في وقت تسعى باريس للملمة شتات أوراقها بعد صفعة أميركية إيرانية لمحاولتها استرضاء السعودية بالسعي لتلبية طلبها بالشراكة في التفاوض حول الملف النوويّ الإيرانيّ، أملاً بالحصول على دعم المبادرة الفرنسية نحو لبنان وتحرير الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري من الضغوط السعودية، أقدمت قطر على ترتيب أوراقها للسير بالتوازي مع المبادرة الفرنسية والسعي للتشارك معها، وتحت سقف النظرة الأميركية الجديدة للمنطقة، وضمن إطار انفتاح على إيران، لا تملك فرنسا مثله، ومال تملكه قطر تحتاجه فرنسا لإنجاح مبادرتها، والمصادر المواكبة لزيارة وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن الى بيروت اليوم للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعدد من المسؤولين اللبنانيين، تقول إن قطر التي انخرطت في مصالحة خليجيّة طرفها الآخر السعودية تدرك حجم الارتباك السعوديّ في ظل المتغيرات الأميركية، بحيث يختلف انكفاء الرياض النابع من الانشغال بما هو أهم عن لبنان في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عن انكفاء القطيعة العقابي خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خصوصاً مع تلويح بعض أعضاء الكونغرس بإنزال عقوبات على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية قتل الصحافي جمال الخاشقجي. وتتحرك قطر وفقاً للمصادر باعتبار المصالحة مع السعودية التزاماً قطرياً بعدم التدخل في الشؤون السعودية في ظروف القلق السعودي وارتباك العلاقة السعودية الأميركية، وما ينتظر رهان ولي العهد السعودي في حرب اليمن، ولكن باعتبار هذه المصالحة مدخلاً لالتقاط فرص سياسية تعجز السعودية عن مواكبتها، ولا تملك فرصة الاعتراض والاشتباك مع مبادرة قطرية تجاهها. وتختم المصادر بأن قطر التي تستعيد نشاط عام 2008 نحو اتفاق الدوحة في مناخ مرونة حركة نحو واشنطن وطهران وباريس، تملك فيها مفاتيح يعززها اقتدارها المالي وسرعة مبادرتها وترتيب أوراقها وملفاتها بحرفية دبلوماسية.
لبنانياً، كان مشهد اليوم الأول من الخروج التدريجيّ من الإغلاق التام موضع الامتحان أمس، والنتيجة جاءت فشلاً ذريعاً تمثل بحجم الناس الذي غادروا الإقفال، وخرجوا بسيارتهم، وتخطّوا قواعد التباعد الاجتماعي في الأماكن التجارية، وغابت الكمامة عن وجوه أغلبهم، ما أعاد قرع جرس الإنذار لمخاطر خسارة كل العائدات الإيجابيّة لفترة الإقفال وقد بدأت تظهر نتائجه الإيجابية بتراجع عدد الإصابات منذ أسبوع الى النصف تقريباً مقارنة باليوم الأول للإقفال، وبدء تراجع عدد الوفيات تدريجياً منذ يومين، بعدما بلغت حافة المئة حالة، باعتبار الوفيات تعبر عن رقم الإصابات قبل شهر، فيما كان متوقعاً أن تسجل الوفيات انخفاضاً إلى مستويات أدنى خلال الأسبوعين المقبلين. وحذرت مصادر صحية من خطورة التفلت من الضوابط والإقفال داعية الجهات الأمنية الى المزيد من التشدد.
على الصعيد السياسي الداخلي، توقف الوسط السياسي والإعلامي أمام دعوة البطريرك بشارة الراعي لتدويل الوضع اللبناني، وتابعوا مواقف الفاتيكان لرصد ما إذا كان كلام الراعي يحظى بتأييد فاتيكاني أو يمثل تعبيراً عن مشروع جدّي مطروح في الأوساط الدولية، فجاء موقف البابا فرانسيس بالدعوة لاستعادة لبنان كنموذج تعددي لعافيته من دون أية إشارة للتدويل دلالة كافية على حدود كلام الراعي، وعلق رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي وائل الحسنية على دعوات التدويل برسم معادلة قاعدتها، لا للوصاية نعم للدستور.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية أنّ الطروحات التي تضع لبنان على طبق من وقت ضائع دولياً وإقليمياً لا تصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين، خصوصاً في ظلّ مخاض التوازنات والمعادلات الجديدة على الصعد كافة.
