عشية دخول لبنان غدا ولفترة عشرة أيام تمتد حتى 25 كانون الثاني الحالي، بدء الالتزام بحالة الطوارئ الصحية والاقفال الشامل وحظر التجول في مواجهته الأخطر خطورة مع جائحة كورونا، عادت الازمة السياسية الحكومية تثقل على الواقع الداخلي بقوة راسمة هذه المرة ما يمكن اعتباره الفصل الأكثر سلبية في تطورات ازمة تأليف الحكومة الجديدة. واذا كان الانفجار الحاد لأزمة تأليف الحكومة صار رهينة الواقع العدائي الذي اثاره هجوم حاد من جانب العهد وتياره على الرئيس المكلف سعد الحريري وأقام جدار قطيعة شخصية وسياسية بين الرئيسين المعنيين باستيلاد الحكومة وتوقيع مرسومها، فان اكثر ما يثير المخاوف والريبة يتصل بالسؤال الكبير الذي لا يجد اللبنانيون أي جواب واضح عليه وهو الى اين ستذهب البلاد في ظل ازمة أداء، يتحول فيها الصراع السياسي حول الحكومة الى متاريس سياسية متقابلة وتنتفي احتمالات الحل؟ وماذا بعد هذا الانفجار السياسي الذي جاء في اسوأ ما يمكن تصوره من ظروف كارثية تضرب لبنان بدءا بإعصار كورونا المتدحرج الذي سجل امس احد اخطر أرقامه القياسية في الإصابات وحالات الوفاة؟
ولعل المؤشر البارز على الخشية من تمادي الازمة تمثل في إعطاء مجلس أمناء البنك الدولي موافقته بدعم أكثرية الدول على اتفاق قرض شبكة الأمان الاجتماعي للبنان والبالغة قيمته 246 مليون دولار. وهو قرض مخصص لأزمة الطوارئ في لبنان. وكان وقع وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني على محضر التفاوض حول بنود مشروع الاتفاق في الشهر الماضي .
الحال ان المخاوف من حالة التمترس الناشئة عن هجوم رئيس الجمهورية ميشال عون وقبله رئيس ” التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على الرئيس الحريري تفاقمت باتساع خطير امس في ظل نأي جميع القوى السياسية بنفسها عن الصراع وترك المسرح لاحتدام متصاعد بما يعني ان المواجهة ستبقى مفتوحة رهن عض الأصابع الى امد قد يطول اكثر مما يتوقع كثيرون.
وبدا واضحا ان امكانات التوفيق بين الطرفين وكل وساطات جمعهما، توقفت حتى رغم ما تردد عن عودة بكركي الى التحرك بعد التصعيد الأخير ولكن دون نتائج ملحوظة. ولعل اللافت في هذا السياق ان “تكتل لبنان القوي” عاود مساء امس مطالبته للحريري بالتواصل مع رئيس الجمهورية وكأن شيئا لم يكن. وقال التكتل انه “ينتظر ان يبادر الرئيس المكلف الى التواصل مع رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة تحترم وحدة المعايير وتكون إصلاحية ومنتجة بوزرائها وبرنامجها ولذلك يدعو التكتل الرئيس المكلف لكي يستأنف عمله بأسرع وقت بعيدا من اي تأثيرات”.
الحريري وتضامن جنبلاط
في المقابل، بدا الحريري على مواقفه وشروطه، وهو ليس في وارد الرضوخ لضغوط الفريق الرئاسي لدفعه الى الاعتذار. وقد اتصل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط امس به مؤكدا “رفضه المطلق للحملة التي يتعرض لها موقع الرئاسة الثالثة واستنكاره وشجبه للإهانات الشخصية التي طاولت الرئيس الحريري على الرغم من بعض التباينات السياسية العرضية “.
