ثمانية أيام فقط فصلت بين رحيل رمزين سياسيين كبيرين ميشال المر في نهاية كانون الثاني الفائت، وجان عبيد امس، كانت كفيلة بأن ترخي على لبنان مزيدا من أجواء ثقيلة حزينة وقلقة لافتقاد قماشات تجسد الركائز الأصيلة للسياسات الحكيمة المتوازنة والحلول المرتجاة خصوصا في عز انزلاق لبنان نحو انهيارات تفتقد من هم مثل جان عبيد العابر لكل الفوارق والانقسامات والتمزقات والعامل طوال عمره السياسي على التوحيد والتوافق والحوار. وإذ يرتفع برحيل النائب جان عبيد عدد المقاعد النيابية الشاغرة في مجلس النواب الى عشرة بفعل الاستقالة او الوفاة، يبدو صعبا للغاية التكهن بالفرص الممكنة لاجراء انتخابات نيابية فرعية لملء المقاعد الشاغرة سواء بسبب استشراء جائحة كورونا او بسبب “الشغور” الحكومي وتعذر التكهن بأي موعد افتراضي لنهاية ازمة تعطيل تأليف الحكومة الجديدة. ولذا تركزت الاهتمامات في الساعات الأخيرة على محاولة استكشاف مجموعة مؤشرات أوحت إيجابا لبعض الأوساط السياسية المعنية لجهة ما قالت هذه الأوساط انه قد يَصْب في خانة تحريك جدي لتشكيل الحكومة. فعلى رغم ان غموضا اكتنف الإعلان المفاجئ عن زيارة سيقوم بها اليوم وزير الخارجية القطري لبيروت وسط ترجيح ان تنحصر بموضوع مد لبنان بمساعدات حيوية في هذا الظرف الخطير، فان الأوساط السياسية المشار اليها لم تستبعد ما ذكر عن عودة خليجية الى بيروت توسم بها إيجابا معظم القوى السياسية مع عودة السفير السعودي في بيروت قبل يومين ومن ثم مع زيارة الوزير القطري اليوم. وكانت السفارة القطرية في بيروت أعلنت ان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن ال ثاني سيزور لبنان اليوم حيث سيعقد مؤتمراً صحافياً في القصر الجمهوري في بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون نحو الساعة 11.50 قبل الظهر. وعلم ان وفدا يرافق الوزير القطري ويضم السفراء محمد الجابر وسعد الخرجي ومشعل المزروعي والسيد عبدالله السليطي. المؤشر الثاني حيال الواقع الحكومي تمثل في الزيارة التي قام بها وفد من “التيار الوطني الحر” للصرح البطريركي في بكركي امس غداة المواقف البارزة اتي اعلنها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الاحد الماضي في شأن الملف الحكومي كما في موضوع دعوته الى عقد مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة لمقاربة الوضع في لبنان. وعلمت “النهار” في هذا السياق ان موقف البطريرك الراعي اثار قلقا لدى العهد وتياره السياسي لجهة انه شكل أقوى ادانة ضمنية للدولة والسلطة والحكومة في ظل العهد وترك ترددات قوية خارجية وداخلية من شأنها اثبات الفشل المحكم للعهد في إدارة الازمة الى حدود جعلت البطريرك يطرح بجدية بالغة موضوع السعي الى عقد مؤتمر دولي. وعقد لقاء الراعي ووفد “التيار الوطني الحر” في ظل هذا الموقف والإحراج الذي تسبب به للعهد وتياره السياسي. ولوحظ على الأثر ان كلام الوفد بلسان الوزير السابق منصور بطيش بدا كأنه يتحدث باسم رئيس الجمهورية اذ ركز على رغبة الرئيس في تشكيل الحكومة بأسرع وقت، لكنه كرر دعوة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى المبادرة للقاء عون. كما ان مؤشرا ثالثا برز في سياق تحريك المسار الحكومي وتمثل في المعلومات التي تحدثت عن وصول الموفد الرئاسي الفرنسي مستشار الرئيس ايمانويل ماكرون باتريك دوريل الى بيروت في نهاية الأسبوع الحالي للقاء عدد من المسؤولين وستتركز محادثاته على استكشاف المنافذ الممكنة لتشكيل الحكومة الجديدة.
البابا ولبنان
في أي حال اكتسب موقف البطريرك الراعي دلالة بارزة جديدة من خلال تطرق البابا فرنسيس امس في خطابه امام السلك الديبلوماسي في الفاتيكان الى الوضع في لبنان بما ينسجم تماما مع صرخات البطريرك ومواقفه اذ ورد في خطاب البابا الآتي :”…وأتمنّى كذلك تجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي يمرّ بأزمة داخلية والمُعرَّض لفقدان هويّته ولمزيد من التورّط في التوتّرات الإقليمية. من الضروري للغاية أن يحافظ البلد على هويّته الفريدة، وذلك أيضًا من أجل ضمان شرق أوسط متعدّد ومتسامح ومتنوّع، حيث يستطيع الوجود المسيحي أن يقدّم مساهمته وألّا يقتصر على أقلّية يجب حمايتها. إن المسيحيّين يشكّلون النسيج الرابط التاريخي والاجتماعي للبنان، ومن خلال الأعمال التربويّة والصحّية والخيريّة العديدة، يجب أن تُضمَنَ لهم إمكانيّة الاستمرار في العمل من أجل خير البلد الذي كانوا من مؤسّسيه. فقد يتسبّب إضعافُ الوجود المسيحي بفقدان التوازن الداخليّ والواقع اللبناني نفسه. ومن هذا المنظور، يجب أيضًا معالجة وجود اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين. فالبلد إضافة لذلك، دون عمليّة عاجلة لإنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار، مُعرّض لخطر الإفلاس، مع ما قد ينتج عنه من انحرافات أصوليّة خطيرة. لذلك فمن الضروريّ أن يتعهّد جميع القادة السياسيّين والدينيّين، واضعين جانبًا مصالحهم الخاصّة، بالسعي لتحقيق العدالة وتنفيذ إصلاحات حقيقية لصالح المواطنين، فيتصرّفوا بشفافية ويتحمّلوا مسؤولية أفعالهم”.
الى ذلك بدأ امس تنفيذ المرحلة الأولى من الإجراءات المخففة للتعبئة الصحية والاقفال العام والتي شملت فتح عدد محدود من القطاعات الحيوية وسط أجواء معقولة لجهة الاستجابة للتدابير باستثناء احتجاجات للتجار في عدد من المناطق للاستمرار في قرار منعهم عن فتح متاجرهم . اما اعداد الإصابات بكورونا فسجلت انخفاضا طفيفا اذ بلغت 2063 إصابة فيما ظلت نسبة الوفيات مرتفعة وبلغت 61 حالة وفاة.