منذ أن وطأت الولايات المتحدة الأميركية أرض الشرق الأوسط في خمسينيات القرن الماضي لخلافة الانتدابين الفرنسي والبريطاني، برهنت بوضوح أنها لا همّ لها سوى مصالح الكيان الصهيوني وتأمين حمايته من الأخطار، وتكوين مظلة دائمة لاستمرار تفوقه. ولذلك ترى العديد من الدول العربية نفسها مصدومة من التصرفات الأميركية التي تبدي في العلن اهتمامها بصداقة تلك الدول، ولكن في الخفاء فهي تقدم مصالحها الاستراتيجية على اي أمر آخر ومستعدة لضرب المواثيق والوعود في أية لحظة متجاهلة التاريخ والجغرافيا.
ففي رسالة مفتوحة أواخر شهر آذار الفائت إلى الرئیس الأميركي المنتخب حديثاً جو بایدن دعا السفير السعودي السابق في لبنان علي عسيري للعودة إلى العلاقات الودیة بین البلدين. وجاء فيها: “من المؤسف أن أوجه عدم الاتساق في السیاسات أو عدم وجود حل من جانب إدارتي (باراك) أوباما و (دونالد) ترامب قد أسفرت عن تآكل مصداقیة الولایات المتحدة كشریك عربي موثوق به”.
وأضاف: “ولكن حقیقةً لقد حول الرئیس ترامب علاقتنا الاستراتیجیة إلى علاقة تفاوضیة – حتى أنه سخر علناً من ملكنا لأنه لن یصمد “أسبوعین” دون الحمایة الأميركیة”!
وفي حين عبّر الرئيس بايدن ووزير خارجيته توني بلينكن عن قلقهما من وثيقة التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين. لوحظ أن الإدارة الأميركية قررت في مطلع هذا الشهر سحب جزء من قواتها في السعودية، وبعد عشرة أيام وقّعت مع السلطات العراقية اتفاقات لسحب قواتها من ذلك البلد الذي ذاق الأمريّن من الغزو الأميركي منذ نحو عقدين من الزمن، في وقت تتداول مختلف وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي عن الدور الذي لعبته المخابرات الأميركية في ظهور تنظيم “داعش” وإيصال شخصيات تعاملت معه إلى مراكز قيادية في التنظيم المذكور والأدوار العنفية غير المسبوقة التي نفذها في العديد من الدول العربية ولاسيما العراق وسوريا ولبنان وليبيا!
بات واضحاً، أن الأميركيين ومن وراءهم الأوروبيين الذين بدأوا مشاورات جدية مع الإيرانيين حول الملف النووي يقاربون القضايا الجديدة والتحولات التي تُسجّل في أكثر من مفصل إقليمي بعقلية قديمة، مقتنعين أنهم يستطيعون الاستمرار بالمراوغة والتلاعب بمصير الشعوب وفق ما يرونه مناسباً لمصالحهم واستراتيجياتهم، ومصالح ربيبتهم اسرائيل. مسقطين كل التغيرات الحاصلة، ومنها الصعود اللافت للصين وروسيا، وما يمكن أن تفضي إليه من تحولات لن تصب في الخيارات المفضوحة التي يعتمدونها!