ووفق الأوساط القريبة من بيت الوسط فان لدى تيار “المستقبل” اقتناع بأنّ معضلة التعطيل باتت واضحة ويقف خلفها رئيس “التيار الوطني الحرّ” الذي يريد العودة شخصيّاً الى المشهد الحكومي ونسف معايير حكومة المهمّة المبنيّة على قواعد الاختصاص وفرض معايير الحكومة السياسيّة، واضعاً توقيع رئيس الجمهورية في جيبه. ويبدو واضحاً لـ”المستقبل” أنّ باسيل يأخذ موقع الرئاسة الأولى رهينة ويحتكر المفتاح الحكوميّ ويريد الانتقام من الشعب اللبناني بعد الخسائر السياسية المتوالية التي لحقت به، وهو يعمل عن قصد على استدراج اشتباكات سياسية مع غالبية القوى والاحزاب، بما فيها “القوات اللبنانية” وتيار “المرده” والتقدمي الاشتراكي وحركة “أمل” إضافةً الى “بيت الوسط”.
وتتحدّث أجواء “المستقبل” عن تعامل الرئيس المكلّف مع الموضوع الحكومي وأداء واجبه في تقديم تصوّر واضح من 18 وزيراً الى رئيس الجمهورية، فيما لم يأتِ جواب من الأخير حتى الآن؛ مع إشارتها الى حال من انكار يعيشها العهد الذي ينحو باتجاه ممارسات لا تحترم الدستور وآلياته وتغفل تأثيرات جائحة “الكورونا” التي فتكت بالشعب اللبناني بكامل أطيافه ومناطقه. ولا أفق سيفتح في ظلّ هذا المشهد سوى باب “جهنّم”، فيما يترجم الحلّ الذي يؤكّده “المستقبل” في الدخول من باب العودة الى الدستور واحترامه.
وغرد امس المستشار الاعلامي للرئيس المكلف سعد الحريري حسين الوجه عبر تويتر كاتبا “تصر دوائر القرار في قصر بعبدا على توريط رئيس الجمهورية بالملفات الخلافية وتسريب المواقف العشوائية على صورة الفيديو المهزلة الذي وزع امس. هذا الكلام ضربٌ من ضروب الانقلاب على الدستور واستخدامه ورقة غب الطلب تعود بالبلاد الى ما قبل اتفاق الطائف. يعلم اللبنانيون ان أساس المشكلة موجود في دوائر القصر وان الرئيس الحريري ينتظر قراراً بانهاء حالة الإنكار وفتح الباب امام حكومة اختصاصيين تتصدى لخطر الكورونا وتضع الحلول والاصلاحات فوق سكة الانجاز ، وخلاف ذلك معارك مع الاوهام ومحاولات لضرب المبادرة الفرنسية”.
كورونا واللقاحات!
في غضون ذلك وعشية الاقفال التام الذي يدخل حيز التنفيذ غدا سجلت وزارة الصحة أعدادا مخيفة اذ قفز عدد حالات الوفاة الى 32 حالة وبلغ عدد الإصابات 4557. واحتلت الفضيحة المتصلة بتأخير اصدار قانون الاستخدام الطارئ للقاحات صدارة الكوارث المتصلة بكورونا في وقت تخوض معظم الدول سباقا مع الوقت لانجاز عمليات التلقيح . ويفترض ان يقر مجلس النواب القانون الذي يفتح الطريق امام وصول اللقاحات علما ان الصيغة النهائية لإقتراح القانون المطلوب من شركة فايزر لتأمين اللقاح المضاد، سيصدر اليوم في اجتماع لجنة الصحة النيابية بعد وضع الملاحظات القانونية عليها من قبل محامي الشركة ومحامي وزارة العدل ووزارة الصحة ولجنة الصحة. وسيدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة سريعة لإقرار إقتراح القانون المعجل المكرر والتصويت عليه بمادة واحدة.
اما على الارض، فاستمر تهافت المواطنين الى المحال التجارية والسوبرماركت للتبضع قبيل الاقفال.