حبست الأنفاس وتسمّرت العيون ليل أول أمس، عند المشهد الأميركي مع اقتحام مناصري الرئيس دونالد ترامب مقر الكونغرس، بناء على دعوته بالتظاهر لمنع تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات، وانتهت الجولة بهزيمة حلّت بترامب بتوافق جمهوري ديمقراطي كرّس فوز الرئيس المنتخب جو بايدن وأجبر ترامب على الاعتراف بالهزيمة واٌقرار بتسليم الرئاسة في 20 الشهر الحالي، وقد لمع اسم نائب الرئيس مايك بنس الذي كان شخصاً في الظل طوال مدة ولاية ترامب، ليظهر خلال يوم الكونغرس كبطل منقذ للديمقراطية الأميركية من السقوط بقيادته التصويت لصالح حسم رئاسة بايدن داخل الكونغرس، وتحوله الى مصدر تهديد لترامب بالعزل إذا غامر باستخدام صلاحيته في المدة الباقية من ولايته بما يعرّض رئاسة بايدن للاهتزاز، بحيث بدا ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي قد أنجزا تفاهماً على إنهاء ترامب سياسياً لصالح بنس، وفتح طريق التعاون بين الحزبين خلال ولاية بايدن رغم سيطرة الديمقراطيين على أغلبية مجلس الشيوخ بالفوز بمقعدي جورجيا في المجلس بالتزامن مع حسم رئاسة بايدن ووجود أغلبية ديمقراطية تسيطر على قرارات مجلس النواب.
مع تراجع مخاطر أحداث أمنية أو عسكرية تهدّد الاستقرار في العالم، خصوصاً في المنطقة بهدف قلب ترامب للطاولة بوجه بادين، كما يقول الخبراء في ضوء ما جرى أمس، يبقى الانتظار لبدء بايدن ولايته ورؤية طبيعة التصرف تجاه التفاهم النووي مع إيران، التي تمضي في رفع تخصيب اليورانيوم ومناوراتها العسكرية، واحتجاز الناقلة الكورية الجنوبية، على قاعدة معادلة أن لا تفاوض بل عودة للتفاهم النووي مقابل تراجع إيران عن خطوات التصعيد والعودة للالتزامات، وإلا فليأخذ التفاوض بالاعتبار معادلات جديدة تحكم الواقع الراهن تختلف عن تلك التي حكمت التفاهم قبل خمس سنوات، والمعادلات الجديدة كلها نووياً واستراتيجياً لصالح إيران.
لبنانياً، تنشط بكركي على خط تحريك مساعي الحلحلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي زار بكركي معايداً، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الذي يتوقع أن يزورها، ومسعى بكركي يقوم على ترتيب لقاء مصالحة ومصارحة مفتوح بين الرئيسين لفتح الطريق لتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة، وهو ما تراه مصادر متابعة للملف الحكومي أمراً يتجاوز بأسبابه المحلية الأبعاد التي تربطه بالأسباب الخارجية، لكن هذه الأسباب الداخلية يصعب حلها بمجرد مساعي علاقات عامة، فهي تحتاج طرفاً قادراً على ممارسة الضغوط لتنازلات متبادلة لا تبدو ناضجة بعد.
في مواجهة كورونا الأرقام المخيفة تتقدّم، مع ارتفاع نسبة الحالات المصابة من عدد الفحوص الى 15%، وارتفاع نسبة الوفيات بكل مليون نسمة الى 232 شخصاً، والمعدلان جديدان وخطران في حالة لبنان، ويضعانه بين الدول التي تسير نحو فقدان السيطرة، لذلك قالت مصادر صحية إن وزارة الصحة التي تتابع نتائج الإقفال، تضع ثقلها في رفع نسبة الجهوزية الصحية في المستشفيات الحكومية والخاصة وتسعى لضمان تجهيز 300 سرير إضافي للمصابين بينها 100 سرير عناية فائقة خلال فترة الإقفال.
نسبة الالتزام جيّدة مع خروقات
وبقي الملف الصحي في واجهة الاهتمام الرسمي وسط ترقب لنتائج اليوم الأول من إقفال البلاد وردود الفعل عليه وتداعياته على الوضع الاجتماعي.
