2024- 11 - 13   |   بحث في الموقع  
logo أسرار الصحف logo عناوين الصحف logo ترامب يُراهن على ماسك لإحداث "ثورة" في الحكومة الأميركية logo "لن نتسامح"... استهدافٌ "أميركي" في سوريا logo تفجيراتُ البيجر وضربات مفاجئة... أماني يكشف "خيوط المؤامرة" logo للمرّة الأولى... غارة اسرائيلية تستهدف شقة سكنية في عرمون! (فيديو وصور) logo لا وقف لإطلاق النار... شتاء عاصف قادم logo 4 قتلى... إليكم إحصاءات غرفة التحكم المروري
مسعود الأشقر سرّه المحبة (بقلم جورج عبيد)
2021-01-11 22:28:12



لأكثر من عشرين سنة، كان مسعود الأشقر نديمي وصديقي. إنّه صقر الأشرفيّة ونسر الجبل، وفي الصفتين مسعود كتلة محبة ووفاء.


قبل أن ألقاه شخصيًّا كنت أعرف عن نضاله وكفاحه من أجل لبنان كجرح إنسانيّ كبير، وقضيّة وجوديّة، تستحقّ الجهاد ولو سفك الدم مدرارًا. في نفسه وفكره نبض القيامة، وفي توجهه عصف الحريّة، وما فرّق بينهما لأنّهما واحد. فالمسيح الحرّ من بين الأموات مصدر لحريتنا كلّنا.


أولى معرفتي بمسعود تمّت مع صديقي الذي كان بمثابة أخي، جبران تويني. التقينا في مبنى دار النهار في الأشرفيّة، في لحظة نظر البيارتة إلى جبران ومسعود كجناحين حقيقيين لهذا الحيّ العريق وكعصبين متأصّلين في قلب بيروت، بل من قلب بيروت إلى لبنان كلّه. وقد كان بشير الجميّل يحتلّ الأفئدة والعقول، وبعد استشهاده سعى مسعود بطيبته وصلابته في آن لكي لا يتشتّت الناس وقد تعمّدوا بالدم لمئة يوم، ولم يكن جبران بعيدًا عن السعي.


فرادة مسعود انطلقت مما "ثمار الروح" كما قال بولس الرسول الكريم. وثمر الروح بتوصيف بولس: "فرح ومحبة ورجاء وإيمان وطول أنّاة ولطف ووداعة وصلاح" (غلا5:22). مسعود اختزن في ذاته تلك الصفات وترجمها مع الناس بوجه باسم، بتواضع نفس، بكبر قلب، بالتواصل مع كلّ الناس، بزيارة المريض، بتعزية الحزين، بالوقوف على خاطر من جار الدهر عليهم. لم يترك مسعود أحدًا من أهل الأشرفية إلاّ وقرع بابه وسأل عنه، فكيف بأصدقائه الخلّص الذين ما توقّف عن مؤازرتهم في لحظات الألم فحوّلها إلى الأمل، في لحظات الضيق فجعلها أوقات فرج، في لحظات ضيق فحوّلها إلى تعزية وفرح.


بهاؤه بانسكابه، قلّما نجد في هذه الأزمنة سيّدًا منسكبًا في سبيل من يحبهم. مسعود الأشقر انسكب وما يسأل، تدفّق وما توقّف، أعطى وما طلب، وإذا ما طلب فهو لشعبه وأحبائه وليس لنفسه. مسعود ربي في عائلة طيبة ومباركة، اقتبس منها قيمة العطاء، وأخذ منها المحبّة المجانيّة، وجسّدها في المعركة بوجه جميع من اشتهوا لبنان وبيروت والأشرفيّة. واجه الفلسطينيين دفاعًا عن لبنان وعن الوجود المسيحيّ، واجه السوريين حين شاؤوا إلقاء القبض على لبنان لا سيّما في الأشرفيّة، وواجه خلفهم من سعوا لاستبقاء لبنان رهينة، فسطع شريفًا وراقيًا وصلبًا، ولم يقبل الانكسار، وهو أيضًا ممن رفضوا الانعزال عن الآخرين. وحين بدأ عصر التمزّق المسيحيّ، خرج متبرّئًا من جميع المساهمين بالتمزيق رافضًا تزوير التاريخ، والتدجيل على الحقيقة.


خرج مسعود من ثقافة المتاريس داخل الدائرة المسيحية ووجد نفسه في المكان الصحيح، إلى جانب جبل بعبدا، حيث التاريخ الصحيح راسخ، من دون أن يشهر عداءً لأحد. قال لي مرّة بأنّه عاش حقبة بشير، ولكنّه انجذب إلى عقل الرئيس كميل شمعون واستقرّ إلى رؤية ميشال عون. لقد دمج بين هذا الثالوث حيث الرؤية تعني الكشف والعقل المصدر والقوة التجسيد. لم يؤمن بمفهوم القوّة كمنطق وثقافة بل آمن بقوّة المنطق حيث ثقافة القوة تستطيع تجذيره وتحقيقه في لحظات الجور والظلم.


أذكره خلال الاعتداء على الأشرفيّة في 4 شباط من سنة 2007، لقد تأهّب على ساحة ساسين مع شلّة من أصدقائه بعدما شعر بخطورة التهجّم على مطرانية بيروت الأرثوذكسيّة وكنيستيّ مار نقولا ومار مارون، نتيجة دخول التكفيريين كرد فعل على الرسم الكاريكاتوريّ الذي طال نبيّ المسلمين. لقد اشتعلت فيه الحميّة وكأنه في لحظات النضال الأولى، وفهم الطرف الآخر أنّ استمرار هؤلاء بالعبث سيعرّض البلد لهزّة طائفيّة لا تحمد عقباها، سيّما بعدما احتشد أبناء الأشرفيّة إلى جانب مسعود. كان مسعود منتظرًا اللحظة التي يعصف فيها من جديد كرامة وحقًّا.


