سيكون للبنان على الارجح حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري هذا الشهر. هذا ما تدل عليه كل المؤشرات الخارجية و الداخلية التي تدافعت في فترة وجيزة وتضغط في اتجاه الافراج عن الحكومة في غضون اسابيع. وابرزها :
1 - عودة الروح الى المبادرة الفرنسية وهذه المرة "على موجة واحدة" مع الاميركيين وبقوة دفع منهم ترجمة الاتصال المطول بين ماكرون وبايدن وحرص فيه الرئيس الفرنسي على اثارة الملف اللبناني. وما يختلف ايضا هذه المرة ان الفرنسيين يقاربون الملف الحكومي بطريقة اكثر واقعية لتلافي اخطاء حصلت، وما يهمهم هو تشكيل حكومة حتى لو لم تكن كاملة الاوصاف...
2 -خروج الثنائي الشيعي عن صمته وحياده ودخوله على الخط "الوساطة المتوازنة" بين الرئيس المكلف المدعوم من الرئيس نبيه بري ورئيس الجمهورية المدعوم من حزب الله الذي اتخذ قراره بأن الوقت حان لتشكيل الحكومة وان لبنان
بحاجة ماسة الى حكومة بعد وصول الازمة العميقة الى مستويات خطرة تضع الاستقرار الامني ايضا على المحك ،وبعد انطلاق مرحلة جديدة في المنطقة مع ادارة اميركية جديدة على لبنان ان يكون جاهزا ومؤهال لمواكبتها.
"الثنائي الشيعي" قام بحركة اتصالات واسعة وبعيدة عن الاعلام بدأت مع ايفاد بري معاونه السياسي علي حسن خليل الى بيت الوسط وزيارة الحريري اثر ذلك الى عين التينة، ثم لقاء "الخليلين" في الضاحية الجنوبية واثر ذلك لقاء بين الحاج وفيق صفا والنائب جبران باسيل. وانتهت هذه الاتصالات الى بلورة ملامح التسوية الحكومية وخطوطها الاساسية واولها اعادة بناء الثقة بين الحريري وعون.
3 -وجود طرفي ازمة التأليف، الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية تحت وطأة ضغوط هائلة، من ضغوط الأزمة المتشعبة و "المتحولة"امنيا في الآونة الأخيرة، الى ضغوط الوساطات والمبادرات الداخلية والخارجية. وهو ما يجعل ان هامش المناورة لدى الطرفين بات ضيقا زمنيا وسياسيا، فالحريري داهمته احداث طرابلس وكشفت خروج الشارع السني عن سيطرته جزئيا او كليا، وما زالت ابواب السعودية موصدة في وجهه في وقت اخذ التدخل الفرنسي المتجدد في لبنان شكلاً جديداً وضاغطاً، وادت التغييرات في السياسة الأميركية الخارجية مع بايدن الى تحسين ظروف ايران وحلفائها وفي مقدمهم حزب الله في لبنان...
الحريري في ظل كل هذه التطورات يبحث عن طريقة للتقدم الى رئاسة الحكومة لأن العودة الى الوراء غير واردة ولأن الأستمرار في حال المراوحة لم يعد ممكنا. واذا كان الحريري يحتمل الخسارة فان باسيل لم يعد لديه ما يخسره وهذا ما يفسر تشدده منذ اربعة اشهر خصوصا وان مجيء ادارة اميركية جديدة امدّه بجرعة انتعاش وامل جديد. ولكن باسيل الذي يحتمي بالرئيس عون ليس بامكانه تجاهل التحرك الفرنسي في نسخته الجديدة، ولا التدخل الشيعي الذي اصاب اولاً فكرة الثلث المعطل ووضعها خارج التداول.
لأزمة التأليف منذ البداية ثلاث عقد اساسية:
- عقدة الثلث المعطل او الضامن التي اصبحت في حكم المنتهية بعد تقاطع موقف الحريري والثنائي الشيعي على عدم
اعطاء هذا الثلث لأي فريق، وبعد اعلان الرئيس عون رسمياً انه لم يطالب بالثلث المعطل ما يعيد طرح صيغة حكومة الـ"3 أثلاث": 6 وزراء لـعون و "تكتل لبنان القوي" و6 وزراء للحريري زائد جنبلاط وميقاتي و6 وزراء للثنائي الشيعي زائد المردة والقومي.
- عقدة "العدد والحجم" مع تمسك الحريري بحكومة الـ 18 وزيرا وتفضيل عون لحكومة الـ 20 وزيراً وبما يؤدي الى
رفع حصتي الدروز والكاثوليك الى وزيرين سيكونان حكما من حصة رئيس الجمهورية. يضاف الى ذلك تباين في تحديد
مواصفات الوزراء بين اختصاصيين غير حزبيين (الحريري ولا معنا ولا ضدنا" ) بري( واختصاصيين حزبيين او تسميهم الاحزاب باسيل وحزب الله) .
- عقدة وزارتي الداخلية والعدل بعدما أصر كل من عون والحريري على حيازة هاتين الوزارتين وبالتالي الاستحواذ
على قرار السلطتين الامنية والقضائية... ويبدو ان التسوية تتجه الى عدم امكانية الجمع بين هاتين الوزارتين وان تكون
وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية على ان يسمي وزيرا مقبولاً من الحريري وان يكون وزير العدل من حصة الرئيس المكلف على ان يسمي وزيرا مقبولاً من عون.
والى جانب هذه العقد الثلاث، هناك بحث في مسألتي الضمانات التي يعطيها حزب الله الى باسيل كتعويض عن الثلث
المعطل، والضمانات التي يطلبها حزب الله من الحريري في مجال برنامج الحكومة واجندتها السياسية والاقتصادية.