لأيام طويلة يبحث علي عن حليب لطفلتيه التوأم من دون جدوى، فحليب الأطفال شبه مقطوع من صيدليات النبطية، وإن توفّر فيكون “بالقطارة” بسبب اعتماد شركات الأدوية سياسة التقنين تمهيداً لرفع الدعم. والضحية الاطفال، ماذا لو مات أحد الاطفال بسبب هذا الصراع؟ من يكون المجرم؟ يصرخ علي من قهره “يذلوننا بأموالنا، نضطرّ للبحث بين صيدلية واخرى عن حليب مفقود، الكل يقول ما في حليب للأطفال، ما ذنب طفلتيَّ من كل تلك التجاذبات الحاصلة؟ أريد شراء الحليب بمالي وليس بمال أحد، ولكننا دخلنا زمن الحصار الكبير، وحين يصل الموس للاطفال فالأهل لن يسكتوا”.
يحاول علي أن يبدّل حليب طفلتيه بـ”نيدو” و”تاترا” حسب المتوفر، و”لكن احياناً يسبّب لهما مشاكل، فنعود لحلقة البحث عن علبة حليب في كومة صراعات الزعماء”. يُقرّ بأنّه يوظّف معارفه من أصدقائه مع الصيادلة علّه يحصل على علبة حليب هنا أو هناك، ولكن حتى الصيدلي يبحث عن حليب لابنته، إنها معادلة الذلّ التي تفرض نفسها اليوم، فالأزمة طالت حليب الأطفال، وهنا لا مكان للتلاعب أو الغش، فهذا يعني برأي البعض “غضب الوالدين، الا أطفالي”، يقول أحد الآباء ممّن عجز عن ايجاد حليب لابنه. منذ اسبوع ويبحث داخل صيدليات النبطية من دون جدوى، فالحليب رقم 2 و 3 مقطوع نهائياً، وإن توفّر فيكون بكمية 3 الى اربع علب في الشهر لكل صيدلية. ويضيف “المعتّر يضطر لتبويس لحى فلان وعلتان للحصول على علبة حليب لا تكفي ثلاثة ايام، فيما الشركات تسلّم الصيدليات 6علب في الشهر، وهو عدد لا يكفي زبوناً واحداً” كما يقول الصيدلي عباس الذي يرى أنّ “الأزمة كبيرة، وسببها الكباش الحاصل بين شركات الأدوية ومصرف لبنان، من دون أن يُخفي أنّ الشركات نفسها تقنّن عملية التوزيع تمهيداً لرفع الدعم ومعها ترفع نسبة ارباحها، وهذا ما يدفعه للقول “إننا نتجه نحو إستفحال الازمة، ومزيد من تضييق الخناق على الاهالي، وبالطبع نحن كبش المحرقة لأنّنا ببوز المدفع”.
تتراكم الازمات يوماً بعد آخر، فالدعم طار، وما بقي منه لا يعدو كونه أزمة فوق أزمة، اذ لا يسدّ حاجة السوق، فالكلّ يتحكّم بالمدعوم الذي يختفي تمهيداً لفقدانه نهائياً.
تتحسّر صاحبة إحدى الصيدليات على ما آلت اليه الظروف، بالكاد تتسلم 4 الى 6 علب حليب للأطفال في الشهر، وهي كمية تتناقص شهراً بعد آخر، تؤكّد أنها “ترفع الطلبية لشركات الادوية، ولكنها لا تستلم الا القليل، هذا ناهيك عن بدء ارتفاع الأسعار الذي حتماً سيقضّ مضاجع الفقراء”. وترى الصيدلانية أنها تقف عاجزة عن رؤية أم تبكي لأنها عجزت عن إسكات طفلها الجائع، فلا الحليب متوفر في الصيدليات ولا في السوبرماركات. أما عن الحلّ، فترى أن المسألة تتعلق بسياسة الدعم المتّبعة والتي أثبتت فشلها لأنها سياسة عبثية أتت لمصلحة التجار وحرمت المواطن من الدعم.
لا تتوقف أزمة المواطن عند حليب الأطفال، بل تفاجأ اليوم بارتفاع أسعار الأدوية كافة لا سيما دون الـ25 الف ليرة، اي الأدوية التي يُعتمد عليها لرخص ثمنها. وكانت الصيدليات تبلغت قرار رفع اسعار كافة الأدوية دون سعر الـ 25 الف ليرة، وهو ما أسفت له سارة التي دخلت احدى الصيدليات لشراء دواء لوالدها بسعر 15 الف، فباغتها الصيدلي بارتفاع سعره الى نحو 20 الف ليرة. وعن سبب رفع الأدوية الرخيصة يجهل معظم الصيادلة الامر، بل يجدونه بمثابة تضييق للخناق على الفقراء، الاكثر طلباً لتلك الأدوية. ووِفق أحد الصيادلة في منطقة النبطية فإنّ اسعار الأدوية مرجحة للإرتفاع أكثر، وبدأ الأمر مع رفع اسعار الادوية الرخيصة، وفقدان معظم الأدوية من الصيدليات وتقنين بعضها، وهو ما يعرّض صحّة المواطن للخطر. كل ذلك يحصل والمسؤولون في وادي الصراع على وزير بالزائد ووزير بالناقص. في المحصّلة فإنّ عودة أزمة حليب الأطفال الى واجهة الصراع تبشّر بمزيد من الأزمات، في ظل تعامي الزعماء عن أي حل، ويتخوّف كثر من أنّ الحصول على علبة حليب سيكلّف المواطن حياته، فالوالد لا يتحمّل صراخ ابنه الجائع، قد يقتل ويسرق لأجله، حينها تقول المصادر إننا سنكون أمام ازمة اجتماعية أخطر لا يمكن لأي زعيم أن يطوقها.