بانتظار وصول 30 الف لقاح مساء السبت المقبل، تترنح البلاد «كورونيا» وسط مخاوف جدية من خسارة مفعول الاقفال العام بعدما بدأت مظاهر الفوضى تتسلل مع بدء تطبيق العودة التدريجية الى فتح القطاعات الاقتصادية. حكوميا لا جديد يمكن التعويل عليه بانتظار تبلور الموقف الفرنسي «المتأرجح» بين الواقعية التي تحتم التواضع في شروط التأليف، والقلق من دخول اقليمي ودولي يعقد الموقف المعقد اصلا، وهو ما دفع باريس الى رفض الدعوات الاخيرة لبكركي لتدويل الازمة خوفا من خسارة «الورقة» اللبنانية التي لا تزال بعيدة عن اهتمامات المملكة العربية السعودية على الرغم من الحراك «النشط» لسفيرها الوليد البخاري الذي عاد الى بيروت قبل ساعات، تزامنا مع زيارة لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى لبنان اليوم. في هذا الوقت لا يزال «لغز» اخفاء عائلة المغدور لقمان سليم لهاتفه الخلوي مثار تساؤلات، اعاد المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ اطلاق عجلة التحقيقات بتحديد مواعيد لاستجواب عدد من المسؤولين بصفة شهود وفي مقدمهم قائد الجيش السابق جان قهوجي.
ماذا ينتظر الحريري؟
حكوميا، ينتظر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري نجاح الضغوط الفرنسية على رئيس الجمهورية ميشال عون لدفعه نحو القبول بشروطه الحكومية، ولا يزال على موقفه بعدم تقديم تنازلات، ولن يشكل حكومة «كيف ماكان» كما تشير اوساطه التي ترى ان الرئاسة الاولى تعيش اليوم تحت ضغوط كبيرة، داخليا وخارجيا. وفيما ينتظر الحريري موعدا من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل خطابه المرتقب في 14 الجاري في ذكرى استشهاد والده، تلقى جرعة دعم جديدة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهذه المرة عبر بيان لحركة امل فيه الكثير من المواقف الاتهامية للرئاسة الاولى بعرقلة تأليف الحكومة. والخلاصة، بحسب مصادر مطلعة، انه لا شيء جدي وملموس يمكن الحديث عنه لتحريك حالة الاستعصاء الحكومي، وتوعد الحريري بخطاب مصارحة في ذكرى اغتيال والده لن يساهم في حلحلة العقد، بل سيزيد الامور تعقيدا. وربما لم يلتفت كثيرون الى كلمة «السر» التي مررها نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عندما اكد ان الحزب لن يضغط وغير مقتنع اصلا بالضغط على حليفه في قصر بعبدا، وهذا يعني صراحة ان لا حل الا بتسوية تقوم على تدوير الزوايا، لان الحزب ليس في نيته «كسر» الرئيس عون ولن يقدم التسهيلات في هذا الاطار. ووفقا لمصادر معنية بالاتصالات، فإن حصار بعبدا لن ينجح في دفع الرئيس الى تقديم تنازلات بات يعتبرها مصيرية لمستقبل حزبه السياسي، وكذلك مستقبل النائب جبران باسيل، ومجرد الرهان على اضعاف موقفه هو مضيعة للوقت، والمطلوب من الحريري مقاربة جديدة قبل فوات الاوان.
اقتراحات رئاسية جديدة
وبحسب تلك الوساط، لدى رئيس الجمهورية ميشال عون خطة عمل جديدة سيبلغها للمبعوث الفرنسي باتريك دوريل الذي يصل نهاية الاسبوع، اذا لم تنجح باريس في تحريك الملف الحكومي، ان باريس ليست بحاجة لانتظار حكومة جديدة كي تباشر تحفيز المجتمع الدولي على مساعدة لبنان، فالتحقيق مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قد بدأ، وهو أحد الشروط التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانوئيل ماكرون من أجل تجنيد الدعم المالي للبنان بعد الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت في آب الماضي. ولهذا يمكن أن يقدم الدعم لحكومة تصريف الاعمال بعد «تعويمها». وبدلاً من أن ينتظر إلى حين تشكيل حكومة جديدة، يمكن تطبيق إصلاحات فورية لإقناع الدول المانحة بتحرير جزء من المبالغ التي تعهدت بها.
