اللحم المدعوم يغيب عن صوْر: الأحزاب أقوى من الوزارة
2021-04-14 16:55:59
تواجِه منطقة صور أزمة تأمين لحوم مدعومة. يُخَيَّل للبعض أنّها أزمة عامة. لكن، سرعان ما يتَّضح انحسارها في المنطقة، على غرار أزمة البنزين. وإن كانت أزمة اللحوم قد انفجرت نهاية شهر آذار الماضي، مع انكشاف وِلادة سماسرة جدد في قطاع المواشي، فقد استُأنِفَت مفاعيلها مع قرار حصر ذبح المواشي بكبار المستوردين في المنطقة، ومَنع أصحاب المسالخ التقليديين مِنَ الذبح، وإن استوفت مسالخهم الشروط الصحية المطلوبة.
أمّا أصابع الاتهام، فتتّجه نحو نافذين في حركة أمل، يُديرون اللعبة كيفما شاؤوا.تقنين اللحوم المدعومة
يصعب حصول المواطنين في منطقة صور على لحوم مدعومة، وإن وُجِدَت، فأسعارها أعلى من السعر المحدد مِن قِبَل وزارة الاقتصاد. لم تأخذ المسألة وقتاً طويلاً حتى انكَشَّفت خيوطها، فالحارة ضيِّقة والكل يعرف أهلها، وتحديداً أبناء الكار الواحد.رأس حربة الأزمة هُم كبار تجار المواشي. هُم وَضعوا شروط اللعبة التي انسحبَت على بعض أصحاب المسالخ، ومنها إلى الملاحم، فيما المواطن يبحث بين ملحمة وأخرى عن اللحم المدعوم، فيخرج خالي اليدين.أحد أصحاب الملاحم يؤكّد لـ"المدن" أن البحث عن لحم مدعوم "بات مهمة صعبة. مع أن اللحم متوفِّر، لكن لا أحد من أصحاب المسالخ أو تجار المواشي، يعترف بأنه مدعوم. فالكل يشتكي قلّة أعداد المواشي المدعومة، إلا أننا أصحاب مهنة واحدة ونعرف خباياها، ونعرف أن تجار المواشي يُخفون الأعداد الحقيقية للمواشي المدعومة، وكذلك أصحاب المسالخ، ويجبرون الملاحم على شراء كميات صغيرة بسعر أعلى من السعر الرسمي، وبتحايل على قرار الوزارة. فالملحمة يفترض بها استلام كيلو اللحم الصافي من المسلخ بـ29 ألف ليرة، لكن بعض المسالخ تقوم ببيع الكيلو بـ30 ألف ليرة، مع كل شوائبه، كالعظم وبعض الجلود، ومن دون انتظار الدم حتى يخرج كلياً من اللحم، لأن وزنه حينها يبقى أعلى من اللحم المصفّى تماماً".أمّا محاولة شراء اللحم المدعوم من مسلخ صيدا، فهو أمر مرفوض "لأن لحمة صيدا لأهل صيدا ومنطقتها. فهذا ما يُقال في المسلخ. وهو تبرير صحيح لأن الأزمة في منطقة صور مُفتَعَلة، فكيف تستطيع صيدا تأمين اللحم المدعوم، وصور لا تستطيع؟".قرارٌ واعتصام
لمجابهة تقنين اللحم المدعوم، قررت وزارة الاقتصاد حصر ذبح المواشي بكبار مستورديها ممّن يملكون المسالخ. فانتفضَ صغار أصحاب المسالخ واعتصموا يوم الثلاثاء 13 نيسان، رافضين "التهميش وعدم التزوّد باللحوم المدعومة وحصرها ببعض التجار الطارئين، وحرمان آلاف العائلات من تحصيل رزقهم". واستمرار الوضع على ما هو عليه، سيدفعهم الى "إتخاذ خطوات تصعيدية، ومنها مصادرة أي ناقلة تقل مواشي، وذبحها في مسالخهم".القرار لن يؤدي غايته، إذ يشير أحد أصحاب المسالخ في حديث لـ"المدن"، إلى أن القرار وإن كان يهدف إلى تقليص إمكانية التلاعب بكميات اللحم المدعوم وضياعه بين بعض المسالخ، لكنه يعني "تقليص عدد المسالخ التي توفِّر اللحوم المذبوحة، وبالتالي سيزداد الضغط لدى مسالخ المستوردين، ولن يتمكّنوا من تلبية الطلب اليومي. ما يعني خلق مشكلة إضافية. فضلاً عن أن القرار يحرم صغار أصحاب المسالخ من لقمة عيشهم". الحل الأمثل في هذه الحالة هو "إعادة فتح مسلخ صور التابع للبلدية. فهو قادر على استيعاب ذبح كميات كبيرة من المواشي، وتلبية الطلب اليومي. وحينها، أي مسلخ أو أي لحّام يمكنه الحصول على اللحم المدعوم من المسلخ الرسمي، بإشراف البلدية والجهات المختصة".