هذه رسالتي الى شباب لبنان،
يمكننا أن ننظر إلى واقعنا الحالي ونيأس وبخاصة عندما نرى أمام أعيننا العملة الوطنية تنهار ومستقبلنا ينهار معها، والواقع السياسي والوجودي لمجتمعنا وبيئتنا يتلاشى.
بالتأكيد أي حوار او نقاش في الملفات الداخلية مشروعة، وهنا لا مجال للتبرير، فللمواطن اللبناني كامل الحق بطرح جميع الأسئلة، أمّا تحميل جميع الأطراف السياسية او طرف على حساب آخر فهو أمرٌ ثانوي. ففي الخلاصة تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، السياسيين والأحزاب لم يستطيعوا بناء وطن يحاكي طموحات أبنائه.
100 عام من عمر هذه الأسطورة التاريخية التي اسمها لبنان،
100 عام، تحول هذا الوطن الصغير الى "مصنع توليد وتعليم" فبتنا مع مرور السنين بلد هجرة بامتياز حتى بات لبنان المغترب يشكل أضعاف عدد لبنان المقيم. واكتفينا مع مرور السنين نستبطن الأمل والانتماء من أغاني فيروز والاخوان الرحباني، وديع الصافي، جبران خليل جبران، أمين الريحاني وغيرهم الكثير.
عندما نلتقي مع شباب لبنان وأنا واحد منهم، نطرح إشكاليات كثيرة، منها واقع الكهرباء، انفجار المرفأ، انهيار العملة الوطنية، الطرقات، شبكة الأمان الاجتماعي، السلة الغذائية والدعم. وفي الخلاصة كلٌ منّا يحمّل الطرف الآخر المسؤولية. وهنا مهما حاولنا أن نقدم تبريرات أو معلومات، تبقى خيارات الإقناع والاقتناع محدودة، لأننا في الخلاصة ليس المطلوب من جميع اللبنانيين أن يكونوا خبراء في السياسة والامن والاقتصاد والتربية و....، فهو، أي الشاب اللبناني، عندما يجد جميع الأبواب موصده في وجهه، يلجأ للهرب من هذا الواقع المرير خوفًا على مستقبله واستقرار حياته، وهذا حقّه الطبيعي.
ولكن مهلاً، هل نستطيع أن نقرأ واقع المنطقة من خارج الملفات الداخلية، التي وعلى الرغم من أهميتها تبقى تفصيل أمام ما يحصل في المنطقة من تطورات وأحداث متسارعة.
في طبيعة الحال، نحن اليوم امام خياران لا ثالث لهما، الاندثار النهائي لكيانية لبنان او الانتصار النهائي لكيانية لبنان. وهنا سأكتفي بسرد بعض الوقائع الإقليمية والتي تثبت نظرتي نحو انتصار كيانية لبنان في القريب العاجل. كما وان لو انتصرت نظرية الاندثار النهائي لكيانية لبنان فعندها النقاش في المضمون والأسباب لا يقدم ولا يؤخر في الخلاصات.
أولا، أكتب اليكم من واقع الايمان المسيحي، وهنا لا بدّ أن أعترف، أنَّ هذه النقطة قد تولّد جدلية كبيرة في سياق هذه المقالة، ولكن لا هم، الالتزام الديني لا يمنع أحد من ان يكون علماني الهوى وأنا من المؤمنين ان العلاقة بين الانسان والله هي علاقة عامودية تحددها الأديان اما العلاقة بين الانسان والانسان هي علاقة افقية تحددها الأعراف وقوانين الدولة ونقطة التلاقي بين الخطيين هي الدولة المدنية والنظام العلماني وهنا أجد نفسي.
لبنان بلد القديسين، فلو لم يكن هذا الوطن نهائي الكيان والوجود فلا داعي لهذه النهضة الروحانية التي قدّمت للشرق والعالم بوطقة من القديسين رسموا بحياتهم انموذج فريد من العلاقة بين الله والانسان، مما ثبّت هذا الوطن كحاجة ضرورية للعالم، ورسالة (doctrine) كما أعلنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وواحة حوار وسلام كما طالب به فخامة الرئيس العماد ميشال عون واعلنته منظمة الأمم المتحدة.
