ترى أوساط سياسية على صلة بالمبادرة الفرنسية أن ما يطرحه الفرنسيون الآن هو إتفاق مرحلي يوقف الإنهيار ولا يجد الحلول الجذرية له، مع تأجيل كل الأجوبة على الإستحقاقات الأساسية والجوهرية الى وقتها، وفي مقدمتها الإنتخابات النيابية والرئاسية التي تتحكم بها ظروف مختلفة، لكن شرط حصولها هو بقاء الدولة المهددة بالإنهيار والفوضى التي تقلق الأوروبيين كثيرا ربطا بمخاطر التدهور الأمني وانعكاساته على الجبهة مع إسرائيل، وكذلك ملف النزوح السوري ومخاطر إنتقال اللاجئين الى أوروبا.
وفي هذا السياق، يروج الفرنسيون الآن، لفكرة مفادها أن الهدف من تأليف الحكومة هو منع الإنفجار وليس أي شيء آخر، ويدعون الأطراف السياسية اللبنانية لوضع كافة الإستحقاقات على الرف ريثما تنضج ظروف التسوية الشاملة في المنطقة، وهم يبحثون عن تهدئة مؤقتة داخليا لتسيير شؤون البلاد، لا أكثر ولا أقل. ومن هذا المنطلق، أبلغت فرنسا المسؤولين اللبنانيين بأنها لم تعد معنية بالإستمرار بعملية التفاوض غير المجدية معهم، وهددت بعقوبات لن يسبقها إنذارات هذه المرة. تقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما تحصل على تفاهم مرحلي مع الأميركيين يُسهّل التسوية، فتولد الحكومة خلال أيام أو أسابيع قليلة، أو أنها ستكون أمام تحدي تنفيذ تهديداتها، فإذا لم تفرض العقوبات ستخسر ما تبقى لها من ماء الوجه، وتثبت ضعفها. ويتم الآن دراسة الوسائل الممكن تبنّيها داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تشمل الدبلوماسية "الخشنة" تجميد أرصدة بعض المسؤولين في المصارف الأوروبية والإمتناع عن منحهم سمات دخول إلى دول الاتحاد الأوروبي.
ويبقى السؤال: هل سيحصل الفرنسيون على الضوء الأخضر الأميركي؟ لا أجوبة واضحة حتى الآن، بحسب مصادر
دبلوماسية، فسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لا تزال تتشكل، ولبنان ليس بمنأى عن ذلك. وفي سياسة بايدن
الخارجية "أضواء وظلال" على حد سواء، وهذا ما يجعلها مربكة وغير واضحة بعد، لكن الثابت حتى الآن وجود ميل
لتقليص الوجود الأميركي في المنطقة والتوجّه نحو الشرق الأقصى، ولهذا يجري ترتيب الملفات الساخنة وفق الأولويات.
وإذا كانت العلاقة الأميركية مع إسرائيل أو السعودية لم تتبلور بعد، في خضم التفاوض على الملف النووي الإيراني، فإن الساحة اللبنانية ليست ضمن الأولويات، ولهذا يحاول الفرنسيون مع الأميركيين بلورة هدنة تحيّد لبنان مرحلياً بانتظار إنضاج باقي الملفات.