الشأن الحكومي الذي كان ينتظر التطورات المتوقعة من زيارة ماكرون للرياض، بدا جامداً بلا حراك، بينما الحراك الوحيد لسعر الدولار ولأسعار السلع صعوداً مع أحاديث عن دراسات موثقة لقرب ساعة الانهيار الكبير، وهو ما يتحرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لمحاولة تفاديه بمبادرات ومساعٍ ترجمتها زيارته لبكركي، حيث قالت مصادر متابعة لموقف بكركي إنها تبدو أقدر على التحرك بعدما أعادت ترسيم مواقفها وطروحاتها على خطوط تأخذ بالاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية، التي تشير لتراجع فرضيات التصادم الأميركي الإيراني لحساب التسويات والتفاهمات، وقالت المصادر إن بكركي التي كانت تسعى لإقامة توازن بوجه حزب الله في ظل التجاذب الحاد الأميركي الإيراني عبر دعوات الحياد والتدويل، شرحت مبادراتها بلسان البطريرك بشارة الراعي على قاعدة لا تستفز حزب الله وتفتح معه قنوات الحوار، ما يسهل مهمة بكركي الحكومية، ويعقد مهمة بعض الصاعدين الى بكركي لدفعها للتصعيد، الذين يبدون في غربة عن موقف بكركي بنسخته المعدلة، بينما قد يكون المخرج الحكومي الممكن في ظل مد الجسور بين بكركي وحزب الله، عبر لوائح تعدّها بكركي لبعض أسماء الوزراء بما يضمن عدم تشكل الثلث المعطل، ويضمن عدم وضع اليد من غير المسيحيين على المواقع المسيحية، كمطلبين لكل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، على ان يختار رئيس الجمهورية منها ثلاثة أسماء يختار منها الرئيس المكلف اسماً.
وفيما تراجع الملف الحكومي إلى أسفل سلم الأولويات، برزت الحركة السياسية باتجاه الصرح البطريركي من قوى سياسية متعددة تتوسع اليوم عبر تنظيم زيارات لوفود شعبية إلى بكركي لتأييد ودعم مواقف الكنيسة المارونية الأخيرة.
وفيما أشار زوار بكركي لـ»البناء» إلى أن «كلام البطريرك عن المساعدة الدولية للبنان لا يعني التدخل في الشؤون الداخلية للبنان ولا يعني الاستقواء بالخارج ضد فئة معينة ولا إخضاع لبنان للفصل السابع، بل الهدف دعوة لعقد مؤتمر دولي لحث الأطراف الداخلية على تأليف الحكومة والعمل على تأمين حشد دولي لدعم لبنان مالياً لإنقاذه من أزماته المتفاقمة». تخوفت مصادر سياسية من أهداف الحملة السياسية والإعلامية لاستدراج تدخل خارجي في شؤون لبنان وصولاً إلى طرح الموضوع أمام الأمم المتحدة كما فعلت القوات اللبنانية والتي تحمل في طياتها دعوة لصدام داخلي وتوتير الوضع الأمني والسياسي أكثر. وأشارت المصادر لـ»البناء» إلى أن «التدويل سيؤدي إلى الفدرالية والتقسيم واستدراج انتداب دولي جديد لا يزال لبنان يعاني من أنواعه وأشكاله منذ عهد المتصرفية والحكم العثماني إلى الانتداب الفرنسي مروراً بالاحتلال الإسرائيلي للبنان»، مشددة على أنه «لا يمكن عزل لبنان عن محيطه العربي والقومي والجغرافي ووضعه تحت وصاية دولة». وحذرت المصادر من «توجه لافتعال مشاكل داخلية وتوترات طائفية وأزمات اجتماعية ومعيشية لنقل صورة للخارج بأن لبنان مهدّد بأمنه واستقراره ولا يستطيع حكم نفسه وحلّ أزماته ودفع بعض الدول الغربية لإثارة التدويل في مجلس الأمن الدولي»، لكن المصادر أكدت بأن «هذا المشروع لن يمرّ فهناك توازنات داخلية وإقليمية ودولية جديدة أفرزتها الأحداث خلال العقد الماضي لا تسمح بمرور أيّ من هذه المشاريع».
