مع الارتفاع المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي بشكل يفاقم من العبء المعيشي الثقيل على كاهل المواطنين، تتفاقم توازياً التحركات الشعبية التصاعدية وحركة قطع الطرقات لليوم الخامس على التوالي، دون أن تحرّك السلطة المؤتمنة افتراضاً على حياة الناس ساكناً، لا بل على العكس من ذلك فإنه وسط هذه الفوضى العارمة جاء تلويح رئيس الحكومة حسان دياب بالإعتكاف ليرسم صورة قاتمة للأيام والأسابيع المقبلة، ويطرح علامات استفهام واستغراب حول كيفية تصرف المسؤول التنفيذي الأول في البلاد أمام كل هذه التحديات، وهو إذا ما تم ربطه بدخول بعض أحزاب الحُكم على خط الإحتجاجات في الشارع، يعطي انطباعاً واضحاً عن المحاولات المكشوفة لتصفية حسابات سياسية على ظهر الشعب الغارق في أوضاع صعبة للغاية.
مصادر مراقبة لما يجري رأت في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “البلد على قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار الحقيقي الذي ينتظره لبنان”، ووصفت حديث دياب عن الإعتكاف بـ”غير البريء ويخفي في طياته مخاطر جسيمة ترتب المزيد من الارتكابات بحق البلد الذي فعلته هذه الحكومة غير المأسوف عليها، فهي اساسا لم تقدم أي حل للبلد بل فاقمت الأزمة بأضعاف مما كانت عليه لحظة تشكيلها”، وذكرت المصادر أن سعر الدولار كان 2000 ليرة في كانون الثاني من العام الماضي، وفي الأيام الأولى من آذار الجاري لامس الـ11,000 ليرة دون تحديد سقف واضح له، وقد يصل نهاية الشهر إلى 15,000 ليرة”.
المصادر حذّرت أيضاً من “أحزاب وتيارات تعمل على تجييش العصبيات في الشارع للإستفادة مما يجري ومحاولة إستغلال الفرصة، وهو ما أشارت إليه بياناتهم بالنداءات التي توجهوا بها إلى أنصارهم ومحازبيهم لحماية مراكزهم الحزبية مما وصفوه محاولات لاقتحام تلك المقرات على حد تعبيرهم”.
تحدثت المصادر عن “طوابير خامسة وسادسة يمكن إدخالها بين المحتجين للقيام بالشغب لشيطنة التظاهرات وإبعادها عن مسارها”، سائلة عن “دور السلطة والأجهزة الأمنية من كل ما يجري”.
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي لطالما كرر دعوته لحكومة تصريف الأعمال القيام بواجباتها بما يتناسب مع حجم الأزمات أقله لتحييد البلد عن الفوضى، فإنه جدد ليل أمس دعوة دياب إلى عمل الحكومة ضمن الأصول لمواجهة الوباء على الأقل.
أوساط اقتصادية رأت في إتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “خيار الإعتكاف الذي يهدد به دياب لن ينزع عنه تهمة إيصال البلاد إلى هذا الدرك من الفوضى بسبب القرارات الإرتجالية والهمايونية التي إتخذتها حكومته بالتمنّع عن دفع سندات “اليوروبوند”، وثانياً عزل لبنان عربياً ودوليًا”، مضيفة “ربما كان دياب يعتقد أن على هذه الدول أن تقدم له أوراق إعتمادها بعد أن أصبح رئيسا للحكومة حتى يكلف خاطره ويتصل برؤسائها أو على الأقل بسفرائها المعتمدين”.
الأوساط الإقتصادية قدّرت أن “دياب على الأرجح مصاب بعقدة الأنا، وهي التي منعته من القيام بالمبادرات الإنقاذية، فالبلد أصبح على شفير الإنهيار وأصحاب السلطة يتفرجون عليه وهو يحترق تماما كما فعل نيرون عندما إحترقت روما”.
