في لبنان حلول “ترقيع” لم تعد تنفع. الفقراء يزدادون فقراً، ويُحرمون حتى حبة الدواء. الوعود كثيرة، والكلام والتصريحات اكثر من ان تُعدّ، والشروح والتبريرات لا تنفع في حل الازمة. الاكثر قدرة مالية إما انه خزّن أدوية لأنه قادر على شرائها، وإما انه يستوردها من الخارج، فيما الاكثر حاجة وغير القادر على التخزين او الاستيراد، أصبح محروماً ادوية كثيرة وبالتالي باتت صحته في خطر. لكن احدا لم يشر بوضوح الى تهريب كميات من الادوية المدعومة السعر الى الخارج. واذا كانت القوى الامنية القت القبض في اوقات سابقة على مهربي ادوية الى مصر وغيرها، فان احدا لم يثر امكان تهريب كميات كبيرة الى سوريا عبر الحدود المتفلتة بخلاف ما يدّعي المسؤولون الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
أمس، تقدَّم المحامون حسن بزي، جاد طعمة، هيثم عزو، مازن صفية، نجيب فرحات، بيار الجميل، جوزف ونيس، فرنسواز كامل، باسل عباس، جان – بيار خليفة، الياس طعمة، جيلبير أبي عبود، مريم حمدان والصحافي جوي حداد، من الدائرة القانونية لمجموعة “الشعب يريد اصلاح النظام”، بإخبار للنيابة العامة المالية سجل برقم 162/2021 ضد عدد من شركات الأدوية التي تحتكر الدواء وتخبئه في مستودعاتها وتبيع مخزونها في السوق السوداء من أجل جني الأرباح الطائلة على حساب صحة المرضى وحياتهم.
“الطاسة ضايعة” وفق القول الشعبي. قبل ثلاثة اشهر اي في تشرين الاول، اطلقت وزارة الصحة العامة حملة تفتيش على الصيدليات للتأكد من انها لا تملك المخزون الكافي من الدواء، وفي الاثناء جمع وزير الصحة حمد حسن المعنيين بموضوع الدواء في اجتماع طارئ خصص للبحث في أزمة الدواء ووضع خطة عمل حول كيفية التدخل والرقابة والإجراءات الواجب اتخاذها لوضع حد لها. وتبع ذلك اضراب لاصحاب الصيدليات احتجاجا على سياسات شركات استيراد الادوية التي توزع الدواء “بالقطّارة” على الصيدليات، إما لنقص لديها، وهو احتمال، وإما انها تعمد الى تخزينها طمعاً في تحقيق ارباح كبيرة اذا ما تم رفع الدعم، وهذا احتمال ثان. أما الاحتمال الثالث فهو تهريب الادوية المدعومة السعر الى خارج لبنان وبيعها بالدولار من قِبل مافيات تتاجر بكرامة اللبناني واستقراره قبل علاجه.
لكن شركات الادوية تبرىء نفسها بالارقام، فحاجة السوق اللبنانية من احد الادوية تبلغ 120 ألف عبوة شهريا، وقد وزع تجار الادوية نحو 170 ألف عبوة في مدة لم تتجاوز الـ 15 يوما ونفدت كلها من الصيدليات على رغم السياسة التي اتبعتها بعدم تسليم المواطن اكثر من حاجته الشهرية، لكن “شطارة” اللبناني تحتال على الإجراء، فيقصد المواطن صيدليات عدة في اليوم نفسه، ويشتري مؤونة اشهر عدة. وهذا الامر لا قدرة على الحد منه طالما ان اللبناني يشتري الدواء من دون وصفة طبية.
يقول نقيب الصيادلة غسان الأمين لـ”النهار”، إنّ “عملية الاستيراد وملف دعم الأدوية مرتبطة بمصرف لبنان”، مضيفاً أنّ “الشعب اللبناني يستهلك كثيراً من الدواء مقارنة بالدول المجاورة. ومع إعلان مصرف لبنان احتمال رفع الدعم عن الأدوية، هرع اللبنانيون وخزّنوا قبل غلاء الاسعار، لكنه منذ ذلك الحين وحتى الآن لم ترتفع الاسعار ما يعني ان لا حاجة للامر”.
ويلفت الأمين إلى أنّ “هناك بدائل لكل دواء. وتشبّث الناس بالعلامات التجارية للأدوية ناتج من سياسة فساد مدروسة منذ سنين، إذ رسم المسؤولون عن هذه السياسة في رأس اللبناني هذه الثقافة وحاربوا الدواء الـ generic، ولم ينشئوا مختبراً مركزياً كيلا نحلّل الـ generic ونثبت أنّه هو نفسه الدواء الأساسي ذو العلامة التجارية وأنّ سعره أرخص. في جميع دول العالم هناك مختبر مركزي، فلماذا لم تنشئه الحكومات المتعاقبة في لبنان على رغم مناشداتنا الحثيثة؟! ألم يجدوا 10 ملايين دولار كلفة إنشائه لطمأنة الناس؟”.
والحلّ، بحسب الأمين، “يكمن في طمأنة الناس الخائفين، لكن لا أحد يقوم بذلك، وهناك غياب للمسؤولين في هذا الإطار، إذ تجب مصارحة اللبنانيين وتوضيح الأمور لهم عن مصير الدواء لحلّ هذه الأزمة، عندها لن يخزّنوا الدواء. وإذا ما وافق المسؤولون في الدولة على الخطّة التي وضعناها، فستُحَلّ 90% من هذه الأزمة، لكن لا يمكن أن يبقى الشعب تائهاً كذلك”.
ويرى نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، عبر “النهار”، أنّ “الناس يشترون الأدوية بكميات كبيرة خوفاً من رفع الدعم ومن انقطاع الأدوية لعدم ثقتهم بالمستقبل. ولا يمكن لومهم، فهم يخزّنون الأدوية ولا يشترونها للاستخدام فحسب، وهناك هلع لدى الناس يدفع لشراء الأدوية، شبيه بتهافتهم على شراء الموادّ الغذائية قبل الإقفال، وخصوصاً أدوية علاج كورونا كالباراسيتامول والأزيترومايسين، والأسبرين والفيتامينات”.
ويضيف أنّ “الإجراء الذي اتخذته الصيدليات لتحديد كمية الأدوية للفرد الواحد لتقليص نفاد الأدوية نظراً الى شحّها، حدّ من التسليم للمواطن، لكنّه زاد حال القلق لديه ما دفعه إلى محاولة تأمين الدواء بشكلٍ مكثّف، ويبقى هذا الإجراء تكتيكياً”.
وتشير مديرة إحدى الصيدليات الكبرى في بيروت لـ”النهار”، إلى أنّ “أزمة انقطاع الأدوية تفاقمت أكثر الآن مع تخزين الناس للأدوية في منازلهم ما أدّى إلى انفجار الأزمة الآن، إذ هجمت الناس هجمة واحدة خلال الشهر الماضي لشراء الأدوية. وعلى رغم تحديدنا كمية الأدوية للزبائن، بات عدد كبير منهم يزور الصيدلية مرات عدة او يقصد صيدليات عدة في اليوم لشراء حصّته”.
كل الكلام السابق منطقي لكنه لا يُطعم خبزاً، ولا يوفر حبة دواء.