عندما يتذكر اللبنانيون المصائب والعقبات التي وضعت بوجه تسمية النواب لسعد الحريري رئيسًا مكلفًا بتشكيل الحكومة، والمماطلات التي سبقت تحديد موعد الاستشارات، قبل خمسة أشهر، يدركون بسهولة لماذا تعذر على المكلف أن يؤلف حتى الآن.
انه صراع المعادلات المستحيلة، الفريق الرئاسي متمسك بمعادلته الأساسية: سعد الحريري في الحكومة جبران باسيل معه، جبران باسيل خارج الحكومة سعد الحريري معه.
في المقابل، يتمسك فريق الرئيس المكلف بمعادلة مغايرة: أنا في السراي الرئيس عون في القصر الجمهوري، أنا خارج السراي عون خارج القصر، إنها «التسوية الرئاسية» التي حملت عون إلى القصر الجمهوري والحريري إلى السراي الكبير، بمعنى آخر التوازي يكون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وليس بين رئيس الحكومة وبين نائب أو وزير، ولو صنف عرفا «رئيس ظل» كجبران باسيل. وهنا، يكمن الوجه الداخلي للصراع على الحكومة في لبنان، والذي يستقي طاقته وديمومته من المعطيات الإقليمية والدولية.
وما بين صراع داخلي ورهانات خارجية، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إنه «لا إشارة داخلية تعطي أي أمل..»، مضيفا لموقع صحيفة «النهار» البيروتية «أنا خائف أكثر من الفوضى عندما أتذكر الـ 1975، وكيف انزلقنا إلى الحرب، وأنا ضد المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، والأهم كيف نزيل سوء التفاهم بينه وبين الحريري، لنتمكن من تشكيل حكومة».
وكشف جنبلاط انه بعد زيارته الأخيرة للرئيس عون هناك من دخل على خط التسوية وأسقطها، وقال ان «الإيغو» عند البعض أسقط التسوية الأخيرة، وختم: بعد المبادرة الأخيرة ما بقى حدن يطيقني.
جنبلاط ترأس اجتماعا لمجلس قيادة حزبه أكد في نهايته على حتمية التسوية الوطنية القادرة على فك أسر الحكومة العتيدة، على قاعدة التقديم المشترك للمصلحة الوطنية، استنادا إلى المبادرة الفرنسية.
في هذه الأثناء، شهد مقر رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة نشاطا لافتا تميز بوفدين من الجهات المؤثرة في الملف الحكومي تمثل بزيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد العائد من زيارة إلى العاصمة الروسية وجرى عرض نتائج الزيارة والمساعي الجارية لتشكيل الحكومة.
كما استقبل الرئيس بري الوزير السابق سجعان قزي ومدير الإعلام في بكركي المحامي وليد غياض.
وبعد اللقاء، قال قزي: قمنا بزيارة الرئيس بري لنقل تحيات البطريرك له وإطلاعه على الجهود التي يبذلها لإنقاذ لبنان على المدى القريب من أجل الوصول إلى حكومة ترضي الرأي العام اللبناني والمجتمعين العربي والدولي، كما أطلعنا هو على الجهود التي يبذلها أيضا بالتواصل مع البطريرك والقيادات الوطنية للخروج من الأزمة الحكومية المستعصية حتى الآن.
وأضاف: أظن أن تكافل الجهود بين كل مرجعيات الخير والمرجعيات الوطنية في هذا البلد يمكن أن تؤدي إلى الخروج من هذا المأزق.
كما استقبل الرئيس بري السفير المصري في لبنان ياسر العلوي وبحث معه الدور المصري المساعد في إنهاء الأزمة.
في غضون ذلك، تشعبت التحقيقات التي يجريها القضاء اللبناني في ملف استئجار بواخر الكهرباء من تركيا، والذي تسبب بهدر كبير في المال العام، وراكم من ديون الدولة اللبنانية، إذ تفرع عن هذه القضية ملفات عدة، وعلمت «الأنباء» من مصادر قضائية أن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم استدعى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بصفته وزيرا سابقا للطاقة والمياه، إلى جلسة تحقيق في ملف استئجار البواخر التركية، ثم تراجع عن هذا الاستدعاء لأسباب غير معلومة.
وأفادت المصادر بأن القاضي إبراهيم «أرسل مذكرة لتبيلغ باسيل بضرورة المثول أمامه، عبر الأمانة العام لمجلس النواب لكونه نائبا في البرلمان، إلا أنه عاد وسحب هذه المذكرة قبل وصولها إلى المجلس النيابي، بحجة تعديل موعد الجلسة، دون ان يحدد موعدا جديدا له».
ورأت المصادر نفسها أن استدعاء باسيل قد يأتي في سياق استجواب كل وزراء الطاقة السابقين، خصوصا أن القاضي إبراهيم كان استدعى قبل أيام إلى مكتبه في قصر العدل في بيروت الوزيرة السابقة ندى البستاني واستمع إلى إفادتها في هذا الملف، معتبرة أن إفادة باسيل أساسية في هذا الملف، خصوصا أن الأخير هو أبرم اتفاقية استئجار بواخر الكهرباء من تركيا في العام 2012، والتي راكمت عجز الخزينة اللبنانية وأرقام الدين العام، وكان أكثر المدافعين على طاولة مجلس الوزراء عن تجديد العقود معها منذ العام 2012 حتى الآن.