إنقلبت حياة اللبنانيين رأساً على عقب، وتبدّلت أولوياتهم وِفق إمكانياتهم، حتى أصبح جلّ همهم تأمين ربطة خبز أو طبخة يومية، وباتوا يعيشون كل يومٍ بيومه. يتأقلمون مع الغلاء، يستغنون عن العديد من الأصناف ويستبدلونها بأخرى، يعودون إلى الطبيعة وخيراتها،علّها تكون عاملاً مساعداً في البقاء والصمود.
يطلّ شهر رمضان هذا العام على البقاعيين وأوضاعهم المعيشية والإقتصادية تخطّت الخطوط الحمر، وتجاوز الكثيرون منهم خطّ الفقر وأصبحوا تحته بدرجات حتى كادت الضائقة الإقتصادية تخطف أنفاسهم. فلا أموال بين أيديهم يؤمّنون بها متطلّبات هذا الشهر، وقبله أيامهم العادية التي يقضونها كل يومٍ بيومه، حيث أصبح الطبق الرمضاني أو الإفطار الذي يبدأ تحضيره على بعد ايام يشكلّ عبئاً على الكثير من العائلات المستورة التي لا تستطيع شراء ربطة خبز، فكيف الحال وأسعار الخضار والحبوب واللحوم تحلّق عالياً؟
حديث الناس الشاغل هذه الأيام هو تكلفة صحن الفتوش الذي وصل إلى مراتب الكماليات التي يحسب لها الفقير ألف حساب قبل أن يشتري حوائجها وإعداد طبق على مائدة الإفطار بعد ارتفاع أسعار الخضار بشكل جنوني ومجاراتها لأخواتها من الزيت والبطاطا وغيرهما، ناهيك عن أسعار الحبوب التي يتم تحضير الشوربا منها، وأسعار الدجاج واللحوم التي يحتاجها كل طبق رئيسي في رمضان، إضافة إلى الزيت الذي بات شغل اللبنانيين الشاغل، يبحثون عن المدعوم منه كما يقول المثل البقاعي “بالسراج والفتيلة” من دون جدوى.
“هذا واقع الحال وعيش يا فقير”، بهذه الكلمات تختصر الأوضاع الحاجة أم حسين الستينية إبنة الجنوب والتي تعيش في بعلبك منذ ثلاثين عاماً، وفي حديث لـ”نداء الوطن” خلال تبضّعها بعض الخضار من أحد المحال عند مدخل بلدة دورس، تشير الى “أنّ ما نراه هو الكفر بعينه، فكيف بربّ عائلة مكوّنة من خمسة أفراد أن يكمل شهر رمضان ويصوم كل يوم ولا يجد ما يقوّيه على الصيام، فصحن الفتوش يومياً لعائلتنا يكلّفنا 20 ألف ليرة، وصحن البطاطا المقلية بالزيت يكلف 10 آلاف والشوربا كذلك، وهذا كله من دون أن نفكر بالوجبة الرئيسية التي تحتاج لأكثر من 30 ألفاً”، لتضيف بأنّها زرعت بعض الحشائش في منزلها لتخفّف جزءاً من المصروف ولكن ذلك لا يلغي من مرارة الأمر، فاللحوم ستغيب عن المائدة والدجاج، إلا في ما ندر.
تعوّد البقاعيون كل عام وقبيل بداية شهر رمضان المبارك أن يتسوّقوا “عدّة” الشهر كاملاً، غير أنّ الظروف الحياتية التي يعانون منها، وتوقّف أعمال الكثيرين منهم غيّرت مجريات حياتهم، يستبدلون العديد من الأصناف بأخرى ويستغنون عن أكثرها. وخلال جولة له على السوبرماركت للتبضّع يشير علي وهبي لـ”نداء الوطن” الى “أن الأسعار هذا العام تفوق الخيال والوصف ولا قدرة لنا على مجاراتها، فأنا ربّ عائلة إستغنيت عن الجلّاب بعدما وصل سعره إلى 55 ألف ليرة ولا يبقى لأكثر من عدّة أيام، أما الألبان والأجبان فقد إختصرت منها أيضاً”، لافتاً الى “أن قرار نقابة الأفران حول حصر بيع الخبز بصالات أفرانها هو الإجحاف بعينه”، متسائلاً: “كيف بربّ أسرة من بعلبك لا يملك سيارة ويريد التوجّه إلى أحد الأفران في دورس لشراء ربطتي خبز بخمسة آلاف ويدفع أجرة التاكسي عشرة آلاف؟ مضيفاً أن مئات العاملين في توزيع الخبز أصبحوا بلا عمل ومدخول بعد القرار الجائر الذي صدر، وكيف سيكون مصيرهم بحلول شهر رمضان؟”.
معاناة البقاعيين مع الأوضاع الإقتصادية وغلاء الأسعار مع قرب شهر رمضان، دفعت العديد منهم إلى الإستغناء عن الكثير من متطلّباتهم، ودفعت بالبعض الآخر إلى الإعتماد على زراعة الخضار في المنزل، فيما عمد آخرون إلى تربية الدجاج للإستفادة من البيض واللحوم أيضاً، لتبقى المبادرات التي تقوم بعض الجمعيات بالتحضير لها وتأمين الوجبات اليومية عاملاً مساعداً في تخفيف الأعباء عن كثيرين.