بدا لافتا في خضم الازمة السياسية ـ الحكومية المستفحلة، والتي تجرجر ذيولها منذ أشهر، ذهاب الرئيس نبيه بري
نحو فتح أوراق قانون الانتخاب من جديد ووضعه على مشرحة المجلس ولجانه منذ أسابيع، وحيث يُنقل عنه تأكيده أن
سنة 2021 ستكون سنة معركة قانون الانتخاب، وأنه يرفض إجراء الانتخابات النيابية وفقا للقانون الحالي تحت أي
ظرف.
خطوة بري أثارت إستنفارا سياسيا عابرا للاصطفافات التقليدية، فالتقى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على
محاربتها، كون البديل من القانون الحالي سيخل بقوة في ميزان التمثيل النيابي لصالح المسلمين والشيعة منهم تحديدا، بما
أنهم المكّون الأكبر ديموغرافيا حاليا.
وتحدثت مصادر مطلعة عن نية لدى الرئيس بري بإعادة وضع الملف مجددا على الطاولة بعد إحباط محاولته
الاخيرة على يد "الثنائي المسيحي" الذي تصّدى لمشروع بري، مستندا الى تبريرات عدة أبرزها:
لا يجوز تعريض قانون انتخابات لم يجر إلا مرة واحدة للنقض والتغيير، وضرورة - الاستقرار التشريعي، بحيث
إعطائه فرصة وتجربة جديدة قبل الحكم والانقلاب عليه.
- صعوبة الاتفاق على قانون انتخابات جديد قبل الانتخابات المقبلة )2022 بالاتفاق على القانون الحالي ( بعدما تطل 8
سنوات... وفي حال فتح قانون الانتخاب مجددا، فإن ذلك يهدد بنسف الانتخابات المقبلة وعدم إجرائها في موعدها. وإذا
كان إجراؤها مشروطا بالاتفاق على قانون جديد.
- الاولوية يجب أن تُعطى لتشكيل الحكومة الجديدة والاصالحات ومعالجة الازمة الاقتصادية والاجتماعية.
الثنائي المسيحي المتباعد في ملفات كثيرة يلتقي على معارضة مشروع بري )دائرة انتخابية واحدة خارج القيد
الطائفي(، ويعتبر أنه إلغائي لضرب صحة التمثيل المسيحي من خلال شل قدرته على التأثير بذريعة أنه يؤدي الى تذويب
الصوت المسيحي من قبل أكثرية إسلامية. وفي هذا الإطار، ترى مصادر مسيحية أن الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله)
بدأ
يتحسب منذ الآن للمتغيّرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد ان طرحه قانون انتخاب يقوم على جعل لبنان
دائرة واحدة يهدف الى السيطرة على القرار السياسي عبر المجيء ببرلمان جديد تكون له اليد الطولى في وضع اليد على
البلد.
ولا تستبعد المصادر أن يكثف الرئيس بري ضغوطه، خاصة في حال إستمر التعثر في التأليف الحكومي، للدفع نحو التخلص من القانون الحالي وإقرار آخر يعطي الثنائي الشيعي مكسبا سياسيا طال إنتظاره، يكرس تفوقه العسكري
والعددي ويعطيه حصة أكبر في كعكة المجلس النيابي على شكل مثالثة واضحة أو ممّوهة.
وبالمقابل، إن فرض تغيير القانون من دون إيجاد آخر يراعي حسن تمثيل الجميع، ستواجهه الاطراف المتضررة
منه بكل ما أوتيت من قوة، سياسيا وروحيا وشعبيا. وربما أكثر، لأن المسألة بالنسبة إليها مصيرية وجودية، وتتعلق
مباشرة بمستقبلها ودورها في لبنان...
اللافت هو موقف حزب الله الذي عمل على سحب قانون الانتخاب من التداول السياسي، فالحزب مدرك لخطورة أي
كباش سياسي له صبغة طائفية قد يهدد الوضع الداخلي، وأن التوقيت ليس مناسبا في مرحلة درس الخيارات وانتظار
إنقشاع المنحى الاميركي الجديد وتداعيات تحولات المنطقة، إضافة الى أن خيار الحزب الداخلي يأخذ منذ سنوات قليلة
منحى إستيعابيا، وهو استوعب موقف حلفائه والقوى الصديقة والخصوم، وحاول إمتصاص أي ردات فعل على قانون الانتخاب يُفهم منه إحداث شرخ طائفي. ولكن رغم ذلك، تتساءل مصادر متابعة عما إذا كان الحزب سيقرر في نهاية المطاف التناغم كليا مع مشروع الرئيس بري أم أنه سيُضطر الى مراعاة موقف حليفه وتياره السياسي برئاسة باسيل، أم أنه يتحسب لاحتمال تبّدل موقف الاخير الذي يدفعه الى التموضع تحت عباءة قانون بري الانتخابي؟
في كل الاحوال، يبدو أن معركة قانون الانتخاب ستكون إحدى المعارك السياسية البارزة في العام 2021 ،وحيث تبرز مخاوف من أن يؤدي الامر الى تأجيل الانتخابات المقبلة والتمديد للمجلس الحالي الذي يُراد له أن يكون هو من ينتخب الرئيس الجديد للجمهورية، وحجة التأجيل والتمديد جاهزة وهي أن هناك خلافا مستحكما على قانون الانتخاب، والانتخابات مرفوضة في ظل القانون الحالي.