مسعود الأشقر من طينة الكبار الطيبين. قد يجدني قارئي شديد التطرّف إلى جانبه، قلمي وعقلي شديد التطرف إلى جانبه، أي إلى جانب الأخيار والشرفاء والمؤمنين بقضيّة لبنان وقضيّة الوحدة المسيحية واللبنانيّة. مسعود وقف بوجه جميع التقسمييين في الخطّ المسيحيّ، مثلما رفض التوطين الفلسطينيّ ورفض فيما بعد توطين اللاجئين السوريين، رفض انتظار الحلول في الخارج رفضًا مطقًا لتتم على حساب لبنان، لم يجد ضرورة استبقاء العلاقة السوريّة-اللبنانيّة مغلقة طالما سوريا خرجت من لبنان، فكان راضيًا بالانفتاح عليها وتأمين العلاقات معها، ورفض في المقابل الحرب عليها إلى جانب العماد عون، وكان يرى بأنّ سقوطها سيعني سقوطًا للبنان، وسلك فيما بعد سلوكًا مشرقيًّا ملامسًا معاناة المسيحيين المشارقة، من دون الإفراط بالجذور الوطنيّة السليمة والصحيحة ، وهي مسرى نضاله، مطالبًا من أجل الاستقامة بتحرير المخطوفين من السجون السوريّة ومعرفة مصيرهم.


كلّما التقينا كلّما كان الوجد بيننا قويًّا. ثمّة رجال نخالهم أقوى من الموت، لم أتصوّر يومًا أن فيروسًا حقيرًا سيقضي عليه ويحرمنا من بهائه، من إطلالته الغنيّة والحلوة والمحبّبة إلى قلوبنا. لقد ذكّرني بكلام للأخوين رحباني الذين انضمّ إليهم الياس الرحباني: "انكسر السيف وما انكسر البطل". لا يمكن لي ولمن ذاقوا خصائله وعاينوا فضائله أن يتخيّلوا رحيلاً لحبيب مثل مسعود. لقد صلينا جميعنا للرب الإله أن يغدق بكرمه وحنانه عليه ويرفعه من غيبوبته ليعود إلينا وإلى مسيرته. لعلّ السيد المبارك وجد له المكان الأفضل من هذا المكان. منذ أن خسرت جبران تويني وخسرت أخي فادي من بعده وصولاً إلى والدتي، تيقنت بأنّ محبتنا لمن نفقدهم ليست كمحبة ربهم لهم. وهو يختار من يحبّ ومن هم أهل المحبة.


أيها الحبيب، يا رمز الكرامة والشرف والمروءة والبطولة، كيف لي أن أتمشّى في أحياء الأشرفية ولا ألتقي بك وأعانقك وأمازحك وتمازحني، كيف لي أن أزور كنيسة دخول السيدة وقد كانت الأحبّ إلى قلبك ولا تدخلها لألتقي بك مصليًّا ومجتمعًا بكاهنها وراهباتها؟ كيف سيمرّ عيد مولدي وعيد شفيعي القديس جاورجيوس وكنت الأول من يسبق الآخرين في معايدتي عبر الهاتف وعلى صفحتي على الفايسبوك والواتس آب؟ يوم خسرت أخي وافيتني إلى سوق الغرب وحاولت تعزيتي قائلاً يا جورج أنت أقوى من هذا الموت إبق قويًّا لأجل والديك، ومع رحيل والدتي قلت لك "لحقتو" فأجبتني وسنبقى معتصمين بالرجاء في النهاية لنا وطن آخر، ثم كنت واسيتنا في رحيل عمي والد زوجتي وشقيقها وجدتها، واحتسبناك واحدًا منّا من طينتنا من زمننا من ترابنا المتأهل ليصير نورًا بالتماس المسيح في حياتنا. ما أجملك معزيًّا تزرع الرجاء في القلوب والتعزية في النفوس، فماذا أقول في وداعك اليوم؟ ماذا أقول لعائلتك الصغرى والكبرى؟


يا مسعود لعن الله الوحوش الذين زرعوا الوباء، أرجو من الله أن يجازيهم على أعمالهم لأنهم حرمونا منك وحرمونا من جميع أحبائنا الذي يسقطون كالعصافير من أعشاشهم، وعلى الرغم من ذلك سننتصر يا مسعود بقيامة المخلّص، أنت قياميّ بامتياز، نصرك في نضالك جاء من قوة القيامة ونحن به ننتصر دومًا.


إرثك يا صديقي سيبقى في الأشرفية وفي كل لبنان، سنكون أمناء عليه، إذهب واعل إلى من أنشدته في حياتك كمثال لنضالك، لا تتركنا من عليائك وحيدين، أسجد أمام عرش الله وتوسّل له من أجل أن ينتهي هذا الوباء سريعًا ويحفظ لنا لبنان والمشرق.


هل فهمتم لماذا أنا مشدود إلى مسعود صقر الأشرفية ونسر الجبل، هل فهمتم لماذا أنا مشدود إلى تاريخه ونضاله وأدبياته؟ أنا مشدود إليه لأنّ سرّه المحبة، والله محبة.


ألا ارتفع من هذا السجن الصغير إلى الحريّة، حرية أبناء الله. ألا كان ربك رئيفًا بك في رحلتك المعطرة بالمحبة والنعمة والحقّ والإيمان والرجاء، وهي من ثمار الروح، وقد ذقتها في بشرتك فستذوقها في ضياء الملكوت. ولنا أن نلقاك في الفصح الآتي.     



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top