ولكن هذا الموضوع لنتركه على هامش هدف هذه المقالة،
من الواضح أنَّ جميع دول العالم، من أميركا، أوروبا وروسيا الى تركيا وسوريا مرورًا بدول الخليج وإيران والصين، متوجهون لوضع أوراقهم التفاوضية على الطاولة بعد أن تعود الولايات المتحدة الأميركية الى الاتفاق النووي. وهنا لا بدّ ان نقرأ أسباب وأهداف زيارة وزيرة خارجية روسيا الى دول الخليج كمؤشر دخول روسيا على خط تقديم ضمانات لهذه الدول وتذليل أي مخاوف لديها من صواريخ الحوثيين والإيرانيين، وإدخالهم كجزء من مشروع الحل وإعادة اعمار سوريا بعد ان كانوا جزء من مشروع تدمير سوريا وإنهاك الشرق الأوسط.
كما وإن دخول روسيا بهذا الشكل الفاضح من بوابة دول الخليج، كان رسالة واضحة وصريحة للإدارة الجديدة في اميركا، إذا أردت الحل في المنطقة من أفغانستان الى النووي الإيراني، مرورًا بأمن إسرائيل وتذليل المخاوف من قدرة حزب الله على ضرب منصات الغاز الإسرائيلي، فإن المدخل يجب ان يكون عبر روسيا حصرًا، لضمان امن إسرائيل وتسهيل انتاج الغاز وتصديره الى أوروبا وضمان عدم تدمير منصات الغاز من قبل حزب الله. من هنا جاءت دعوة روسيا لحزب الله للتشاور في الملفات الإقليمية للمنطقة.
ولكن من البديهي ان تطلب روسيا أثمان مقابل تذليل كل هذه الملفات.
اولاً، الانسحاب الأميركي من سوريا وإلغاء قانون قيصر، وهنا لا بدّ من العودة لتصاريح وزراء خارجية الامارات والسعودية حول عودة سوريا الى الحضن العربي وجامعة الدول العربية. بالتزامن مع وقف العقوبات الأميركية على روسيا والعودة الى الاتفاق الروسي الأميركي المعروف باسم معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية strategy arms reduction treaty – SART I, II, III .
سوريا متوجهة سريعًا لتستعيد وحدتها وسلامتها وعودتها الى الحضن العربي في هذا العام على ان تنسحب تركيا من سوريا ملتزمة باتفاق اضنة، ويتم الالتزام بالاتفاق على تمرير انابيب غاز الشرق الأوسط الى أوروبا مرورًا بها، عبر استعمال الخط الروسي، على ان ينضم لبنان وسوريا لاحقا لهذا الخط.
بموازاة التطورات في المنطقة، ستشكل حكومة في لبنان ملتزمة بالمشاريع التالية، تخصيص موانئ لبنان وتأخذ الصين على عاتقها إعادة اعمارهم وتحديثهم ويدخل لبنان رسميًا مشروع طريق الحرير.
تقسّم ثروة لبنان النفطية والغازية بين روسيا والغرب، ويدخل لبنان مرحلة جديدة من إعادة الاعمار.
ولتنفيذ هذه المشاريع وغيرها، سيتم التعامل مع طبقة سياسية بوجوه جديدة، تستطيع ان تحمل هذه الطروحات وتذلل كل العقبات التي ستوجهها، والجزء الثاني من زيارة حزب الله الى روسيا يندرج ضمن هذا الإطار من البحث في الملف الداخلي على ان يكون هو جزء من الحل مع القوى النظيفة.
اما ما نراه اليوم من ارتفاع جنوني بسعر الصرف ومحاولة احباط الناس وزعزعة الوضع الأمني ما هو إلاَّ الأوراق الأخيرة الي يسعى الفريق المنتهي الصلاحية لعبها ليقول للمتحاورين انا ما زلت موجود، ولكن الحقيقة والوقائع في مكان آخر.
تسارع الاحداث، يبدو أنّها أكبر من قدرة العقل البشري على استيعابها، وهذا بديهي. ولكن الوقت كفيل بأن يحدث التغيير، من هنا ادعو شباب لبنان للتمعن جيدًا في الاحداث قبل اتخاذ خيار الهجرة، لبنان بحاجة لطاقتكم واحلامكم. لنحدث معًا التغيير المنشود.