فيما نحن متجهون إلى الإغلاق المتشدّد، وفيما أمست الإصابات بعددها تهدّد لبنان بوجوده، وفيما بتنا نخسر أحباءنا لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية:
1-لا بدّ من الرضوخ للإقفال المتشدّد ولكن بلا خوف ورعب. لقد تبيّن بالمعطى العلميّ والنفسيّ، بأنّ معظم الوفيات سببها الخوف، إذ ينتج عنه ازدياد الجلطات القلبيّة، وهي كافية لتقود إلى الموت، وهذا التفسير أبرزه الدكتور مارون خوري. التعبير عن الإقفال المتشدّد لا يفترض أن يظهر زجريًّا بالمطلق، بل إرشاديًّا، فيفهم المواطن أنّه لمصلحته ومن أجل حمايته وحماية البلد من انتشار الوباء عاصفًا.
2-عدم شموليّة الإقفال التام المتشدّد، سيبقي على كثافة الإصابات ولن يجدي نفعًا. فإمّا الدولة تبسط سلطتها على كافّة الأراضي اللبنانيّة بمنع التجوّل وإغلاق المؤسسات دون هوادة، وإمّا فإن دور الدولة بمؤسساتها الأمنيّة سيسقط تلقائيًّا امام وجود مناطق عاصية عليها وعصيّة عن الدخول إليها. فلا يسوغ هنا أن تدفع مناطق سيتمّ إغلاقها ولو بالقوّة ثمن عدم الإغلاق في مناطق أخرى فإمّا القانون يطبّق على الجميع أو أن المكتوب يقرأ من عنوانه.
3-بقاء عدد من المناطق اللبنانية خارج سلطة الدولة بإجراءاتها مسيّس بامتياز بوجه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيل حسان دياب. وقد تبيّن بلنّ المعنيين فيها على غرار الرؤساء نبيه برّي سعد الحريري ونجيب ميقاتي فؤاد السنيورة ووليد جنبلاط وآخرين لم يدعوا الدولة إلى دخول "ممالكهم"، أو "مزارعهم"، ولم يدعوا أيضًا جمهورهم بالتقيّد بإرشادات الدولة اللبنانيّة رافعين الغطاء عن كلّ المخالفين، ما خلا حزب ملتزم دعا أمينه العام جمهوره وجميع الناس الإلتزام بإرشادات الدولة شرعًا وقانونًا حفاظًا على صحة الجميع واعتبر بأن عدم الالتزام إجرام متعمّد. وهذا إن عنى شيئًا فهو يعني استغلال الفيروس كمادة أو ورقة في استمرار المعركة على العهد والضغط عليه.
4-استغلال هؤلاء باللعب على سعر صرف الدولار على الرغم من الكارثة الكبرى التي نحن فيها بواسطة حاكم مصرف لبنان ونقيب الصرافين، كما بحجب الأدوية عن الصيدليات بواسطة نقيب الصيادلة ورئيس جمعية مستوردي الأدوية وكل هذا يتمّ حصرًا بتمثيلية تراجيدية واضحة بين الرئيس بري وحاكم مصرف لبنان والقطاعين المذكورين، وهذا ما يجب الانتباه إليه في سياق الإغلاق المتشدّد والذي سيكون جزئيًّا وليس كليًّا.
5-ليس مؤكّدًا بعد من إمكانية انخفاض عدد الإصابات بالكورونا فيروس بالطريقة التي اتبعتها الدولة ممثلة بقرار مجلس الدفاع الأعلى، ولم يكن بيانه متماسكًا ومتينًا. ممّا يعني، وبحسب المعطيات المتوافرة، بأنّ قادة الأجهزة الأمنيّة ليسوا على استعداد كامل في اقتحام الأسوار وتنفيذ المقررات كما هو مطلوب. واستكمالاً لتلك المعطيات، فإنّ اللواء عماد عثمان في معظم اجتماعات المجلس او اللجنة الوزارية الخاصّة بالكورونا لم يظهر قناعة في النزول المتشدّد، تحت ستار بأن عديد وى الأمن الداخليّ لا يسمح لها بالتوسّع بالانتشار، ومثله في السابق فعل قائد الجيش.
6-غياب القناعة الأمنية في التطبيق ومتانة الانتشار لدى القادة الأمنيين، تأكيد على فعالية التسييس المتلازم مع الأمن، وديمومته في صهر الأمن وجذبه بالتطبيق إلى جانبه، وفي الواقع تلك طامة خطيرة فرضت وتفرض نفسها في النقاشات والانعطافات، ممّا يجعلنا سلفًا، وبناء على ذلك، وبناء أيضًا على البيان الباهت لمجلس الدفاع الأعلى نستنتج بأنّ التطبيق المتشدّد إذا جازت التسمية سيكون حكرًا على منطقة دون أخرى بحيث تكون المنطقة المغلقة مكسر عصا لسائر المناطق الأخرى، وعلى حسابها.
