فيما يواصل الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب حالة التعبئة لقواه ومؤيديه لمواصلة المواجهة من دون التسليم بتغيّر الخارطة بعكس رغباته في المسار الرئاسي، تنتظر الأميركيين أربع وعشرون ساعة حاسمة، حيث تنهي ولاية جورجيا انتخابات عضوين جديدين يكتمل بهما قوام الكونغرس الأميركي، بعد فشل المرشحين في الدورة الأولى بالفوز بالنصاب المطلوب، وفي حال فاز الديمقراطيون بالمقعدين سيكون أمام الرئيس المنتخب جو بايدن مساراً سلساً في الحكم وإن جدّد الجمهوريون السيطرة على المقعدين فالتوازن سيكون بين الرئاسة ومجلس الشيوخ هشاً، وسيرتفع رهان ترامب على الضغط على التصويت الذي يُجريه الكونغرس للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولذلك يوزّع ترامب ثقل اهتماماته بين ملف أول هو انتخابات جورجيا، التي فضحته التسجيلات الصوتيّة في التورط بما بدأت تسميته بجورجيا غيت، بعدما سُمع يدعو حاكم الولاية لتدبر أمر أحد عشر ألف صوت يحسمون استرداد الولاية وتصويتها الرئاسي، بينما الملف الثاني هو التظاهرة التي ستنطلق اليوم في واشنطن لأنصار ترامب لتطويق الكونغرس والضغط عليه خلال عملية التصويت على نتائج الانتخابات الرئاسية.
إقليمياً جاءت المصالحة التي ضمّت السعودية وقطر في قمة لمجلس التعاون الخليجي، وحملت صوراً لطي صفحة الخلاف بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد، وكان واضحاً الدور الذي لعبه صهر الرئيس ترامب ومستشاره جارد كوشنر في إتمام المصالحة، وحضوره القمة كتعبير عن هذه الرعاية، والمصالحة استعداد سعوديّ للتحصن تحسباً للمتغيرات الأميركية، ولو كان الثمن التخلي عن الموقف من قطر والشروط التي وضعت للمصالحة وفي طليعتها إقفال قناة الجزيرة وقطع العلاقات بالأخوان المسلمين وإخلاء القاعدة التركيّة ولم يطبق أيّ منها.
لبنانياً، بدا أن الجمود يتعمّم، ففي ظل الإقفال الذي سيبدأ غداً، وتدخل البلاد معه حالاً من الجمود وتأمل بتجميد عداد كورونا، طال التجميد التحقيق القضائي في ملف تفجير مرفأ بيروت، حيث التنحّي لقاضيين من أصل ثلاثة قضاة يعاونون رئيس محكمة التمييز التي تنظر بدعوى التنحي المقدمة بوجه المحقق العدلي فادي صوان، لم يعُد ممكناً البتّ بمصير الدعوى، ولا بمصير التحقيق العدلي.
الجمود السياسيّ بدا هو الآخر حاضراً لولا مسحة التفاؤل التي حاول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ضخّها في موقف له توقع خلاله استئناف بكركي مساعي الوساطة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، والجمود تعزّز مع السجال العالي السقف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، حول تبادل الاتهامات في المسؤولية عن تعطيل المسار الحكومي.
وعشية دخول البلاد حالة الإقفال التام حتى الأول من شباط المقبل، وقع رئيس الجمهورية الموافقة الاستثنائيّة بالإغلاق الكامل بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الإعمال حسان دياب واللجنة الوزارية المكلفة متابعة وباء «كورونا».
من جهة ثانية، وافق رئيسا الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال على اقتراح وزير الصحة حمد حسن، توقيع العقد مع شركة «فايزر» لشراء اللقاحات اللازمة لفيروس «كورونا».
وعممت رئاسة مجلس الوزراء تفاصيل قرار الإقفال لناحية توقيته حيث يمنع الخروج والولوج الى الشوارع بين السادسة مساء والخامسة فجراً مع إقفال تام الآحاد، وقد تضمّن القرار أيضاً التدابير الجديدة المتعلقة بالمطار وتوقيت عمل المؤسسات مع القطاعات المستثناة منه.