وتوقفت المصادر أمام الحج السياسي لعدد من الكتل السياسية والنيابية الرئيسية في البلد إلى مراجعها الدينية وما الهدف من ذلك؟ كما فعلت كتل القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وغيرهما من الأفرقاء المسيحيين وكتلة المستقبل التي زارت دار الفتوى، ما يزيد من حدة التموضع والانقسام الطائفي والمذهبي في بلد يعاني من أزمات وانهيارات اجتماعية، فيما تنادي هذه الأطراف بالدولة المدنية واللاطائفية ودولة القانون! وتساءلت عن سبب زجّ المرجعيّات الروحيّة ورجال الدين بتفاصيل الحياة السياسية وتوريطهم بمشاريع ومواقف تؤسس لتوترات طائفية وأمنية، فهل يخدم هذا الدولة المدنية؟ وهل نحن في دولة أو في مجلس ملة؟ وهل هدف الكتل النيابية استرضاء أو الاحتماء بمرجعياتها الدينية؟ مشيرة إلى أن «العلة تكمن أولاً وأخيراً بهذا النظام الطائفي القائم ولا حل لأزمة لبنان إلا بتغييره».
كما تلقى الراعي اتصالاً من الرئيس المكلف سعد الحريري، وجرى النقاش في المستجدات السياسية. واستقبل البطريرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وبعد اللقاء، أشار اللواء إبراهيم إلى أننا «بحثنا في موضوع تشكيل الحكومة، أنا اتولى جزءاً من المساعي وغبطته يتولى الجزء الآخر، لذلك، لا بد من التلاقي من حين الى آخر لاستكمال الجهود على أمل أن تتحسن الامور».
في المقابل، أشارت مصادر مطلعة على موقف مرجعية عاملة على خط التأليف لـ»البناء» إلى أن «بعض المبادرات لا سيما مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري اصطدمت بجدار الرفض من بعبدا وكل المبادرات التي طرحت وصلت إلى طريق مسدود». وقالت: «إذا كانت مبادرة الرئيس بري لم تصل إلى خواتيمها السعيدة، فكل المبادرات الأخرى لا تملك المقومات اللازمة وبالتالي لن يكتب لها النجاح لإنقاذ الوضع الحكومي»، ولفتت الى أنه لا تبدو في الأفق حلول لأزمة الحكومة نتيجة الاشتباك الإقليمي والصراع وعدم الثقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.
وسجلت المصادر مؤشرات سلبية عدة تعزّز الاعتقاد بألا حكومة في المدى المنظور:
الأول السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي زار المرجعيّات الروحيّة لم يقم بأي زيارة إلى المسؤولين السياسيين لا سيما الرؤساء الثلاثة. وهذا يؤشر الى أن السفير السعودي وبعد مرور ثلاثة أشهر على غيابه، لم يحمل معه أي مبادرة أو حل للمساعدة بتأليف الحكومة. وفي سياق ذلك علمت «البناء» أن «بعض المسؤولين اللبنانيين والعرب يبذلون جهوداً مع السعودية من خلال اتصالات ولقاءات مع مسؤولين سعوديين لتسهيل ولادة الحكومة فكان الجواب السعودي بالربط بين تسهيل التأليف في لبنان مقابل أن يقوم حزب الله بإقناع أنصار الله في اليمن بوقف الهجمات الصاروخيّة على المملكة».
المؤشر الثاني الموقف الفرنسي الذي لم يول الأهمية لزيارة الحريري الأخيرة الى باريس ورفض طرح أي مبادرة جديدة للحل ورفض الرئيس ايمانويل ماكرون زيارة لبنان إلا بعد تأليف الحكومة.
الثالث كان من المتوقع أن يزور ماكرون السعودية لمناقشة ملفات عدة معها ومن ضمنها الملف اللبناني لكن الزيارة لم تحصل ما يخفي موقفاً سعودياً حاسماً بعدم التدخل للتسهيل بلغ الرئاسة الفرنسية فأرجأت الزيارة.
وخلصت المصادر للإشارة الى أنه صحيح أن المشكلة داخلية، لكن الاشتباك الاقليمي لا يعزز فرصة إنقاذ الحكومة.
