باسثناء اثبات استمرار الاهتمام الفرنسي بالوضع الدراماتيكي الذي يشهده لبنان وتأكيد المؤكد بالنسبة الى بقاء المبادرة الفرنسية مطروحة على الطاولة لم يتضح بعد اذا كانت الإطلالات المتجددة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على المشهد اللبناني تنطوي على عوامل ومعطيات جديدة تسمح بإنعاش رهانات على نجاح المبادرة الان خلافا لما واجهته في السابق . بل يتعين القول ان الشكوك الكبيرة في امكان احداث أي ثغرة سريعة وجدية في الازمة الحكومية بفعل التحرك الفرنسي تبدو اكبر واوسع وأعمق بدرجات واسعة مما كانت عليه سابقا ولا يكفي ان يطل الرئيس ماكرون بكلام هجومي حاد قبل يومين عن الطبقة السياسية الفاسدة لكي يطمئن اللبنانيين ما دام يعود في اليوم الثاني للاتصال برئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يمسك بكل انحياز وتصميم بمعادلة تعطيل تأليف الحكومة . والى ان يثبت الجانب الفرنسي ان لديه الإرادة والرغبة في اتخاذ موقف حاسم الى جانب الاتجاهات الدستورية التي يجب على العهد التزامها فان أي عامل مطمئن لم ولن يكون متاحا خصوصا وسط الاندفاعات التي يدأب عليها الفريق الرئاسي المتمثل برئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اللذين دأبا منذ فترة وعلى نحو مكشوف ومتعمد على توزيع الأدوار في مهاجمة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بما لا يترك أي شك في انهما يتوليان إدارة حرب الغاء ضد الحريري ومنع ولادة حكومته . ولذلك بدا طبيعيا ان تثار تساؤلات وشكوك إضافية حول الأهداف التي يمضي العهد وراءها بتعطيل التشكيل او اخضاع الحريري لشروطه وفي مقدمها فرض الثلث المعطل على التشكيلة الحكومية وهل سيجدد الجانب الفرنسي مغامرته ووساطته قبل ضمان نجاحه .
وغداة كلام ماكرون عن الوضع في لبنان واعتزامه زيارته للمرة الثالثة بعد انجاز بعض الشروط أعلنت بعبدا امس ان الرئيس عون تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي وتداول معه الأوضاع الراهنة وما آل اليه مسار تشكيل الحكومة العتيدة. ونقلت عن الرئيس الفرنسي تاكيد وقوف بلاده الى جانب لبنان في الظروف الراهنة التي يمر بها، ومساعدته في مختلف المجالات لا سيما في ما يتعلّق بالملف الحكومي. وشكر عون ماكرون على مواقفه الداعمة للبنان وحرصه على تعزيز العلاقات اللبنانية-الفرنسية وتطويرها في المجالات كافة، منوها خصوصا بالمبادرة الرئاسية الفرنسية المتعلقة بالمسألة الحكومية، ومجددا الترحيب بزيارة الرئيس ماكرون للبنان.
في غضون ذلك صعد “التيار الوطني الحر” عبر هيئته السياسية بعد اجتماعها برئاسة باسيل هجماته على الحريري فاعتبر ان “مأساة طرابلس تستدعي من رئيس الحكومة المكلف، الاسراع في تشكيل حكومة بالإتفاق والشراكة الكاملة مع رئيس الجمهورية، تحظى بدعم سياسي ووطني واسع، بناءً على برنامج اصلاحي يستجيب لتطلعات اللبنانيين ويقنع الدول المعنية بالمساعدة، وفي مقدمتها فرنسا”، مضيفة “الإعتبار الوطني يحتّم ان يتوجه رئيس الحكومة المكلف فوراً الى القصر الجمهوري، ويقلع عن التلهي برمي الآخرين بما هو غارق فيه من مآزق وتشابكات سياسية محلية وإقليمية وإنتظارات دولية، متلطّياً في خبايا جبهات واهمة” . واستغربت ما وصفته بـ “منطق تربيح الجميلة بالحرص على حقوق المسيحيين من جانب الذين رفضوا الإعتراف بشرعية الممثل الأكبر للمسيحيين، فعرقلوا إنتخابه سنتين ونصف السنة، الى أن فرضت حاجتهم لرئاسة الحكومة أن يوافقوا على ترشيحه” .
وسارعت هيئة شؤون الاعلام في “تيار المستقبل” الى الرد على هجوم التيار العوني فشددت على ان “اعتماد منطق تربيح الجميلة بالحرص على حقوق المسيحيين هو اتهام مردود للتيار الوطني الحر بعدما تم اختصار حقوق المسيحيين بحقوق بعض الازلام، وحجبها عن باقي المسيحيين وبينها احزاب وقيادات وشخصيات لها حضورها التاريخي ، ولا تلتقي مع التيار على ذرة واحدة من التوافق”. واضافت “اما عن دعوة الرئيس المكلف التوجه فورا الى القصر الجمهوري فكان الاجدى بالتيار الوطني الحر سؤال رئيسه السابق رئيس الجمهورية ، لماذا لا يوقع على التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من خمسين يوما بدلا من احتجازها ، وهل من مصلحة المسيحيين ان يصبح رئيس الجمهورية اللبنانية ، طرفاً يمارس خلف المعايير السياسية والحكومية لجبران باسيل، فيتخلى عن التزامه بحكومة من ١٨ ويعود الى نغمة العشرين .اننا في زمن العهد القوي جداً في التعطيل والعرقلة والتسلق فوق حقوق الطائفة للانقلاب على اتفاق الطائ وفي ما يعتبر مؤشرا الى توسيع اطار توزيع الأدوار بين العهد وبعض أطراف 8 آذار في حربهم على الحريري انضم رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان الى الحملة على الرئيس المكلف. وردّ على الكلام الصادر عن المكتب الإعلامي للرئيس المكلف والذي جاء فيه: لن تكون هناك حكومة إلا من 18 وزيراً… فقال: أن التمثيل الدرزي الصحيح في الحكومة هو حقٌّ مكتسب وليس منّة من أحد، والسعي إلى تقليص هذا التمثيل الى وزيرٍ واحدٍ هو تطاول على حقوق الدروز، ولا يملك أحد هذا التوكيل لا رئيس مكلّف ولا أيّ فريق سياسي آخر، ولن نسمح بهذا التطاول “.