ما يثير الغضب في هذه القضية، هو "تحمُّل جزء من أصحاب المسالخ والملاحم، جشع وطمع الجزء الآخر. والمؤسف أن ما يحصل، موجود مَن يحميه ويرعاه لدى المرجعيات السياسية في المنطقة. ومع أن اجتماعات تحصل لدى المرجعيات الحزبية، وخاصة في منطقة المصيلح، إلاّ أنها لا تحل الأزمة، بل تنتهي بالتمنّي على المخالفين الإلتزام بالقرارات وتأمين اللحم المدعوم. لكن كلنا نعلم أن ذلك لا يحدث، وأي محاولة للتصادم مع المخالفين، سواء مِن قِبَل أصحاب الملاحم أو المسالخ أو المواطنين وحتى وزارة الاقتصاد والقوى الأمنية، سيستدعي الحماية والغطاء الحزبي".شائعات
تنفي مصادر في وزارة الاقتصاد صدور قرار بهذا الشأن، فـ"كل ما يقال ليس سوى شائعات لتبرير التجاوزات على الأرض، والمسالخ صغيرة كانت أم كبيرة، يحق لها الذبح طالما أنها تستوفي الشروط القانونية والصحية. كما أن أي قرار رسمي يُفتَرَض تطبيقه على كافة الأراضي اللبنانية، فكيف يُطَبَّق في صور دون سواها من المناطق؟". ولا تنفي المصادر في حديث لـ"المدن" الطابع السياسي للأزمة في منطقة صور، وما يؤكد ذلك هو "توفّر اللحم المدعوم في كافة المناطق. ورغم وجود بعض التجاوزات، إلا أنه لا يوجد أزمة كبيرة كما هو حاصل في منطقة صور".وعن دور الوزارة في هذا المجال، تأسف المصادر لـ"قوّة النفوذ السياسي، وهو أمر موجود في كل لبنان، لكن في صور تبرز المشكلة بشكل أكبر. وتحاول الوزارة القيام بواجبها قدر الإمكان، لكن قلة عدد المراقبين يحول بشكل رئيسي دون إجراء المقتضيات اللازمة، ويضاف إلى ذلك الضغط السياسي".لا أفق للحل
لا قرار من وزارة الاقتصاد، ولا من حركة أمل. فما يحصل هو سطوة نافذين يحظون بغطاء من الحركة التي تفضّل عدم ترك المسألة للوزارة وللقوى الأمنية. وهو مسار تتبعه كل الأحزاب، فتُبقي على مفاتيح الحل في يدها، في أي مسألة خلافية داخل مناطق نفوذها. وهذا ما يُفسِّر حصول الاجتماعات في المراكز الحزبية أو في مكاتب نواب ووزراء الحركة، أو حتى في قصر رئيسها ورئيس مجلس النواب، نبيه برّي.وفي المحصلة، يبقى الوضع على ما هو عليه، إلى حين إيجاد صيغة جديدة تُرضي كبار التجار والسماسرة الجدد، الذين يرفضون فتح مسلخ صور التابع للبلدية، ويرفضون دخول أحد من خارج المنطقة، على خط ذبح المواشي وتأمين لحم مدعوم، وهو ما حاول أحد كبار التجار وأصحاب المسالخ في منطقة الشويفات القيام به، فوجد اعتراضاً شرساً من أصحاب المصالح في منطقة صور.بالتوازي، لا قدرة لبلدية صور على احتواء الأزمة. إذ يرى رئيسها حسن دبوق أنه "يُطلَب من البلديات حل كل الأزمات، وكأننا في بلد لامركزي. فالسلطة ليست بيد البلدية، لكن يُطلَب منها التدخل حين تعجز الدولة عن إيجاد الحلول، كما حصل في ملف النفايات". ويؤكد دبوق لـ"المدن" أن "مسلخ صور يواجه مشكلة في وحدات تنقية المياه بعد الذبح، ويتم معالجتها حالياً، وهذا ما يعيق إعادة افتتاح المذبح".في المقابل، يؤكد بعض أصحاب الملاحم أن "إقفال مسلخ صور جاء بقرار من كبار النافذين في القطاع، والمسلخ جاهز للذبح. والقول بأنه يحتاج إلى إصلاحات، هو قول مرفوض. وإن كان هناك بعض الأعمال المتأخرة، فهي كذلك بفعل الضغط السياسي، وهدفه تأمين مصالح النافذين من أصحاب المزارع والمسالخ".
Nk/وكالات