لارا الهاشم -
ببعد استراتيجي يتعامل العدو الاسرائيلي مع موضوع التنقيب عن الغاز والنفط، فيما الحكومة اللبنانية تتفرّج . لا بل وأكثر فهي تقدّم له الهدايا المجانية.
فقبل أن تتوقف المفاوضات في كانون الأول الماضي كان الوفد اللبناني وتحديدا الجيش قد رفع الصوت من أجل تعديل المرسوم 6433 الصادر في العام 2011 والذي أنهى الحدود البحرية مع اسرائيل عند النقطة 23.
اذ تبين للجيش بالعودة إلى تقرير صادر عن المكتب الهيدروغرافي البريطاني في ال 2011 وإلى دراسات أجرتها مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، أن هذا الترسيم المحدّد في المرسوم المذكور يقضم من حق لبنان 1430 كيلومتراً مربعاً تقع جنوب الخط 23. أما التعديل المقترح فينقل التفاوض من الخط 23 الذي حدّد بموجب المرسوم 6433/2011 إلى الخط 29 الذي يطالب به الوفد المفاوض حالياً، أي باستعادة مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً بالاضافة الى مساحة 860 كيلومتراً مربعاً التي كان يُدعى أنه متنازع عليها، ما يشكل تهديداً لحقل كاريش والبلوك 72 الذي تنوي إسرائيل تلزيمه والتنقيب عن البترول فيه.
لكن الحكومة اللبنانية لم تلجأ إلى تعديل المرسوم على الرغم من رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي أكد على أن التعديل يدخل في صلب صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في حال وجود ضرورة ملحة للتعديل.
فهيئة التشريع والاستشارات استندت إلى "قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية" والذي ينص على أن تعيين الحدود البحرية يتم بمرسوم لا بقانون.
بناء عليه أعدّت وزارة الدفاع المرسوم وأحالته مع الأسباب الموجبة التي تُبين حالة الضرورة لإصداره في حكومة تصريف الأعمال، إلى رئيس الحكومة في 24 آذار الفائت ليحيله بدوره إلى وزارة الأشغال. هذه الخطوة انطلقت من رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي يقول أن على وزيرة الدفاع أن تعدّ المرسوم وأن على وزير الأشغال أن يصدر اقتراح التعديل كون المرسوم الأول صادر بناءً على اقتراحه، وبعد ذلك توقعه وزيرة الدفاع وبعدها رئيس مجلس الوزراء.
لكن ما حصل أن رئيس الحكومة أعاد المرسوم المحال إليه في 26 آذار إلى وزارة الدفاع بدلا من احالته إلى وزارة الأشغال بحجة أن التوقيع الأول يجب أن يصدر عن وزيرة الدفاع، وهذا ما يخالف رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل.
وفيما الحكومة تتلهى بتفاصيل التواقيع برز تطوّر بغاية الأهمية يتمثل بوجود حقل غاز لبناني محتمل في البلوك رقم 9 (المبرز في الخارطة أعلاه) يمتد إلى ما بعد الخط 23 وإلى البلوك 72 الذي ينوي العدو الاسرائيلي السطو عليه، وهذا الحقل أكبر من حقل كاريش.
وبالتالي فان حماية هذا الحقل في البلوك 9 لن تكون ممكنة إلا عبر تعديل المرسوم والمطالبة بالخط 29.
أما في حال بقاء الأمور على حالها فان شركة توتال التي التزمت أعمال التنقيب في البلوك رقم 9، قد تباشر بحسب مصادر مطلعة على ملف الترسيم بالحفر بعيداً عن حقل الغاز المحتمل الممتد إلى ما بعد الخط 23، خوفاً من أن يشترك فيه العدو الاسرائيلي وخوفا من أن يعمد الى عرقلة عملية الانتاج، كما فعل في حقل افروديت بينه وبين قبرص لمدة ١٠ سنوات. وفي حال لجأت توتال إلى هكذا خطوة، فهي قد تتوقف لاحقاً عن التنقيب عن النفط لصالح لبنان في حال عدم اكتشافها حقل تجاري آخر يسمح باستخراج البترول منه في البلوك 9.
هذا بالنسبة لتوتال، أما بالنسبة لشركة انيرجين التي التزمت أعمال التنقيب في حقل كاريش، فهي أيضا ستوضع تحت الضغط في حال عدّل المرسوم، الأمر الذي سيصبّ في مصلحة لبنان.
إذ أن الأخيرة لن تتجرأ على العمل في منطقة متنازع عليها نظرا للخسائر الفادحة التي قد تقع تحتها، خاصة إذا أرسل إليها لبنان كتاباً يحمّلها فيه المسؤولية الكاملة عن التنقيب في منطقة متنازع عليها.
عندها ستضغط شركة انيرجين على العدو الاسرائيلي الذي سيجد نفسه عندها فقط ملزماً بالعودة إلى طاولة التفاوض.
أما في حال ظلّت الحكومة غائبة عن السمع، فسيفقد لبنان حقوقه التي قد يمنحه إياها الخط 29 (أي قسم من حقل كاريش وحماية الحقل الضخم في البلوك 9).
فسفينة الإنتاج تنطلق في غضون أيام من سينغافورة إلى اسرائيل على أن تبدأ أعمال استخراج البترول خلال أسابيع من حقل كاريش، وفي حالات النزاع يمنح الاجتهاد الدولي الحقوقَ للدولة التي باشرت أولا في أعمال الانتاج.
إذا اسرائيل تسارع للاستفادة من الثروات النفطية ولبنان الغارق في كارثته الاقتصادية يتقاعس ويضيّع عليه فرصة ذهبية قد تدرّ عليه مليارات الدولارت فضلا عن كون المسألة سيادية.
فعوضا عن دعوة رئيس الحكومة إلى اجتماع فوري يضمّ إليه الوزراء المعنيين لوضع آلية لتوقيع المرسوم، تتلهى الحكومة بالجدل العقيم على التوقيع الأول. لربما فاتها أن التاريخ سيذكر يوماً ما أنها فرّطت بسيادة لبنان وحرمت شعبه ثرواته النفطية.