وقال الحسنيّة في تصريح: إنّ تحصين لبنان ووحدة كيانه، مسؤولية وطنية بامتياز، والمطلوب مبادرات تصبّ في هذا الاتجاه، بإرادة اللبنانيين أنفسهم، وليس بإرادات خارجية ومظلات دولية. لأنّ للبنان تجربة مرّة وأليمة مع ما يُسمّى المجتمع الدولي، الذي أحجم عن تنفيذ القرار 425 بإنهاء الاحتلال. ولولا مقاومة الوطنيين وتضحياتهم لما اندحر الاحتلال الصهيوني.
أضاف: صحيح أنّ لبنان مأزوم بواقعه الطائفي والمذهبي، وبتناقضاته السياسية، لكن هذا لا يبرّر لأحد، كائناً من كان، أن يصادر إرادة اللبنانيين ويستدعي الوصاية الدولية. لافتاً إلى أنّ هذه الطروحات لا تحلّ أزمة، بل تفاقمها، ولا تبني وفاقاً داخلياً بل توسّع الشرخ، والكلّ يعلم أنّ ما حصل ويحصل منذ العام 2004 إلى اليوم، هدفه كشف لبنان وتدويل قضيته، بما يسهّل استهداف عناصر قوته.
وفيما يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجولة خليجية، عُلِم أن ماكرون سيوفد ممثّله باتريك دوريل الى لبنان نهاية الأسبوع الحالي، وسيلتقي عدداً من المسؤولين وهو يتابع الملف اللبناني بشكلٍ يومي. ولفتت المعلومات إلى أن «الإمارات شريكة أساسيّة في المساعي الفرنسيّة التي تعزّزت بعد التفويض الأميركي، وماكرون سيزور الرياض وأبو ظبي بعد أسابيع حيث سيحضر الملف اللبناني في مباحثاته».
وفي موازاة ذلك، أعلنت السفارة القطرية في بيروت أن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني سيزور اليوم لبنان حيث سيعقد مؤتمراً صحافياً في القصر الجمهوري في بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وعلِمت «البناء» أن الحريري أصرّ على أن تحظى حكومته بالرضى السعودي، ولهذه الغاية حاول التوسط مع المصريّين والإماراتيّين خلال زيارته الأخيرة إلى كل من القاهرة وأبو ظبي لكسب ودّ السعوديّين، لكن الوساطة لم تنجح، فآثر الحريري أن يستكمل جولته إلى باريس قبيل جولة ماكرون الخليجية.
في المقابل أوضح نائب رئيس تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش لـ«البناء» أن «الحريري يسعى من خلال جولته الخارجية لتأمين مظلة خارجية للبنان وللحكومة المقبلة وهو قدم كل ما عليه لتأليف الحكومة لكن الكرة في ملعب رئيس الجمهورية الذي عليه أن يقتنع بأن لا حل إلا بموافقته على الطرح الأخير الذي قدّمه له الحريري أي 18 وزيراً اختصاصيين وغير حزبيين». وأشار علوش إلى أن «عون ورئيس التيار جبران باسيل يسعيان لنيل الثلث المعطل مواربة من خلال انتزاع 6 وزراء لعون والتيار وسابع لحزب الطاشناق ما يمكنه من التحكم والسيطرة على قرار الحكومي ومصيرها». وأوضح علوش أن «مستوى خطاب الحريري يتوقف على تطورات المساعي وعلى موقف عون». وأكد بأن الحريري «ينتظر أن يعود عون عن تصلبه ويدعوه للاستكمال التشاور في بعبدا للتشاور حول طرحه الأخير».
وأكد المكتب السياسي لحركة أمل أن «امام إصرار البعض على تجاوز روح ونص الدستور وخلق أعراف وقواعد جديدة في ادوار المؤسسات ورئاساتها على متابعة مبادرة الرئيس نبيه بري الإنقاذية، التي تشكل بآلياتها ومندرجاتها المخرج العملي للوصول الى إنجاز تأليف الحكومة العتيدة للقيام بالإصلاحات المالية والادارية والاقتصادية التي لم يعد هناك متسع من الوقت لإنجازها قبل الانهيار الشامل. ودعا «مدّعي الإصلاح وشعارات التغيير الى مراجعة مواقفهم، والالتفات إلى مكامن الخلل الاساسي في تطبيق القوانين التي أنجزها المجلس النيابي الذي ما تأخّر عن القيام بدوره التشريعي في إقرار القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في كل إدارات ومؤسسات الدولة، ابتداء من وزارة الطاقة».
