مشكلة الرئيس المكلف سعد الحريري الفعلية هي مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والإثنان يخوضان
معركة الحكومة كما لو أنها آخر معاركهما السياسية، ولا يحتملان فيها الخسارة أو الهزيمة... الرئيس سعد الحريري لا
يستطيع أن يستجيب لنصيحة جنبلاط بأن يعتذر وينسحب ويترك لحزب الله وعون والحلفاء أن يشكلوا الحكومة لوحدهم
ويتحملوا مسؤولية الوضع... ولا يستطيع الحريري أن يخضع لشروط عون وحزب الله، وأن يكمل مع حكومة يرأسها
ولكن قرارها ليس في يده. في الواقع يجد الحريري نفسه في "ورطة"، فلا يمكنه التراجع الى الوراء وخسارة معركة
التأليف وآخر فرصة متاحة له للعودة الى الحكم قبل الإستحقاقات الحاسمة في العام المقبل 2022 ،ولا يمكنه التقدم الى الامام لتشكيل الحكومة وفق موازين القوى الحالية السياسية والنيابية، بما يؤدي الى إستنزاف المزيد من رصيده
الشعبي والسياسي و"الخارجي".
الحريري ما زال بعد 3 أشهر على تكليفه واقفا عند نقطة: لا إعتذار ولا تشكيل، وخياره هو المزيد من الإنتظار في معركة ليّ
الذارع مع الرئيس عون، مراهنا على عوامل ضاغطة وأوراق رابحة: المبادرة الفرنسية التي تعود إليها الروح بدفع من إدارة بايدن وتنسيق معها، الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تستنزف ما تبقّى من العهد المنتهي عمليا وتجعله عاجزا عن ممارسة سياسة كسب الوقت، الوهن الشديد الذي أصاب جبران باسيل بعد العقوبات الأميركية وبعد إنهيار شعبيته واضطراب تياره... وقوف حزب الله على الحياد وفق حسابات خاصة... الدعم الذي يتلقاه الحريري من بري وجنبالط في إطار مشروع سياسي متكامل يبدأ بقانون الانتخابات وينتهي برئاسة الجمهورية... وباختصار، فإن الحريري يتصرف من خلفية أن عامل الوقت لمصلحته وهدفه هو تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح والمكاسب، في حين لا يكون متاحا لـ"عون وباسيل" إلا خيار وسياسة الحد من الخسائر...
مشكلة الحريري مع باسيل ولكن معركته مع عون. الحكومة هي عنوان المعركة ورأس جبل الجليد فيها. أما إمتدادات المعركة ومفاعيلها، فإنها تذهب الى ما بعد الحكومة، الى الانتخابات النيابية والرئاسية... وربما الى ما بعد هذه الانتخابات، الى "مرحلة ما بعد عون"... من يربح في معركة الحكومة يربح في المعارك المقبلة، ومن يخسر الآن يخسر لاحقا... الحكومة الجديدة إذا قدّر لها أن تُشكل ستكون آخر حكومة في عهد الرئيس عون، لن تكون حكومة الستة أشهر للإصالحات وإنما حكومة السنتين للانتخابات... وفي حال الشغور الرئاسي لأي سبب، ستكون الحكومة التي تحكم وتؤول إليها كافة السلطات والصلاحيات... ولأنها حكومة على هذا القدر من الأهمية الإستثنائية، فإن المعركة التي تدور حولها هي معركة حياة أو موت بالنسبة لطرفيها المباشرين: الحريري الذي يخوض معركة إقصاء باسيل، معتقدا أن لا مصلحة له في تعويم باسيل ولا إمكانية لمثل هذا "التعويم"... وعون الذي يخوض معركة صلاحياته ومعركة باسيل في آن... عون لا يتراجع والحريري لا يعتذر، والنتيجة أن أزمة الحكومة مفتوحة زمنيا، وأن واقع "حكومة تصريف الأعمال مع رئيس مكلف" سيستمر طويلا.. ولكن البلد لا يحتمل هذه المراوحة القاتلة والإختراق في التأليف حاصل في غضون أسابيع لا أشهر بعدما يقرر حزب الله التدخل والخروج من مقاعد الانتظار الخلفية، ليقوم بدور الوسيط بعد تهاوي كل الوساطات المحلية...
حزب الله إلتزم في هذه المعركة موقفا دقيقا ومتوازنا. الحزب يريد الحريري في رئاسة الحكومة لأكثر من سبب ولا يجاري عون في رغبة إقصائه... ولكنه في المقابل لا يجاري الحريري في رغبة إقصاء التيار الوطني الحر، ولا يقبل أن تنتهي معركة الحكومة الى كسر عون وإضعاف الحليف الأول للإمعان في تطويق الحزب ومحاصرته سياسيا... ولذلك، فإن الإعتقاد السائد أن حزب الله سيتدخل للدفع باتجاه تسوية لا يكون فيها غالب ومغلوب، وينتظر التوقيت المناسب الذي يضبطه على الساعة الإقليمية، وعلى الأرجح ينتظر جلاء الأجواء الإيرانية ـ الأميركية في المنطقة.