عُقد في قصر بعبدا إجتماع برئاسة الرئيس ميشال عون للبحث في خطط تنفيذ وتطوير مرفأ بيروت... ومن السرايا
الحكومي أعلن المكتب الإعلامي في رئاسة الحكومة عن فتح الإعتماد المستندي لصالح شركة "Combilift ،"بما يتيح المباشرة بنقل المستوعبات التي تحتوي على المواد الخطرة التي جرى تجميعها في مرفأ بيروت الى خارج لبنان، تنفيذا للعقد مع الشركة... وفي مجلس النواب، وفي جلسة "مكهربة"، جرى إقرار سلفة بقيمة 200 مليون دولار لكهرباء لبنان ستُسحب من ودائع المواطنين المتبقية باحتياطي مصرف لبنان. ورست "التسوية" التي عمل لها الرئيس بري على مبلغ 200 مليون دولار كحل وسط بين الخضوع لابتزاز وزارة الطاقة التي طلبت سلفة بمليار دولار وبين الوصول الى العتمة. والشق الآخر السياسي لهذه التسوية تمثل في مشاركة تكتل "لبنان القوي" في الجلسة النيابية الأخيرة وتأمين "الميثاقية" لها.
هذه نماذج من أنشطة وقرارات جرت واتُخذت يوم أمس، في وقت كان الإنهيار يتعّمق ، ويسجل قفزة جديدة وسط الغموض السياسي غير البنّاء والفوضى العارمة غير الخلاقة والغليان الشعبي المكبوت... وهذا النمط من "الأداء الرسمي" غير المتناسب مع خطورة الأزمة ومستواها، يدل إما الى حالة "إنفصال عن الواقع"، وإما الى عجز عن "إدارة الإنهيار"، يُضاف الى العجز عن إنتاج الحلول، وأولها وأبسطها يتمثل في تشكيل حكومة جديدة... وهذا يعني
أننا نتجه الى الأسوأ وأن "الآتي أعظم"... فما هو هذا "الآتي"؟!
تشكيل الحكومة إذا حصل قبل نهاية هذا الشهر، يشكل صدمة إيجابية محدودة المفاعيل، ويمكن أن تؤدي الى فرملة
الإنهيار والتخفيف من وتيرته. ولكن الحكومة لم يعد نجاحها مضمونا، ولم تعد تشكل حلاً للأزمة، ولم تعد كافية للخروج
من الأزمة الشاملة والإنهيار الكبير... فقد تأخرت كثيرا وتجاوزتها "دينامية الإنهيار"، فكيف إذا كانت ولادتها متعثرة
ولا مؤشرات الى تسوية حكومية حتى الآن، لا بل يسود إعتقاد ويترسخ بأن لا حكومة حتى نهاية العهد، وأن هذا الوضع يمكن أن يستمر شهورا إضافية من "التعايش الحكومي" ، ومن بين رئيس تصريف أعمال ورئيس مكلّف وتعايش" الأمر الواقع" مع الإنهيار والإستسلام للأزمة. وهذا الإستسلام لا يقتصر على المسؤولين وأهل الحكم، وإنما وصل الى الناس الذين انهارت ثقتهم بكل شيء وانكفأوا عن الشارع وما عادوا ينتظرون تغييرا وإنقاذا يأتي من الداخل على أيدي من تسببوا بالأزمة وهم من عناصرها. ولا مبالغة في القول إن حالة اليأس أصابت أيضا الدول التي تصنّف مهتمة ومعنية بالشأن اللبناني، وتبدي أكثر فأكثر الخيبة العميقة من المسؤولين والسياسيين، وتقوى لديها نزعة عدم الإكتراث بالملف اللبناني الذي لا يشكل أولوية، وسط مرحلة إنتقالية في الشرق الأوسط، والى درجة أن ملف الأزمة
السورية عاد يتقدم الى الواجهة من جديد، وعاد ربط الحل في لبنان بالحل في سوريا.
كل ذلك يعني أن الوضع وصل الى طريق مسدود والى مرحلة دقيقة وخطيرة بات فيها "الأمن" مهددا. الأمن بمفهومه الواسع "الأمن الغذائي"، الأمن الأجتماعي والأمن "الأمني" أيضا، ولكن الإنفجار الذي سينبثق عن الإنهيار لن يكون حربا أهلية. فهذه الحرب تحتاج الى إرادة سياسية غير موجودة، وأي من الفرقاء لا يريد حربا داخلية ولا مصلحة له فيها، وتحتاج الى مال غير متوافر والى ممول خارجي غير موجود. ولا يمكن لهذا الإنفجار أن يكون "ثورة" شعبية وانقلابا عسكريا، لا هذا ولا تلك يمكن أن يحدث في ظل إنقسامات وصراعات طائفية... الجوع والفقر لا
يصنعان ثورة وإنما يصنعان فوضى. وقد دخلنا بالفعل في مرحلة الفوضى ومن بداياتها، وسيكون من الصعب السيطرة
عليها إذا تنامت وترسخت وتطورت الى جرائم ومشاكل وصدامات وفتن... وإذا استمرت عملية "تحلّل" الدولة واندثار ما تبقّى من مظاهرها ومقوماتها.
فهل نحن أمام عملية تفكيك للدولة لإعادة تركيبها وعلى أسس جديدة؟! وهل باتت الدولة بوضعها الراهن غير قابلة
لا للتأهيل ولا للإصلاح، وصارت كلفة ترميمها أعلى من كلفة إعادة بنائها؟! هل صارت الأزمة أكبر من الجميع ومن
الأطراف في لبنان، مهما بلغت قوتهم واشتد ساعدهم وعلا شأنهم؟! وهل صارت أزمة لبنان جزءا من أزمات المنطقة،
وصار حلها جزءا من الحل الشامل والصفقة الكبرى؟!