إلا أن قرارات الحكومة لم تأتِ على قدر توقعات لجنة الصحة النيابية التي توقع رئيسها النائب عاصم عراجي بارتفاع إصابات كورونا في الايام الـ10 المقبلة، موضحاً أن الخوف من الاصابات الخطيرة لأن لا أسرة فارغة في غرف العناية الفائقة. وقال بعد اجتماع لجنة الصحة: «تفاجأنا بالتدابير التي اتخذتها الحكومة والتي أتت مشابهة بالمرات السابقة ومع استثناءات كثيرة». وشدد على «أننا في وضع خطير وإمكانياتنا أضعف بكثير من بريطانيا التي اعلنت الاغلاق الشامل».
إلا أن مصادر حكومية أوضحت لـ «البناء» أنه «لا يمكن توقف كافة القطاعات عن العمل وبالتالي توقيف حياة اللبنانيين، بل استثناء بعض القطاعات الحيوية هو جزء من الخطة الحكومية بالتعاون مع الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية والمواطنين، إذاً لا يمكن اقفال وكالات السفر طالما أن المطار مستثنى من قرار الإقفال كما لا يمكن اقفال المصانع والمعامل التي تنتج المواد الغذائية والصناعية التي تزوّد المحال التجارية بحاجات المواطنين اليومية وكذلك الأمر بالنسبة للعسكريين والقطاع الطبي والاستشفائي والمصارف، لذلك قرار الإقفال وتعاميم وزارة الداخلية جاءت لتؤمن التوازن بين موجبات الخطر الصحي والضرورات الحياتية للمواطن في مرحلة الحجر».
إلا ان مصادر مطلعة توقعت لـ«البناء» أن «تواجه الحكومة والاجهزة الامنية عقبات عدة خلال تنفيذ قرار الاقفال وتعاميم وزارة الداخلية لا سيما عقبات اجتماعية وأمنية وقضائية، في ظل تفشي حالة الفقر في لبنان بنسب متقدّمة عالمياً ما سيدفع العمال لا سيما الفقراء والمياومين والأجراء منهم الى ابتداع اساليب عدة لمزاولة اعمالهم في الليل والنهار لتحصيل قوت يومهم، كما أن العديد من المواطنين سيسترقون الانتقال على الطرقات بعيداً من أعين الاجهزة الامنية، فيما سيشكل إدراج المخالفين للقرار ضمن المواد القانونية التي تجرمهم بعقوبات تصل الى حد السجن، عقبات أمام تنفيذ هذا الأمر الذي سيخضع لاستنساب القضاء في نهاية المطاف».
أما تدبير المفرد والمزدوج فسيفاقم الأزمة بحسب المعلومات التي أكدت بأن اعادة العمل بهذا الإجراء أتى بناء على إصرار من وزارة الداخلية، أمّا وزارة الصحة فلا تزال رافضة لهذا القرار من منطلق أنّه لا يُساهم إيجابًا في التصدّي لفيروس كورونا، لا سيما أنه سيجبر المواطنين على التنقل في سيارة واحدة ضمن العائلة الواحدة أو عبر النقل الخاص «التاكسي» ما يرفع نسبة خطر العدوى.
إلا أن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي لفت الى أنه «كان يفضل أن يكون الإقفال تاماً من دون استثناءات، لكن الوضع الاقتصادي في لبنان استثنائي وميؤوس منه». وأكد فهمي أنه «لا يمكن إقفال المصانع بشكل كامل لأننا بحاجة إلى إنتاج مواد طبية وغذائية». وتمنى على المواطن أن يحافظ على عائلته وأمواله ومجتمعه من خلال التزام الإجراءات الوقائية، وقال: «محاضر الضبط ستصل إلى حد السجن 6 أشهر، وذلك بحسب المخالفة المسطّرة».
وأعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 3620 إصابة جديدة بفيروس كورونا، رفعت العدد الإجمالي للحالات المثبتة إلى 195759. كذلك، سُجلت 17 حالة وفاة جديدة، رفعت الإجمالي إلى 1516.
في غضون ذلك، ينتظر الملف الحكومي عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت، إذ لفتت معلومات «البناء» الى أن الحريري أمضى إجازة الإعياد في دولة الإمارات ولم ينتقل الى السعودية ولا الى باريس على أن يعود خلال أيام الى بيروت.
وأشارت أوساط في تيار المستقبل لـ«البناء» إلى أن «الرئيس المكلف لا زال ينتظر رد رئيس الجمهورية على الاقتراح الأخير الذي قدمه الحريري لحل العقد المتبقية، وبالتالي الجواب على توقيت تأليف الحكومة عند رئيس الجمهورية وليس عند الحريري الذي قام بما عليه». وأوضحت الأوساط أن «الحريري لن يقبل بحكومة تكرّر المراحل السابقة حيث كان بعض الأطراف يعطلون اي قرار لا يعجبهم وبالتالي يسيطرون على قرار الحكومة»، ولفت إلى «أنه لا يمكن أن يحتكر رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الحقائب الأمنية والقضائية، فإذا نال رئيس الجمهورية الدفاع فيجب أن تؤول العدل الى رئيس الحكومة فيما تسند الداخلية إلى وزير مستقل يسميه الحريري بالتفاهم مع عون».
وعن إمكانية طرح الحريري لحلول أو مقترحات وسطية لتذليل العقد لفتت الأوساط المستقبلية إلى أن «المقترحات الوسطية هي الطرح الأخير الذي قدّمه الحريري لعون ولم يجب عليه حتى الآن، وهذا أقصى ما يمكن أن يصل اليه الحريري». ونفت المعلومات المتداولة عن إمكانية اعتذار الحريري عن استمراره بعملية التأليف إذا ما بقي الوضع على حاله. مؤكدة أن خيار الاعتذار غير وارد إطلاقاً.
وتساءلت الأوساط عن سبب خوف رئيس الجمهورية وهو الذي يقول بأنه وحلفاءه يمتلكون الأكثرية النيابية، مضيفة: لماذا لا يوقع عون مرسوم الحكومة ويترك اللعبة الديموقراطية للمجلس النيابي».
وشهد يوم أمس، تصعيداً في المواقف على خط بيت الوسط – ميرنا الشالوحي، ما يؤشر الى أن مناخ الحريري سيتسم بالتصعيد وبالتالي سنكون أمام جولة جديدة من الموجهة بين بعبدا وبيت الوسط.
ودعا تكتل لبنان القوي خلال اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل، الحريري الى «تحملّ مسؤولياته والقيام بواجباته الوطنية والدستورية فيتوقف عن استهلاك الوقت ويعود من السفر لينكبّ على ما هو مطلوب منه وعدم اختلاق العراقيل الداخلية لإخفاء الأسباب الحقيقية وراء تأخير عملية التشكيل».
وشدد التكتل على أن «قوة لبنان تنبع من وحدة موقفه في ما يخص حماية السيادة والاستقلال وهذا يستوجب إعادة التذكير بأن لبنان بحدوده وأرضه وجوّه وبحره وثرواته يتعرّض لتهديد إسرائيلي، كانت آخر مظاهره الخرق الجوي المتكرر والكثيف في الأيام الماضية. ويدعو التكتل للحفاظ على عناصر القوة اللبنانية لتكون في خدمة لبنان ووجهة استعمالها الدفاع عنه، فتبقى تتمتع بالغطاء الوطني اللازم لها».
