ما حصل يوم أمس، وما زال يحصل، من "إنفجار شعبي في الشارع"، يترجم بتظاهرات إحتجاج وغضب وأعمال
عنف وتخريب و"مناوشات" مع الجيش والقوى الأمنية، يعيد الى الأذهان مشاهد الأيام لأولى من إنتفاضة 17 تشرين
2019 عندما اندفع الناس بأعداد أكبر وسخط أقل الى الشارع. كانت الضريبة على "الواتساب" شرارة كافية لتفجير
الأزمة المكتومة، واليوم الإرتفاع "الجنوني" لسعر صرف الدولار هو الشرارة التي أشعلت الوضع وألهبت الشارع. ولا
يمكن إعتبار ما يحدث "إنتفاضة رقم 2 "إمتدادا للإنتفاضة الأولى واستئنافا لها من النقطة التي توقفت عندها بفعل
الإحتواء المنظم من قبل السلطة والإنقسام الفوضوي في صفوف "الثوار".
ما حدث يمكن أن يكون "فورة غضب" و"فشة خلق"، ويمكن أن يكون تحريكا سياسيا خفيا لوضع جاهز
للإستخدام في بيئة شعبية حاضنة ومتحفزة... وأيًا يكن الأمر، ما حدث كاف لإطلاق الإنذار الأخير، وليس "الإنذار
المبكر"، الى أن الوضع، وبعدما توغل في مرحلة الإنهيار، يقف على حافة الإنفجار الشعبي والأمني. وإذا كانت الجهود
والهواجس الداخلية والدولية ركزت في المرحلة السابقة على "وقف الإنهيار"، فإنها ستتحول في اتجاه هدف آخر هو
"منع الإنفجار"، بعدما صارت كل عناصره ومكّوناته متوافرة واضعة البلد "على فوهة بركان"...
بين 27 تشرين 2019 و2 آذار 2021 فوارق كثيرة: الإحتجاج ليس موجها ضد حكومة غير موجودة وإنما ضد
نظام متهالك... الشعارات والعناوين لم تعد تنشد الإصالح ومكافحة الفساد وإنما إنكفأت، مع إنخفاض سقف الطموحات
والمطالب، الى عناوين مطلبية حياتية معيشية لا تتجاوز الحاجات البديهية... الإنقسامات السياسية ما زالت محتدمة
ولكن تقدمت عليها التوترات الطائفية والفوضى الإجتماعية وجرائم القتل والسرقة والسلاح المتفلّت والنزاعات
العشائرية، وعودة "شبح الإرهاب" وهاجس الإغتيالات، وتآكل القدرة الشرائية لدى المواطنين يترافق مع تآكل هيبة
الدولة التي صار حكامها "فاقدين للمصداقية" ولروح المبادرة والمسؤولية، وصارت قواها ومؤسساتها العسكرية
منهكة عمليا و"نفسيا"، وواقعة بين سندان الشارع ومطرقة السلطة السياسية، وصار مواطنوها فاقدين للثقة بكل
شيء يتآكلهم شعور اليأس وهاجس الخوف من الحاضر والمستقبل.
إن تضافر هذه العوامل والأوضاع الداخلية سيؤدي الى إنتقال الأزمة الى الشارع، والى ثورة من نوع آخر: ثورة الجياع التي يصعب ضبطها وإبقاؤها تحت السيطرة، وتغلب عليها أعمال العنف والفوضى غير البنّاءة. والوصول الى هذا الوضع "حتمي" إذا استمرت الأوضاع في مسارها الحالي... والمسألة مسألة وقت...
هذا المسار الخطير مع أزمة مثلثة الأضلاع: أزمة اقتصادية مالية مصرفية، أزمة إجتماعية حياتية، أزمة وطنية سياسية، ال يوقفه إلا الذهاب وسريعا في المسار الآخر المضاد. مرحلة المناورات لتحسين الشروط وتحصيل المكاسب وكسب الوقت أو تضييعه، إنتهت، وحان وقت إتخاذ القرارات الصعبة والجريئة لأن الوضع لم يعد قابلاً لـ"للإنتظار"،
وصار قابلا للإنفجار... والمسار الآخر هو: تشكيل حكومة جديدة تحظى بالثقة الدولية أولاً، وتكون مؤهلة لإجراء إصلاحات سريعة وجذرية، والتحرك على مسارات عدة متوازية لمعالجة الأزمة. فمن دون حكومة وإصلاحات لا مساعدات ولا أموال من الخارج، ومن دون تدفق للأموال لا سبيل الى الخروج من النفق ووقف الإنهيار والدمار الشامل...
لبنان بحاجة الى فسحة إنتظار للوصول الى محطتين: الأولى داخلية هي انتخابات العام 2022 ،والثانية إقليمية هي
جلاء معالم التسوية أو الصفقة الأميركية ـ الإيرانية.