في موازاة ذلك، أكدت كتلة المستقبل النيابية في إطار جولة على القيادات الروحية بدأتها من دار الفتوى أن «الحريري يعمل استناداً إلى الدستور، وهو حريص على حقوق جميع اللبنانيين الذين نبذوا اللغة الطائفية والمذهبية التي دمّرت البلاد». وخلال زيارتها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، برئاسة بهيّة الحريري. قال النائب وليد البعريني باسم الكتلة: «نقلنا للمفتي أن الرئيس الحريري ومنذ تكليفه، عمل جاهداً للوصول إلى حكومة مهمة من أصحاب الاختصاص غير الحزبيين، المشهود لهم بالكفاءة لإجراء الإصلاحات الضرورية، ووقف الانهيار وإعادة إعمار ما دمّره انفجار المرفأ، والحريري كرَّس كل علاقاته الخارجية وهو يقوم بزيارات عدة لدول شقيقة وصديقة، لتأمين شبكة دعم عربية ودولية للبنان، تساعده في تخطي المشاكل التي يعيشها».
في المقابل أكدت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد على «وجوب التوصل بسرعة الى تفاهم يقضي بحكومة جديدة فاعلة لا أسيرة عدد معين ولا عدم توازن»، مشيرة إلى أن «ضرر التأخير بتشكيل الحكومة أكبر من ضرر أيّ تنازل». ولفتت الكتلة في مجال آخر، إلى أنه «مع تعيين قاضي تحقيق جديد بقضية انفجار مرفأ بيروت المريع الذي حصل في الرابع من آب 2020، تطالب الكتلة بالمتابعة الدقيقة والوازنة لمعرفة كامل الحيثيات وتؤكد على نشر التحقيق التقني الذي أنجز من الأجهزة المختصة بالتعاون مع أجهزة دولية، ولا يجوز أن يستمر توقيف الموقوفين الأبرياء لأن في ذلك ظلماً غير مبرر». ولفتت إلى «ضرورة قيام لبنان عبر وزاراته بحملة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ضد التسرّب النفطي لما يمثل اعتداء بيئياً من قبل «إسرائيل» التي تهدد السلامة البيئية في منطقتنا».
وفي ظل الجمود الحكومي، تتفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية ما يضع البلد أمام انفجار اجتماعي محتوم إذا ما استمر الوضع على حاله، فيما يتمادى سعر صرف الدولار بالارتفاع في السوق السوداء من دون أي رادع وبلغ 9525 ليرة للشراء مقابل 9575 ليرة للمبيع مع ترجيح الخبراء أن يقفز إلى ما فوق الـ10 آلاف ليرة خلال الأيام القليلة المقبلة.
ولا يكفي المواطن ارتفاع سعر الصرف وأسعار السلع والمواد الغذائية في السوبرماركات وأيضاً أسعار المحروقات التي ترتفع تدريجياً من دون حسيب أو رقيب، حيث يسعى التجار الى رفع السعر تحت حجة ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، سجلت مختلف المناطق اللبنانية مزيداً من التقنين القاسي في التيار الكهربائي بسبب التأخير بفتح اعتمادات للشركات في مصرف لبنان. وتوقعت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان أمس، أن «تتحسن التغذية تدريجياً فور المباشرة بتفريغ حمولتي الناقلتين البحريتين، Grade A) و(Grade B) لافتةً الى أنه من المرتقب وصول شحنة محملة بمادة الغاز أويل مساء السبت 27 شباط بما سيساهم بتحسن اضافي للتغذية بالتيار الكهربائي في حال تم استكمال الإجراءات المصرفية، وصدور موافقة المورد لتفريغ حمولتها”.
وفيما بدأ انعكاس ارتفاع أسعار المحروقات على السوق لا سيما على قطاع النقل تردد عن توجّه لرفع تعرفة “السرفيس” الى 5000 ليرة لبنانيّة ابتداء من أول آذار المقبل. إلا أن المكتب الإعلامي لوزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، نفى الخبر مؤكداً أنه عار عن الصحة.
وفي السياق نفسه، نفى رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس في تصريح المعلومات عن رفع تعرفة السرفيس الى 5000 ليرة بداية الشهر المقبل.
على صعيد مصرفي، وفيما عزت مصادر مصرفيّة سبب ارتفاع سعر الصرف الى زيادة الطلب عليه بسبب اقبال المصارف على شراء الدولارات من السوق السوداء لكي ترفع سيولتها واحتياطاتها لتنفيذ تعميم مصرف لبنان. كرّر الأخير الطلب من المصارف ارسال كافة بياناتها الى لجنة الرقابة على المصارف التي تقوم بدورها بالتدقيق بها وإرسال التقارير المتعلقة بها الى مصرف لبنان وذلك بعد تاريخ 28 شباط 2021”.