كلام التكتل، استدعى رداً من الحريري عبر مكتبه الاعلامي الذي أكد بأن «الرئيس المكلف قام بواجباته الوطنية والدستورية على أكمل وجه وقدم لرئيس الجمهورية تشكيلة حكومية من اختصاصيين غير حزبيين مشهود لهم بالكفاءة والنجاح وهي تنتظر انتهاء رئيس الجمهورية من دراستها». واضاف: «وفات تكتل لبنان القوي أن الجهة التي عطلت البلد اكثر من سنتين ونصف السنة هي آخر من يحق لها إعطاء دروسٍ بالتوقف عن استهلاك الوقت واختلاق العراقيل». وتابع مكتب الحريري: «وفات تكتل لبنان القوي ورئيسه ايضاً ان المشكلة واضحة وعنوانها معروف من قبل الجميع وهي داخلية عبر التمسك بشروط تعجيزية تنسف كل ما نصت عليه المبادرة الفرنسية وتقضي على اي امل بمعالجة الازمة بدءاً من وقف الانهيار وصولاً الى اعادة اعمار ما هدمه انفجار المرفأ».
أمام هذا المناخ التصعيدي، شدد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على أن بكركي ستستأنف مساعيها لتسريع تأليف الحكومة مع عودة الحريري إلى بيروت. وفي حديث إذاعي، أكد ابراهيم أن زيارته البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي «كانت للتهنئة بالأعياد، ومن الطبيعي أن يتم التداول في الشأن العام معه، وخصوصاً أن له ما له من اهتمام في هذا الشأن». وأوضح «أنني لا أقول على الاطلاق إن مساعي البطريرك أحبطت، فهو مستمر في ما يقوم به في كل الاتجاهات وربما تكون الأعياد وغياب الرئيس المكلف سعد الحريري عن لبنان جمدا هذا الحراك، وأنا أكيد أنه سيستأنف الحركة في الأيام المقبلة وفي الاتجاهات المناسبة للمساعدة على الحلحلة».
وفي ما يتعلق بتشكيل الحكومة والكلام عن تباعد بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لفت إلى «أننا لم نتجاوز بعد المعدل الزمني العام لتأليف الحكومات في لبنان، وليس الثلث المعطل أو الضامن هو العقدة على الإطلاق، إنما تبقى بعض التفاصيل، خصوصاً أن العمل يتم على حكومة اختصاصيين في بلد عز فيه الاختصاص بعيداً من السياسة». وشدد على أن «المبادرة الفرنسية، في عناوينها الكبرى لا تزال قائمة، مرجحاً أن تكون هذه المبادرة وعناوينها بوصلة البيان الوزاري وتالياً العمل الحكومي، وسيكون هذا التوجه عنواناً لإنقاذ لبنان من الوضع القائم الذي نتخبّط فيه».
وفي ظل التشاؤم الذي ساد الملف الحكومي، وقرار إقفال البلد، سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء ارتفاعاً مقابل الليرة اللبنانية وبلغ مساء أمس، عبتة الـ 8650 ليرة للشراء و8700 ليرة للمبيع.
على صعيد آخر، ولمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، أقامت بلدية الغبيري وجمعية «سياج» حفلاً أزيح الستار خلاله عن النصب التذكاري لسليماني، وذلك في الشارع الذي يحمل اسمه في الغبيري، بحضور القائم بأعمال سفارة الجمهورية الإسلامية وعدد من الشخصيات البلدية والعلمائيّة والاجتماعية.
وبعد أخذ ورد على خلفية كلام قائد القوة الصاروخية في الحرس الثوري الايراني، والتحريض الذي يمارسه البعض في الداخل لإصدار موقف رسمي يدين الكلام الايراني، أوضح وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه أن «كلام القائد العسكري في الحرس الثوري الايراني لا يمثل الحكومة الايرانية، ولهذا نحن لم نرد بالطرق الدبلوماسية. وهناك أصول للردود وتصريحي كما تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون يكفيان». ورأى وهبة أن «وضع تمثال أو صورة في أي ساحة وبلدية لا يؤثر على السيادة اللبنانية ونحن لسنا واجهة لأيّ طرف».