فقد شهدت مختلف المناطق اللبنانية نسبة التزام عالية مع بعض الخروقات لا سيما في طرابلس التي شهدت تظاهرة شعبية رفضاً للقرار.
وأوضح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي أنه «لا توجد لدي إحصاءات دقيقة بموضوع الالتزام لكن النسبة كما أفادتني بها الأجهزة الأمنية جيدة جداً». وطلب فهمي من «المحافظين والقائمقامين والبلدات كما كنا نطلب في السابق وكانوا أساساً بالتنفيذ والمساعدة بتطبيق التعليمات، أن يستمروا كما كانوا يعملون في السابق لمصلحة الوطن والمواطن». كما طالب المواطنين بأن «يكون لديهم قناعة. هذا وباء تفشى في كل العالم، والدول المتقدمة لم تستطع إيقاف هذا الوباء، كيف الحال في لبنان ونحن وضعنا معروف. لذلك أطلب من المواطن أن يساعد نفسه ويساعد بلده». كما شدّد فهمي على أنه «بالنسبة للمواطن المخالف، يمكننا ان نستخدم نموذج الرقم 401 المعتمد لدى قوى الأمن الداخلي وهو محضر عادي يحال حتماً عند قاضي المنفرد الجزائي والعقوبة فيه تمتد من الإقفال إلى الحبس 3 أشهر للمواطن، كذلك المادة 604 والتي يمكن ان تساهم بتفشي الوباء، يمكن ان نطبق عليه هذه المادة».
إلا أن مصادر لجنة الصحة النيابية أشارت لـ»البناء» إلى أن «قرار الإقفال تشوبه ثغرات عدة لا سيما سلة الاستثناءات التي تضمنها والتي ستفقد القرار أهدافه الأساسية بالحد من التنقل والولوج الى الطرقات والاختلاط الاجتماعي وبالتالي خفض عدد الإصابات وإراحة القطاع الطبي». ودعت المصادر اللجنة الوزارية الى اعادة النظر ببعض الاستثناءات ورفع درجة حالة التعبئة العامة لكي نستفيد من قرار الإقفال بخفض عدد الحالات». وأوضحت بأن نتائج الإقفال على صعيد تراجع نسبة الاصابات لن تظهر في القريب العاجل، فالأعداد الكبيرة التي تظهر بشكل يومي هي أولى نتائج التفلّت الاجتماعي في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة».
هل دخل لبنان النموذج الإيطالي؟
وفي غضون ذلك برزت مؤشرات دخول لبنان في النموذج الايطالي لجهة إقفال المستشفيات أبوابها أمام مرضىى الكورونا. فقد انتشر فيديو مخيف وصادم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من امام طوارئ كورونا في مستشفى نبيه بري الجامعي الحكومي في النبطية، حيث انتظرت سيارات الإسعاف أمام الطوارئ لتعذر حصول مرضى كورونا على سرير. لكن مدير عام المستشفى الدكتور حسن وزني أوضح أن «الفيديوات المتداولة للزحمة أمام القسم المخصص لمرضى كورونا ليست اليوم، ولكن المستشفى يشهد هذا الضغط في أوقات الذروة خلال النهار ونتعامل معه بشكل طبيعي والامور تحت السيطرة». لكن مصادر صحية رسمية أوضحت لـ»البناء» أن لبنان لا يزال بعيداً عن النموذج الايطالي لاسباب عدة ابرزها أهمها أن الدول امتلكت قدرة على احتواء المرض بعد سنة من ظهور الوباء بعكس ما حصل في ايطاليا في بداية تفشي الفيروس. مطمئنة الى أن التعاون بين الدولة ووزارة الصحة وقطاع الاستشفاء والمواطنين والقوى الامنية سنتمكن من احتواء مرحلة التفشي الاخيرة».
ولفت وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إلى أن «الوضع الصحي خطير، والعمل الذي تقوم به الوزارة هو رفع جهوزية المستشفيات الحكومية، لكن حتى الآن لا جهوزية لوجستية ونحاول إيجاد حل بين المستشفيات الخاصة والحكومية». وقال في تصريح إن «الهدف الأساسي إرجاء الموجة على الأقلّ لأسبوعين وزيادة عدد الأسرّة في العناية الفائقة»، مضيفاً «بالنسبة إلى الإجراءات قرار الإقفال يكون بسبب الارتفاع الهائل بعدد الاصابات، وفي دول أخرى الإقفال أسهل من لبنان بسبب توفّر الموارد». وتابع «علينا أن نتحمّل هذه المرحلة الخطيرة وتخطّيها لحين وصول اللقاح، وإذا أردنا حلّا فليقدّم الجميع حلولاً من جانبهم من دون تضخيم المشكل، ورغم النقص في الكوادر الطبية إلا أن الطاقم الطبيّ يقوم بعمل أكثر من جيّد، ولدينا الآلاف من الممرضين ذوي الخبرة والمؤهلين للقيام بالواجب».
وأعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 4774 إصابة جديدة بكورونا في لبنان، رفعت العدد الاجمالي للحالات المثبتة إلى 204699.
كذلك، سُجلت 16 حالة وفاة جديدة، رفعت الاجمالي إلى 1553.
تداعيات اجتماعية وأمنية
إلا أن نتائج القرار على الصعيد الاجتماعي أتت سلبية لجهة رفض العمال المياومين قرار الإقفال لكونه سيوقف مصالحهم وأعمالهم وبالتالي عدم استطاعتهم تأمين قوت يومهم في ظل عجز الدولة عن تأمين البدائل المالية للتعويض عن خسائرهم. ورفض محتجّون في طرابلس قرار منع التجوّل، ونظموا مسيرة من ساحة النور باتجاه شوارع المدينة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وإقامة حواجز لقوى الامن لتسطير محاضر ضبط بحق مخالفي قرار التعبئة.
وحذرت مصادر أمنية من انعكاس حالة التردي الاجتماعي وتفشي الفقر والجوع على الوضع الامني، ولفت ارتفاع نسبة الجريمة وعمليات السلب والقتل بغاية السرقة في مناطق لبنانية عدة. وأفيد عن وفاة السوري م.ع.ح (38 عاما) بعدما اقدم على إحراق نفسه في تعلبايا، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وضيق سبل العيش. كما تعرّض المواطن (أ. أ. مواليد عام 1962، لبناني) لعملية سرقة وسلب واعتداء بالضرب المبرح أمام منزله الكائن في محلة ضهر الليسينة – عكار من قبل أربعة أشخاص مجهولين، ونقل على أثرها إلى المستشفى ثم ما لبث أن فارق الحياة متأثّراً بجراحه.
على صعيد تأليف الحكومة تنتظر الأوساط السياسية ما سيحمله رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد عودته الى بيروت عائداً من جولته الخليجية، وسط ترقب لحراك جديد سيطلقه الحريري، لكن لم تُعرف طبيعته ووجهته.
خلوة عون – الراعي
وقبيل استئناف الرئيس المكلف نشاطه السياسي، يبذل البطريرك الماروني مار بشارة الراعي المساعي لترطيب الأجواء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري تمهيداً لعقد لقاء مصالحة بينهما يعبد الطريق امام عودة الاتصالات والمشاورات الحكومية.
وبرزت زيارة الرئيس عون الى بكركي حيث التقى البطريرك الراعي في مناسبة الاعياد واستمرت الخلوة بينهما 45 دقيقة، تحدّث بعدها عون الى الصحافيين فقال: «جئنا اليوم نعايد غبطته، لأن الظروف منعتنا من ان نكون هنا يوم عيد الميلاد. وتكلمنا في الأوضاع العامة التي لا تزال مكتومة، لأن كل الذي يحصل معنا لا يحكى في الاعلام، بسبب ان كل واحد يكتب في الاعلام مع الأسف على هواه. وان شاء الله يكون هذا اللقاء مثمراً في هذا الموضوع». سئل انه حكي ان هذا اللقاء كان يمكن ان يجمعكم فيه البطريرك مع الرئيس الحريري، على ان يكون لقاء مصارحة واتفاق على حكومة من دون محاصصة، فأجاب: «هذا احتمال».
ولاحقاً أوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان، ان «لا صحة للمعلومات التي نشرت عن ان اجتماعاً كان سيعقد صباح اليوم في بكركي، بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري، برعاية من البطريرك الماروني. والصحيح أن مثل هذا الطرح عرضه البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما اليوم، ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به. فاقتضى التوضيح».