فرنسا لا تريد التدويل؟
وما يدعم هذه الخلاصة، بحسب اوساط سياسية بارزة عدم وجود حماسة فرنسية للتجاوب مع طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي «تدويل الملف اللبناني»، من خلال عقد مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، وعلم في هذا السياق، ان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ابلغ شخصيات مقربة من بكركي ان باريس لا تشجع على المضي بهذا الطرح ولا نية لها بدعمه لان ظروفه غير ناضجة وسيؤدي الى زيادة التعقيدات على الساحة اللبنانية بدل حلحلة الامور، وتفضل الادارة الفرنسية في هذه الاونة تعزيز الاتصالات مع واشنطن على نحو ثنائي في محاولة لاحداث اختراق في الجدار، تحت «سقف» المبادرة الفرنسية.
لا رغبة «بالخسارة»
ووفقا للمعلومات، لا ترغب فرنسا بخسارة «الورقة» اللبنانية من خلال ادخال شركاء على «الطاولة» وتسعى لحشد الدعم الاقليمي والدولي لمبادرتها، فالتدويل في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة محفوف بالمخاطر، ولا تحتاج فرنسا الى اختبار جديد لقدرة تاثيرها في ملف تعتقد انها نجحت في التقاطه بعدما احجم الجميع عن التدخل فيه، وهي اليوم تتعرض لاختبار دقيق في الملف النووي الايراني بعدما رفضت طهران وساطتها مع واشنطن بعد تصريحات «مرتجلة» للرئيس ايمانويل ماكرون ادت الى «نقزة» كبيرة في ايران من الدور الفرنسي، وثمة خشية من انعكاس سلبي على دورها على الساحة اللبنانية، ولهذا تسعى باريس لإبقاء الملف بعيدا قدر الامكان عن جدول اعمال النقاشات الايرانية ـ الاميركية حول الاتفاق النووي حيث «الكباش» على اشده الان في «الامتار الاخيرة» قبل العودة الى «الطاولة».
ماكرون والواقعية؟
وفي هذا السياق، يتجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى مزيد من الواقعية في مقاربته للملف الحكومي، وثمة اتجاه تبلور في باريس لتذليل العقبات من امام تشكيل الحكومة، بسقوف أدنى من السقوف السابقة الموضوعة لشروط تأليفها. وتربط اوساط مطلعة بين تبلور هذه الافكار بشكلها النهائي وبين استقبال ماكرون الحريري في باريس، فاذا ما توصلت الادارة الفرنسية الى صيغة نهائية يجري العمل عليها لكسر الجمود القائم، سيمنح الرئيس المكلف موعدا لنقاشها، يعود بعدها الى بيروت حيث يفترض ان يلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق وابلغ الفرنسيين انه لن يقف حجر عثرة امام تأليف الحريري للحكومة على الرغم من عدم رغبته الشخصية بوجوده على رأس السلطة التنفيذية، لكن ذلك ليس على حساب الغاء الذات والتفريط بصلاحيات الرئاسة الاولى.
الفاتيكان يحذر!
وفي هذا السياق، غاب طرح تدويل الازمة اللبنانية، عن اللقاء بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي ووفد من التيار الوطني الحر غاب عنه النائب جبران باسيل في «رسالة» اعتراض «برتقالية» على مواقف بكركي، كما لفتت مصادر «لبنان القوي»، وفيما جرى الحديث عن ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ ذات مصداقية عالية ووفق مندرجات المبادرة الفرنسية، لم يبادر الراعي الى شرح طرحه لتدويل الازمة، كما لم يتطرق الوفد لهذا الطرح. في المقابل، تمنى البابا فرنسيس، أثناء لقائه اعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، أن «يشهد لبنان التزاما سياسيا، وطنيا ودوليا، يساهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية». وشدد على «ضرورة أن تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعددي متسامح ومتنوع، يقدم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية فحسب». وأكد أن «إضعاف المكون المسيحي في لبنان يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي». وأبرز «أهمية معالجة المشاكل المرتبطة بحضور النازحين السوريين والفلسطينيين، محذرا من «مغبة انهيار البلاد اقتصاديا». ودعا الزعماء السياسيين والدينيين إلى «وضع مصالحهم الخاصة جانبا والتزام تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات، والعمل بطريقة شفافة وتحمّل نتائج أفعالهم».
