ماذا تنتظر السلطة «الفاشلة» والغائبة، التي تمثل الطبقة السياسية، التي أظهرت عداء مستحكماً للشعب اللبناني، الذي اعطاها الثقة في صناديق الاقتراع، وخدعته، وانقلبت عليه، لتبتعد كلياً عن المشهد؟
أظهرت كل تحاليل الرهان على هذه السلطة، للحد على الأقل، من انهيار كل شيء، منذ 17 تشرين الأوّل 2019، انها لم تكن في محلها. والكل نفض يده منها، حتى ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ابتعد عن المشهد المتعب، وصرف النظر عن زيارة ثالثة كان يرغب بها إلى لبنان، والعرب يئسوا من أداء الطبقة القابضة على السلطة وابتعدوا أيضاً، فضلا عن عواصم العالم الكبرى، بما فيها واشنطن وموسكو.
جلّ ما بقي من أداء هذه السلطة المريضة، انها رمت بعقمها على المجتمع، الذي لم تكفه جراحاته ومعاناته، بل دفعت إليه كل اشكال البلاء: صدامات في الشوارع، وعلى الاوتوسترادات التي تربط المحافظات بالعاصمة بيروت، من الجية إلى اوتوستراد جل ديب والزلقا، ومن طريق صيدا البحرية إلى ساحة النور في طرابلس، وطريق العبدة، واوتوستراد جبيل.. بين المواطنين بعضهم مع بعض، وبين رجال الأمن والمواطنين المحتجين..
لم يقف الأمر عند الاشتباكات ورمي الحجارة، والمنازلة بالعصي والحجارة والسكاكين، بل تعداه إلى مآسٍ، تظهرها أفلام الفيديو، وهي أشبه بأفلام الملاكمة، أو أفلام المسلسلات، تضاربا للسيطرة على فتات الاطعمة والأغذية، التي يقال عنها انها مدعومة، في ظل غياب لسلطات الرقابة والقوى الأمنية المعنية، وكأن عدم الحصول على «بودرة» (الحليب الناشفة) نهاية العالم!
ولم يقتصر الأمر على ذلك، ففي أحد متاجر عرمون، واثر نشر رسائل على وسائل «التواصل الاجتماعي» عن بيع اصناف غذائية مدعومة، تهافت المواطنون لشراء ما امكن من الحاجات والسلع، ووقفوا في طوابير ومعظمهم دون كمامات وقائية، حتى غصت بهم الطرق ما تسبب بزحمة سير خانقة في المحلة.
ومع ذلك، ملّ النّاس من إجراءات المنصة، أو عقد الاجتماع في السراي الكبير أو بعبدا أو أية وزارة، فعزف الجمهور عن QR code الذي تمنحه المنصة للذهاب، إلى بعض المؤسسات، مثل السوبر ماركت- البنوك- المتاجر الكبيرة.
ضمن هذا المشهد الحالك، والمنهك، لم تمر زيارة البابا فرنسيس إلى العراق مرور الكرام، فتابع اللبنانيون، على اختلاف طوائفهم، ومذاهبهم وقائع الزيارة، الحدث، نظرا للتشابه بين البلدين، وهم ينتظرون «ترياق الكهرباء» من العراق.. وسط أسئلة عن مدى الاستمرار في الضياع الحكومي، وانسداد الأفق.
إزاء ذلك، توقعت أوساط مطلعة أن يضاف الأسبوع المقبل إلى رزنامة الانتظارات لأن لبنان لم يحل ضيفا على طاولة المفاوضات الإقليمية، داعية إلى ترقب اجتماعات رئيس الحكومة المكلف في روسيا التي دخلت على خط تأليف الحكومة الجديدة.
ولفتت أوساط مطلعة عبر «اللواء» إلى أن التحركات الاحتجاجية الممتدة على جميع الأراضي اللبنانية قد تصبح ضاغطة في الفترة المقبلة لكن التجارب قد تعيد المشهدية السابقة لجهة أن ما من قدرة على المعالجة واستنباط الحلول معتبرة أن المراوحة تعلو على أي خطوة.
وأوضحت الأوساط نفسها أن هناك من يعتبر أن بقاء هذه التحركات تحت عنوان تردي الاوضاع من دون أي إشكالات امنية هو الأساس، مشيرة إلى أن اكبر دليل على أن هذا العنوان هو قيام الاحتجاجات في معظم المناطق اللبنانية دون أن تكون حظرا على منطقة.
وهكذا دخل لبنان مجدداً في لعبة الوقت الضائع قبل تشكيل الحكومة، مع ما يُرتّبهُ ذلك من تزايد الازمات عبّر عنها تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء العشرة الاف ليرة، وتهافت المواطنين على شراء السلع الاساسية والمواد الغذائية قبل ارتفاع اسعارها اكثر او فقدانها بالكامل، استمرت معها التحركات الاحتجاجية وقطع الطرقات في معظم مناطق لبنان. وبقي الهم محصورا بعمليات التلقيح لمواجهة تفشي كورونا ومصير العام الدراسي بعدما اعلن وزير التربية طارق مجذوب اقفال كل المؤسسات التربوية والتعليمية اسبوعاً.
وذكرت مصادر رسمية لـ«اللواء» ان مساعي اللواء عباس إبراهيم مستمرة ولم تتوقف برغم سفر الرئيس سعد الحريري، وهو بانتظار عودته لإستكمال البحث بالمقترحات الجديدة بعدما أكد الرئيس ميشال عون عدم طرحه الثلث المعطل والموافقة على ان تكون حصته ستة وزراء بمن فيهم الوزير الارمني. لكن المهم موافقة الحريري الذي يبدو انه ما زال متمسكا بمواقفه حول عدد الوزراء 18 ومن حقيبتي الداخلية والعدل ايضاً.
لكن المصادر رأت انه اذا كان الحريري منتظراً امورا اخرى فإن الانتظار قد يطول وتطول معه ازمة البلد، وتصبح الحلول أصعب وربما لا يتبقى حلول اذا استمر الانهيار بكل مقومات البلد. مشيرة الى ان لعبة الضغوط بالاقتصاد والليرة والتحرك بالشارع اياً كان الذي يقوم بها مضرة ولا توصل الى اي نتيجة. وتضيف: اذا لم يرد الحريري تلبية شروط عون او مطالبه فليبحث عن ابواب ومبادرات وحلول اخرى ويطرحها للبحث.
ويستكمل الرئيس المكلف سعد الحريري برنامج جولاته الخارجية بحثا عن دعم لبنان، وفي السياق يزور خلال الاسبوعين المقبلين موسكو للتشاور مع كبار المسؤولين في ما آلت اليه الاوضاع في لبنان ومواقف الاطراف الداخلية والاقليمية المؤثرة في مسار التشكيل نسبة للدور الممكن ان يضطلع به المسؤولون الروس مع الجهات الاقليمية لا سيما ايران، للافراج عن تشكيل الحكومة، بعدما حملها في بيان مكتبه امس المسؤولية في شكل واضح.