7-ليست المحفّزات الأمنية المقترحة بقيمة 400000 ليرة لبنانية للعائلة الواحدة سوى ذرّ للرماد في العيون، أمام الغلاء المستفحل بل المتوحّش، فماذا لو اقتضى تمديد الإغلاق كيف يمكن للعمال والموظفين والمياومين أن يعيشوا ويدبّروا أمورهم وأحوالهم؟ ماذا لو أصيبوا بالوباء عينه أو بأمراض أخرى واحتاجوا للطبابة فهل تغطيتهم مؤمنّة؟ ليس هذا سؤالاً بل إنه تساؤل من قبيل الملاحظة الضروريّة. إن رامت الدولة رعاية أبنائها بحب وحزم في آن فالمطلوب تجسير وتجذير التوازن بين مفهوميّ الحماية من الوباء والحماية من الجوع، والاستغراب كلّ الاستغراب أن يبدو وزير الاقتصاد راوول نعمة ساه ولاه، وليس مستعدًّا للضرب بيد من حديد من جهة مراقبة سعر الخبز والمواد الغذائيّة والدواء وضبط المخالفات وإنزال أشدّ العقوبات بالمخالفين. والأكثر استغرابًا أن تصدم الدولة الناس بطريقة مخيفة وفجة حول طبيعة الإغلاق فينكبّون فجعين وخائفين على المتاجر والسوبرماركات لشراء المواد الغذائيّة وكأننا نموت من الجوع. لقد ظهرنا من هذه الناحية على أسوأ ما يكون، وجاءت النتيجة حتمًا لصالح التجار والشركات الكبرى. إنّ المراقبة المتشدّدة ضروريّة في هذه الفترة التي نحن في صددها، وإلاّ فإنّ التلاشي سيبقى يصبّ في تأليب الناس على العهد والدولة والوطن.
8- لا يسوغ للمجلس النيابيّ منح الحصانة القانونيّة لشركة بفايزر عن طريق قانون صادر عنه على حساب صحة الناس. فهذا تجاوز حقيقيّ لدوره وفهمنا لهذا الدور، الذي يفترض أن لا يلتبس ويسقط في محظورات تنفي عنه المعنى التمثيليّ الضامن لحقّ المواطن، فيصير ضامنًا لحقّ الشركة على حساب حقّ المواطن. وعلى هذا فإنّ ما صرّح به النائب عاصم عراجي لجهة تحصين الشركة قانونيًّا جعل الناس تزداد توجّسًا ليظهر فيما بعد بأن هدف الإغلاق الولوج إلى شراء لقاح مفروض علينا من منظمة الصحة العالميّة مع ضرورة الحماية القانونيّة لها. السؤال الذي لم يجب عليه عراجي وهذا ما باب الملاحظات هل نحمي الشركة على حساب المواطنين أو ثمّة بدائل كان يفترض ان يتم طرحها؟ وعلى هذا يفترض بالمجلس النيابيّ أن يصدر قانونًا يلحظ فيه مصلحة الشعب اللبنانيّ وصحّة الأفراد، فإذا كان لا بدّ من التعاون مع بفايزر أو سواها فليكن القانون متوازنًا أو فلتتحمّل الدولة اللبنانيّة النتائج وتضمن بدورها صحة اللبنانيين بحال حصل أيّ انعكاس سلبيّ نتيجة التلقّح بهذا اللقاح، فتتحمّل هي التعويض على المتضررين مكان الشركة إن عدلت.
9-بعض الأطباء يؤكّدون على ضرورة تلقيح اللبنانيين وبعضهم الآخر يحذّرنا من التلقيح. الخلاف على التلقيح يقودنا للاستنتاج بأنّ المعطى العلميّ غير متكامل الأجزاء والمعايير، ممّا يقود إلى ارتفاع منسوب الشكوك عند غالبية اللبنانيين حول معنى التلقيح وضرورته وأهميته. وتشير بعض المعطيات بأنّ الجدال المستعر له علاقة وطيدة بالصراع ما بين الشركات في التسويق والبيع. وعلى الرغم من ذلك، فلم نجد إلى الآن على المستوى العالميّ حسمًا جذريًّا عبر لجنة علماء تحدّدها منظمة الصحة العالميّة لدرس اللقاحات بمكوناتها ومفاعيلها وتأثيراتها أو مؤثراتها، وعلى المستوى اللبنانيّ، لم تهبّ الدولة اللبنانيّة في سبيل دراسة اللقاحات المعروضة علينا بعيّنات توضع في المختبرات لتظهر النتيجة العلميّة حاسمة. ليس حميدًا أن نبقى تحت موازين الصراعات والجدليات. المعطى العلميّ لا يحتمل التأويل والاجتهاد بل هو صارم بالنتائج الحسيّة والمخبريّة الظاهرة سواء سلبًا أو إيجابًا.
في الختام، تلك الملاحظات لا بدّ منها في هذا الزمن الصعب، وفيه نفقد الأحبّة، ونراهم يسقطون ضحايا الإهمال والاختلاط الفوضويّ. المصيبة كبرى والنوائب عظمى، والدولة اللبنانيّة عاجزة. ليس المقصد من المقال إظهار العجز، بل التنبيه على خطورة العجز وانعكاساته الخطيرة على اللبنانيين والوطن.
نحن في معركة حامية الوطيس مع الكوفيد-19. المواطن مسؤول والدولة بدورها مسؤولة في خوضها ببطولة وقوّة وكرامة، إنها معركة حياة أو موت. والمسؤولية متكاملة ومتوازنة في آن. خوض المعركة بوجه الكوفيد-19 تتطلّب منا النظافة والبقاء في المنازل ليس خوفًا ولا جبنًا بل محبة بكلّ أخ حبيب وكريم عارفين بأن رجاءنا بالنصر قريب، وتتطلب من الدولة تعزيز الإقفال ليكون شاملاً ومترافقًا مع إرشادات تتجنّب فيها إرهاب الناس. إسقاط الكورونافوبيا بطرائق فجّة، ستقتل الناس قبل أن يقتلهم الفيروس. وعلى هذا فإن بقيت مناطق عاصية على الدولة، فإن الإقفال يكون قد فشل وسنبقى تحت سطوة وباء متوحّش يصيب منّا مقتلاً ويحوّل وطننا إلى جحيم وقبر، وإن كنّا نؤمن بالقيامة. القيامة حلوة في التاريخ وحلوة في السماء.