عندما تسلّم الرئيس حسّان دياب مهامه كرئيس للحكومة في لبنان قبل سنة وثلاثة أشهر، إقترح عليه العديد من المراقبين إتجاهان لسلوكه: إما أن يكون رياض الصلح الثاني، أي يعيد تركيز أسس لبنان الذي يطمح إليه معظم اللبنانيين الذين عايشوا سنوات البلد الذهبية في الرخاء والاستقرار والنمو، والمقصد للعرب والأجانب. وإما أن يكون رئيس حكومة يوقع البريد ويسيّر أمور البلد بالتي هي أحسن، ثم يعود إلى منزله بصفة رئيس حكومة سابق. ويبدو أن الرئيس دياب قد فضّل الخيار الثاني، حيث لم يكتف بتصريف الأعمال منذ ثمانية اشهر، بل أطلّ على اللبنانيين نهاية الأسبوع الفائت ليهدد بالإعتكاف أي شل ما تبقى من حركة الدولة المتهالكة!
فالرئيس دياب الذي كان مؤهلاً لأن يكون زعيماً سنياً في طائفته، نظراً لكفاءته العلمية ونظافة كفه وسيرته الحسنة. وزعيماً وطنياً على أصغر جغرافيا في الوطن العربي، عندما قَبِلَ تولي رئاسة السلطة التنفيذية في أحلك ظروف مرّ بها لبنان منذ استقلاله. فانه سلك منعطف تصريف الإعمال منذ اليوم الأول لوجوده في السراي الحكومي:
فتوجّس محاسبة المسؤولين عما آلت اليه البلاد من فساد وسوء إدارة. وأمضى فترة حكمه يدور في حلقة الخوف من المواجهة، فارتدت عليه ليتحول الى الحلقة الأضعف بدون منازع. في حين كان قادراً على أن يقلب الطاولة ويفضح جميع الفاسدين كي يُسجل إسمه بأحرف من ذهب في تاريخ السياسة اللبنانية!
وتقاعس عن جرّ من أفلسوا البلد، ودمروا حركته المصرفية، إلى القضاء فالسجون، فتحوّل شاهد زور على بلد ينهار، ومراقب لعداد تقلّب اسعار الدولار وخسارة العملة الوطنية لقيمتها. وطالما هو يخطط للعيش خارج لبنان لاحقاً، فكان الأحرى به أن يحمل السيف ويقطع رؤوس من أفقروا الشعب وجوعوه!
ومهما كانت أو ستكون خطوة الرئيس دياب منسّقة مع الرئيس المكلف سعد الحريري لتحفيزه على إكمال مهمته، فالجميع يتذكر جيداً كيف تصرّف الأخير معه إبان تكليفه وبعد تشكيل حكومته، لحين زيارته بعد خطوة القاضي فادي صوّان بالإدعاء عليه، وذلك في خطوة استباقية لحماية نفسه ليس اكثر!
قد يكون حسان دياب متعففاً أو زاهداً في أن يكون زعيمأ سنياً أو وطنياً، ولكن ليس منطقياً أن يساهم في شدّ الخناق على رقاب اللبنانيين من خلال تهديده بـ “الإعتكاف”. لأنه بذلك يمثّل الجلاد الذي يدفع الكرسي من تحت أرجل شخص يلتف حبل المشنقة على رقبته. وكم من مشنقة مالية واجتماعية ومعيشية تلتف حول رقاب اللبنانيين، وليس هناك من يرطّب شفاههم بالماء بل أن جميع المسؤولين يحملون إسفنجة الخل، فليكن هو “سمعان القيرواني” الذي سيساعد اللبنانيين في حمل صلبانهم الثقيلة جداً. طالما أن بلدهم في خطر شديد كما قال في خطابه التلفزيوني! إذ أن رد الاعتبار لا يكون بـ “الإعتكاف” بل بمد يد العون لشعب يحتضر. ومهما تكن نتيجة المساهمة في مساعدة اللبنانيين تبقى أخف وطأة من ان التاريخ سيسجّل ان رئيس حكومة إعتكف عن تصريف الأعمال فساهم في ذبح شعبه!..