لا تحولات خليجية
وفي هذا السياق، اكدت اوساط دبلوماسية ان الملف اللبناني لا يحتل اي اولوية عند الدول الفاعلة ما عدا فرنسا، فالاتصال بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره السعودي فيصل الفرحان قبل يومين لم يتطرق الى الازمة اللبنانية، بل ارتبط بحقوق الانسان في المملكة، كما ابلغه بلينكن ان بلاده باتت ملزمة بإيقاف الهجمات على الحوثيين في اليمن، فوراً، بالتزامن مع محاولات واشنطن إعادة إيران إلى المفاوضات النووية. وهذا ما يجعل الرياض تمر بفترة من انعدام اليقين حيال العلاقة مع الاميركيين، وهذا ما يزيد من ارباك المملكة التي لا تجد نفسها معنية بالعودة الى الساحة اللبنانية بعد سنوات من الاخفاق وفي غياب «الاحصنة» الرابحة بعدما اخفق الحريري في اثبات نفسه في المواجهة مع حزب الله. ولهذا لا تعويل على عودة السفير السعودي الوليد البخاري الى بيروت، فلا استراتيجية سعودية جديدة تجاه لبنان ولا يزال «التطنيش» سيد الموقف، على الرغم من بدء نشاطه بلقاء السفير الروسي بالامس وترقب للقائه خلال ساعات مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا.
بري يواصل «هجومه»
وفي غضون ذلك، واصل رئيس مجلس النواب التصويب على الرئاسة الاولى، وهذه المرة عبر بيان للمكتب السياسي لحركة أمل والذي اصدر بياناً قال فيه انه»امام اصرار البعض على تجاوز روح ونص الدستور وخلق اعراف وقواعد جديدة في ادوار المؤسسات ورئاساتها على متابعة مبادرة الرئيس نبيه بري الانقاذية، التي تشكل بآلياتها ومندرجاتها المخرج العملي للوصول الى انجاز تأليف الحكومة العتيدة للقيام بالاصلاحات المالية والادارية والاقتصادية التي لم يعد هناك متسع من الوقت لانجازها قبل الانهيار الشامل. ودعا «مدّعي الإصلاح وشعارات التغيير الى مراجعة مواقفهم، والالتفات إلى مكامن الخلل الاساسي في تطبيق القوانين التي أنجزها المجلس النيابي الذي ما تأخّر عن القيام بدوره التشريعي في إقرار القونين المتعلقة بمكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في كل ادارات ومؤسسات الدولة، ابتداء من وزارة الطاقة». وتابع «المطلوب ان يتعظ المعنيون وان يعودوا الى رشدهم الوطني، وينتبهوا بأن كثيرين من المخلصين الذين يقدمون مبادرات مؤسسة على مصلحة الوطن يفترض ان يلاقوا تجاوباً ومد يد في مقابل اليد الممدودة والتوقف عن (النكد السياسي) المبني على توهمات غير دقيقة، ولا يمكن ان تنتج الا المزيد من التعقيد للأزمة بكل وجوهها، في لحظة لا تحتمل المزيد من هدر الوقت والفرص، واضاعة المبادرات في متاهات النقاشات العقيمة التي لم تعد تعني المواطنين، لا بـ«الحصص» ولا بـ«الارقام»، بقدر ما يعنيهم قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها.
«لغز» هاتف سليم؟
في غضون ذلك، لا تزال التحقيقات جارية في جريمة مقتل الناشط السياسي لقمان سليم، وفيما يواصل فرع المعلومات تفريغ اشرطة كاميرات المراقبة على طول الطرق المتعددة من نيحا الى منطقة الزهراني، لا يزال «لغز» اختفاء هاتف سليم يثير علامات استفهام في ظل اصرار العائلة على نفي وجوده في حوزتها، بينما تؤكد المصادر الامنية ان العائلة تسلمته من صديق سليم الذي عثر عليه قرب منزله في نيحا بعدما توصلت عائلته الى تحديد مكانه فجر يوم الجريمة. ولفتت هذه المصادر الى انها ستمهل العائلة حتى يوم الخميس المقبل موعد دفن الجثمان، لتسليم الهاتف، والا ستتخذ الاجراءات القانونية المرعية الاجراء لاجبار العائلة على التعاون. وقد بدأت التساؤلات تكبر حيال حرص العائلة على عدم تسليم الهاتف، وحول المعلومات الموجودة داخله، في ظل تخوف من العبث «بداتا» المعلومات التي قد تكون مفيدة للتحقيق.