من جهته الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة رأى في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية أن “السلطة تخلت عن مهامها”، سائلاً: “أين نعيش، وأين الأجهزة الأمنية، ولماذا لا يتم توقيف التجار والمهربين ولا تتم ملاحقتهم ولا ملاحقة الصرافين، وأين هي الحكومة؟”، مشيرا إلى “الفوضى التي تحدث في المولات والسوبرماركت، فالناس يتخانقون على علبة الحليب، أهكذا أصبح لبنان؟”، متحدثاً عن “تخبط سياسي وصراع سياسي واضح، فلم نعد نستطيع أن نتحدث عن أي حل إقتصادي بغياب السلطة السياسية، هناك مع الأسف تجار معروفين بالإسم فلماذا لا يتم إعتقالهم وسوقهم إلى القضاء”، مطالبا “الأجهزة الأمنية بأن تفرض نفسها وكل شخص يثبت قيامه بالتهريب يجب أن يدفع الثمن”.
وقال عجاقة: “حسنا فعل مدعي عام التمييز غسان عويدات بإعطاء الأمر للأجهزة الأمنية لملاحقة الصرافين، فهذا الأمر يجب أن يتم بأسرع وقت لأننا لا نستطيع أن ننتظر إستقرار الدولار للقيام بهذه المهمة، وكلما غابت السلطة كلما أصبحت السيطرة أصعب بكثير أمنيا وإقتصاديا ونقديا وإجتماعيا ومعيشيا، لذلك لا يمكن الإستمرار بما نحن عليه”، محملا المسؤولية بالدرجة الأولى “نتيجة غياب الحكومة حتى بتصريف الأعمال، فالحكومات تفرض هيبة الدولة”، مطالبا “بإستعادة هيبة الدولة كي يشعر الصرافون بأنهم ملاحقون، ويجب أن نرى المهربين بالسجون، فكل مشكلة إقتصادية تنتهي بمشكلات اجتماعية وتطور لمشكلات أمنية”.
وفي الشأن الحكومي، تستمر السجالات التي تنقل صورة الفشل في تحقيق أي تقدم. وتعليقاً على بيان المكتب السياسي للتيار الوطني الحر، أشار نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش في حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية إلى أن “الحكومة لا تتشكل بالبيانات والمواقف الإرتجالية، فالتشكيلة الحكومية سلمها الرئيس سعد الحريري لرئيس الجمهورية منذ ثلاثة أشهر، ولا شيء أسهل من أن يوقع عليها عون ويصدر المراسيم ويتم الإعلان عن تشكيل الحكومة، فالحكومة لا تتشكل بالإبتزاز، وسعد الحريري لم يُفشل العهد، بل من أفشل العهد هو جبران باسيل بهمينته على حكومة حسان دياب كما هو الحال، لذلك ما على رئيس الجمهورية أن يحمّل سعد الحريري المسؤولية، فهو يعرف من يجب أن يتحمل المسؤولية”.
علوش شدد على أنه “لا يحق للتيار الوطني الحر بأن يطالب بحصة له في الحكومة ولرئيس الجمهورية إذا كان لا يريد أن يمنح الثقة للحكومة، وهذا ما صدر في بيان تيار المستقبل، فكيف يطالب بوزراء والإستئثار بحصة المسيحيين وهو لا يريد أن يعطي الثقة للحكومة؟ وطالما نريد أن نتحدث عن حصة الرئيس، للتذكير فقط العماد عون رفض أن يأخذ الرئيس ميشال سليمان حصة في الحكومة في عهد الأخير، وسأل عون في حينها من يمثل رئيس الجمهورية وأين كتلته النيابية؟”.
علوش رأى أن “البلد متجه نحو الإنفجار ولم يعد هناك قدرة على السيطرة، وإن تأليف الحكومة قد يهدئ الأمور لبعض الوقت، فإذا لم تكن قادرة على إنجاز الإصلاحات وتقوم بعلاقات جديّة مع الدول المانحة وإعادة ترميم العلاقات مع الدول العربية الشقيقة والإستعانة بصندوق النقد الدولي، ساعة إذ الرئيس سعد الحريري يتحمل المسؤولية، لذلك يجب أن يأخذ الرئيس الحريري الحكومة على عاتقه وإذا فشل يكون قد فشل لوحده”.