار الأسد أبلغه ذات يوم "أنها سورية". وبالتالي، فإن النزاع البحري مع إسرائيل يفيد حزب الله في أنه يعطيه ورقة مساومة في وجه إسرائيل ويعطي سلاحه وظيفة جديدة هي الدفاع عن حقوق لبنان وثرواته، إضافة الى إستعادة بريقه كمقاومة بعد التشوهات التي أصابت صورته بسبب وانطلاقاً من هذا التحليل، تدخلاته في أكثر من دولة عربية، وفي إطار "المشروع الإيراني". طُرحت تساؤلات كثيرة عن موقف حزب الله من تطورات الأيام الأخيرة التي سبقت زيارة هيل ورافقتها سواء ما يتعلق بالسجال الداخلي الذي دار حول المرسوم التعديل، وخصوصا ما يتعلق بموقف رئيس الجمهورية وتريثه في توقيع المرسوم ومسايرته
لـ"هيل" والإصغاء الى نصائحه.
عشية وصول هيل، حُكي عن إمتعاض وتململ لدى حزب الله من خطوة الرئيس عون بعدم توقيع المرسوم وإعادته
الى رئاسة الحكومة، وربط التوقيع عليه بجلسة لمجلس الوزراء لن تُعقد. وعبّرت أوساط تدور في فلك الحزب عن
دهشتها وصدمتها لهذا الموقف الرئاسي الذي يدخل ملفاً استراتيجياً في حسابات وتكتيكات سياسية، ويوحي للأميركيين بأن المسألة قابلة للنقاش أو المقايضة، ويوصل إليهم رسالة بأن الموقف اللبناني في مفاوضات الترسيم ليس موحّداً.
وبعد زيارة هيل ولقائه المهم مع الرئيس عون، حُكي أيضا عن إستياء وتململ لدى حزب الله من إمتثال لبناني
للنصائح والإملاءات الأميركية، فكانت النتيجة تعليق المرسوم الى أجل غير مسمّى وحسم مسألة أن لا توقيع ولا انعقاد
لجلسة حكومية إستثنائية. فقد حذر هيل من إنهيار مفاوضات الترسيم فيما لو حصلت خطوة تعديل الحدود البحرية الأحادية الجانب، ومن أن إنهيار المفاوضات يمكن أن يؤدي الى زعزعة الإستقرار الهش بين إسرائيل ولبنان.
مصادر مطلعة على أجواء حزب الله، وفي تعليقها على كل هذه الأجواء المثارة والمسرّبة، تقول:
1-حزب الله كان شديد الإستياء حيال ما أعلنه هيل بعد لقائه عون، ولم يُظهر ردة فعل حيال ما دار في اللقاء.
فالحزب لم يتقبّل واقع أن يستخدم المسؤول الأميركي منبر قصر بعبدا كمنصة إتهامية ويستغله لتوجيه إتهامات قوية
ضد الحزب، معتبرا أن "تكديس الحزب للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض
مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذي وتموّل هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية".
حزب الله أظهر إستياء إزاء تصرّف هيل الذي كرر ما فعله السفير السعودي وليد البخاري قبل فترة بأن أذاع بياناً مُعّدا سلفاً لا يعكس أجواء لقائه مع عون وإنما يتضمن التحريض على حزب الله.
ولعل أكثر ما أزعج الحزب هو سكوت بعبدا وعدم صدور رد فعل على تصريحات هيل التي استهدفت مكّونا لبنانياً أساسياً وحليفاً.
2-حزب الله إلتزم موقفا رسمياً في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية وما زال عليه، وهو أنه يدعم الدولة اللبنانية، وتحديدا ما يتفق عليه عون وبري في هذا الموضوع الذي يعتبره من مسؤولية الدولة ويقع على عاتقها أخذ الموقف المناسسب وفق مقتضيات المصلحة والسيادة الوطنية. وبالتالي، يعتبر الحزب نفسه بأنه ليس الجهة المناسبة للخوض في هذه المسألة وينأى بنفسه عن السجالات والمعمعة، ولا يمارس ضغطاً على أحد.
وبناء على ما تقدم، فإن حزب الله ليس ضد الإقتراح الذي طرحه الرئيس عون الإستعانة بخبراء دوليين لترسيم خط
الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وليس ضد إستئناف مفاوضات الترسيم على هذا الأساس، وفي الوقت المناسب.