الحريري ينتظر بايدن
ولفتت أوساط سياسية متابعة للشأن الحكومي، لـ»البناء» إلى أنّ «الحريري ينتظر تسلم بايدن مقاليد السلطة أملاً بتغيير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة وبالتالي تجاه لبنان. ولذلك يتريث في إعلان الحكومة تخوّفاً من فرض العقوبات إذا سار بحكومة لا تتواءم والشروط الأميركية لجهة مشاركة فعالة لحزب الله وحلفائه في التيار الوطني الحر وغيره. وبالتالي لن تنال الحكومة رضى الأميركيين ولا رضى المجتمع الدولي ما يعدّه الحريري قفزة في المجهول. إذ لن تجرؤ أي دولة أو صندوق مالي دولي على مساعدة لبنان بلا الإذن الأميركي. كما أن الحريري بحسب الأوساط، لا يريد حكومة تخلق مشاكل وعداوة مع الرئيس عون وحزب الله لأنها ستكون محكومة بالفشل، والتجارب السابقة أثبتت بأن أي حكومة لن تقلّع بلا تغطية من حزب الله. ولهذه الأسباب، لا يريد الحريري تأليف حكومة الآن، فيعمل على تمرير الوقت بحجج وطروحات يعرف مسبقاً أنها لن تنال موافقة عون، رهاناً على نضوج الظروف الإقليمية والدولية لتصبح مهيأة لتسوية في لبنان. وبهذه الحالة يكون الحريري أنقذ نفسه من العقوبات الأميركية ولم يعتذر عن التكليف ولم يدخل بمواجهة مع عون وحزب الله».
وفسّرت المصادر نفسها تصلّب الحريري بضغوط واشنطن والخليج اللذين يريدان حكومة شبيهة بمجلس إدارة شركة. وكشفت معلومات لـ»البناء» أنّ «الحريري قصد الإمارات طلباً لوساطتها مع المملكة العربية السعودية محاولاً خطب ودها أكثر من مرة لكنه أخفق». كما كشفت «أن شخصيتين من أركان تيار المستقبل اتصلا بالحريري خلال مكوثه في الإمارات سائلين عن نتيجة الاتصالات التي أجراها، فردّ بأن لا جديد ولينتظروا طويلاً».
ولفتت الأوساط إلى أن «الحريري لم يعد يعتمد في الملف الحكومي على الفرنسيين الذين لن يستطيعوا تغطيته في أي خطوة يُقدم عليها في الملف الحكومي. لذلك يعوّل على إشارة أميركية تنقلها إليه السعودية، لكن الأخيرة لم تُغيّر موقفها حتى الساعة من الحريري، الذي حاول ثلاث مرات الحصول على موعدٍ من الأمير محمد بن سلمان أو من ينوب عنه في الديوان الملكي، لكن لم يحصل على ما يبتغيه. ويتردد في الأروقة الضيقة بأن “المملكة” فقدت الأمل من “ولدها سعد».
وكشف مصدر وثيق الصلة بالأميركيين لـ»البناء» أن لا حكومة في المدى المنظور. فالأميركيون منهمكون بأحوالهم وأهوالهم الخطيرة على كافة الصعد الاقتصادية والصحية والأمنية والسياسية والدستورية. فضلاً عن أن واشنطن لن تفاوض طهران ودمشق حالياً بل ستنتظر نتائج الانتخابات الإيرانية والسورية في حزيران المقبل لتبني على الشيء مقتضاه. لذلك لبنان سيبقى في دوامة الانتظار طويلاً.
أما حزب الله بحسب ما أوضحت مصادره لـ»البناء» فإنه لن يسير بحكومة تفرض على اللبنانيين وتلغي الأكثرية النيابية وتمس بالتوازنات والمعادلة الداخلية. لذلك يدعو الحزب الرئيس المكلّف إلى البحث جدياً مع رئيس الجمهورية لإنتاج حكومة توافقية لا تغيّر الثوابت السابقة وتحترم المواقع والصلاحيات ولا تسلّم البلد لقوى خارجية. وأكدت بأن الحزب لن يسلم أسماء وزرائه قبل إنجاز الخلطة الحكومية كاملة مع الأطراف الأخرى.
ويتطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته مساء اليوم الى الملفات الداخلية لا سيما الحكومة وملف كورونا على أن يرد على الحملة الإعلامية والسياسية على الحزب لجهة تشييد تمثال للشهيد اللواء قاسم سليماني.