في المقابل، أعلنت عائلة سليم أن بعض الوسائل والمنصات تتناقل خبرا غير دقيق مفاده أن عائلة لقمان سليم ترفض التعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية انطلاقاً من رغبة العائلة في اللجوء الى تحقيق دولي بموضوع الاغتيال. وعليه، شددت عائلة سليم على تعاونها الكامل مع السلطات اللبنانية، قضاء وشرطة، وذلك منذ الساعات الأولى التي تلت اختفاء لقمان، وهي تعوّل على القضاء اللبناني وعلى القيمين على التحقيق لكشف المجرمين الذين قرروا وخططوا ونفذوا وغطوا عملية الاغتيال، وبأسرع وقت ممكن، صوناً للعدالة واحقاقاً للحق واثباتاً لكون لبنان لم يصبح بعد بلدا خارجا عن سلطة القانون ولا تسود فيه الا شريعة الغاب.
وفي تحرك لافت، بحثت السفيرة الاميركية دوروثي شيا مع وزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال ماري كلود نجم مع في مجريات التحقيق ودعت الى محاسبة مرتكبي الجريمة وغيرها من القضايا العالقة من دون تأخير أو استثناء، بحسب بيان السفارة الاميركية. من جهته، اثار السفير الالماني اندرياس كيندل مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، جريمة اغتيال سليم، مطالباً بضرورة تأمين امن وسلامة زوجة الفقيد التي تحمل الجنسية الالمانية وافراد عائلته، شاكراً للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي تجاوبها في هذا المجال.
تحقيقات المرفا
اما في جريمة المرفأ، فقد استأنف المحقق العدلي فادي صوان التحقيقات وحدد مواعيد لاستجواب عدد من المدعى عليهم والشهود هذا الاسبوع والأسبوع المقبل، وفي مقدمهم قائد الجيش السابق جان قهوجي الذي استدعي بصفة شاهد. وفي سياق متصل عرض الرئيس ميشال عون مع سفير المانيا، المراحل التي قطعتها عملية توضيب المستوعبات الـ52 التي تحتوي على مواد قابلة للاشتعال، والتي عثر عليها في مرفأ بيروت بعد الانفجار الذي وقع في 4 آب الماضي والتي تولت الشركة الالمانية توضيبها. وأبلغ السفير الالماني الرئيس عون ان عملية التوضيب انتهت، واصبحت المستوعبات جاهزة للشحن بواسطة الشركة المعتمدة للتوضيب، لنقلها خارج لبنان. وطلب السفير كيندل تدخل رئيس الجمهورية لتحويل المبالغ المستحقة للشركة الالمانية بهدف فتح الاعتماد اللازم ليصار لاحقاً الى شحنها الى المانيا.
مؤشرات مقلقة «كورونيًا»؟
وفي اليوم الاول للفتح الجزئي للبلاد، شهدت بعض المناطق زحمة سير مرورية، كما سادت الفوضى في الكثير من السوبرماركت، ما ينذر بنتائج خطرة قد تؤدي الى ضياع ايجابيات الاقفال العام. وفيما تصل الدفعة الاولى من اللقاحات مساء السبت المقبل، لتبدا عملية التلقيح الاثنين،لا يزال عداد «كورونا» يعكس مؤشرات خطرة لناحية تأرجحه وارتفاع ارقامه. وفي جديده، اعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 2063 اصابة جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 321980، كما تم تسجيل 61 حالة وفاة. من جهته رأى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أن «من خلال مشاهدتنا لحالات «كورونا» في لبنان، فإن السلالة الإنكليزية موجودة في البلد وسريعة التفشي، ولكن لا نملك مختبرات تستطيع الكشف عما إذا كانت هذه السلالة منتشرة بسرعة كبيرة». وفي حديثٍ إذاعي قال «كان من النادر في السابق أن يلتقط الأطفال فيروس كورونا أما اليوم فيلتقطونه، وما جرى مع الطفلة التي توفيت أمس الاول في «مستشفى رفيق الحريري» خير دليل، والحماية تكون عبر البقاء في المنازل.