في المقابل ردّ عضو تكتل لبنان القويّ النائب جورج عطالله عبر «البناء»، مشيراً إلى أن «الحريري أمام خيارين لا ثالث لهما، إما يؤلف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية ويختاران الوزراء وحدهما ويتحمّلان مسؤولية الحكومة في المجلس النيابي، وإما أن يقف الرئيس المكلف على خاطر جميع الأطراف وينتقي الوزراء بالتوافق معهم، لكي يوفر لحكومته الغطاء السياسي والشعبي والنيابي لتكون حكومة قادرة على إدارة شؤون البلاد وحل الأزمات».
وكان وفد من التيار الوطني الحر يضم كلاً من مستشار رئيس التيار انطوان قسطنطين إضافة الى النائب عطالله والوزير السابق منصور بطيش ومي خريش زار بكركي حيث التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. وبعد اللقاء، قال بطيش باسم الوفد: بحثنا مع البطريرك الراعي في ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ ذات مصداقية عالية ووفق مندرجات المبادرة الفرنسيّة. وأضاف «تمّ التركيز على التدقيق الجنائي واستكماله في مختلف المؤسسات التابعة للدولة». وأشار الى أن «الحلول يجب أن تأتي من الداخل والعيش المشترك يتطلب أن نتعاون للوصول الى هذه الحلول»، وتابع «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حريص على تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن وفق القواعد الوطنية وعلى الرّئيس المكلف أن يقصد بعبدا ويتشاور مع عون» وختم «علاقتنا مع البطريرك الراعي جيدة جداً ونحن على تواصل دائم معه».
في سياق ذلك، تمنى البابا فرنسيس، أثناء لقائه اعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، أن «يشهد لبنان التزاماً سياسياً، وطنياً ودولياً، يساهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية». وشدد على «ضرورة أن تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعدّدي متسامح ومتنوع، يقدم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية فحسب». وأكد أن «إضعاف المكوّن المسيحي في لبنان يهدّد بالقضاء على التوازن الداخلي». وأبرز «أهمية معالجة المشاكل المرتبطة بحضور النازحين السوريين والفلسطينيين». محذراً من «مغبة انهيار البلاد اقتصادياً». ودعا الزعماء السياسيين والدينيين إلى «وضع مصالحهم الخاصة جانباً والتزام تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات، والعمل بطريقة شفافة وتحمّل نتائج أفعالهم».
ودخلت البلاد أمس، مرحلة الفتح التدريجي، في ظل حركة سير لافتة وصلت إلى ازدحام في بعض المناطق لا سيما في بيروت مردها بحسب مصادر قوى الأمن الداخلي إلى فتح بعض القطاعات واستفادة المواطنين من ذلك للتبضّع والتموين، فيما منعت القوى الأمنية السوبرماركات والأفران من فتج ابوابها لدخول الزبائن اليها تحت طائلة المسؤولية. على أن تكون المرحلة الاولى محل رصد وتقييم تمهيداً للانطلاق الى المرحلة الثانية. فيما لوحظ انخفاض في عدد الإصابات فيما بقي عدد الوفيات مرتفعاً. وأعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 2063 إصابة جديدة بفيروس كورونا ما رفع العدد التراكمي للإصابات منذ بدء انتشار الوباء في شباط الفائت إلى 321980.
كما وسجّل لبنان 61 حالة وفاة ما رفع العدد التراكمي للوفيات إلى 3677.
ورأى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أن «من خلال مشاهدتنا لحالات «كورونا» في لبنان، فإن السلالة الإنكليزية منتشرة نسبياً في البلد وسريعة التفشي، ولكن لا نملك مختبرات تستطيع الكشف عما إذا كانت هذه السلالة منتشرة بسرعة كبيرة». وفي حديثٍ إذاعي قال «كان من النادر في السابق أن يلتقط الأطفال فيروس كورونا أما اليوم فيلتقطونه، وما جرى مع الطفلة التي توفيت أمس في «مستشفى رفيق الحريري» خير دليل، والحماية تكون عبر البقاء في المنازل».
على صعيد التحقيقات بتفجير مرفأ بيروت، حدد المحقق العدلي في بيروت القاضي فادي صوان، مواعيد لاستجواب عدد من المدعى عليهم والشهود هذا الأسبوع والأسبوع المقبل.
وفي سياق قضائي آخر، تقدم وكيل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المحامي شوقي قازان بدفوع شكلية لدى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور في قصر العدل في بعبدا، في الدعوى المقدّمة ضده في جرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة ومخالفة قرار إداري.
وكانت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون ادعت على سلامة وعلى رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ وعلى صاحب شركة استيراد دولار وأحد الصيارفة، وأحالت الملف الى القاضي منصور، على أن يحدّد موعد الجلسة في وقت لاحق.