2024- 06 - 24   |   بحث في الموقع  
logo في جذور الفكر المحافظ البوتيني logo غزة مقبرة للأطفال:20 ألف طفل مفقود نتيجة الحرب logo النظام ينفي عقد لقاءات عسكرية مع الأتراك في حميميم logo تحذيرٌ رسميٌ لنتنياهو بسبب "قضية الغواصات" logo أيزنكوت: حديث نتنياهو عن "الصفقة" يتنافى مع قرار "المجلس" logo قاووق: قرار أميركا بمساندة إسرائيل في الحرب على لبنان ليس جديداً logo جولة لفرق الاقتصاد جنوباً وسحب "عينات" logo "شغلة زعران"...داعشي يغتال أحد عناصر "فتح" ويوتّر عين الحلوة!
الياس الرحباني وموسيقى السفر (بقلم جورج عبيد)
2021-01-05 10:57:54



شاء لك ربّك يا الياس أن تسافر بموسيقاك في اللحظات الأولى من السنة الجديدة ومع عيد الظهور الإلهيّ، لتضعها قربانًا جميلاً ولذيذًا أمام عرشه، ولتعزف أمامه لحن الأزل تشاركك ملائكة السماء لينضم إليك عاصي ومنصور وما انفصلا عنك أو انفصلت عنهما فقد كنتم واحدًا في التاريخ والإبداع، وها أنتم تستعيدون الوحدة أمام عرش السماء، وتعيدون للحبيب الإلهيّ ما انكسب عليكم من جمال، ومن جمال بلوريّ إلاّ وكان وجهًا من وجوهه الطاهرة والمضيئة من حياتنا.
 
ينطبق عليك يا صديقي قول بولس الرسول ، "ومتى ظهر المسيح حياتنا حينئذ تظهرون معه في المجد"، في زمن ظهوره المبارك والعظيم علوت يا الياس إلى المجد. لم يكن مجدك منفصلاً عن مجده. وكانت أحاديثك معي تشير إلى دوره في نشأة المسرح الرحبانيّ مع عاصي ومنصور، وفي مسرحك أنت وغسان. أذكرك تقول لي نحن مؤمنون بأنّ ما أعطيناه كان هو خلفه، أفلاطون قال الجمال سطوع للحقّ. ما أعطيته يا الياس كان سطوعًا للحقّ، وشدّدت غير مرّة بأنّ موسيقاك حملت الحب، والحب فداء وليس فقط رومنسيّة، ومن قال الحبّ قال الله. كان الحبّ عندك مساحة للوجد، وفي الوقت نفسه للحق، للجمال، للخلاص. كنت أذكرك بأنّ بهاء المسيح انكشف على الصليب لأنه فوق الجلجلة قال الحبّ دمًا. فإن أنت قلت الحبّ، فأنت قلت المسيح المصلوب والظافر في آن.
 
قبل أن أتعرّف عليك بصورة شخصيّة، وألقاك صديقًا حبيبًا، وأذوقك بهيًّا، ربيت منذ طفولتي على سحر موسيقاك ونجواها. أنت أسست مدرسة مستقلّة لدرجة أن ليس من موسيقى تشبه موسيقاك على المستوى العالميّ. لقد اندمجتُ بالموسيقى الكونيّة والأوروبيّة منها، سمعت خوليو وميراي ماتيو وإديت بياف، وهم عمالقة أوروبا، وعلى الرغم من تأثّرك الواضح بما انسكب علينا من ذلك المدى، فقد تميّزت عليهم بنكهة خاصّة جعلت بصورة واضحة تتفوّق بالنكهة والأسلوب. أنت رومنسي بامتياز، وصادق إلى ما لا نهاية، بمعنى أنك وضعت أحاسيسك كلّها في العزف واللحن، كنت تترجم نفسك، وتقول جهارًا الملحنّ الذي لا يترجم ويجسّد نفسه في عمله مزيّف وفاشل. جمال إبداعاتك يا الياس أنّك تحولت بألحانك وقصائدك من اللحم والدم إلى وجه من نور وأضحى جسدك قيثارة للعزف الجميل، عزف ربّك عليه ألحان السماء فتساقطت عليك وحملتنا إلى السفر معك نحو اللامدى نحو الحبّ والسلام والرضى.
 
في حلساتنا الحلوة والغنية، قلت لك كم أحب تلك الأغاني لفيروز ووديع التي لحنتها. أحسّ مع حنّا السكران وهو جدّك أنني أسير في أزقّة قريتي أفتّش عن طفولتي بين أشخاص غدت صورهم على الحيطان، وهم مدى لحنين كبير، فأجبتني أنا حين ألحن أعيش النصّ واللحن معًا. 
رافقتنا يا الياس في الفرح والحزن، كنت تسكب الفرح في النكات والخبريات، ورحت تطحن الأيام بطاحونة العمر وتقودنا إلى القناطر لنذوق الحبّ، وتسلبنا من عفن التاريخ إلى ذهبه في بهاء التألّق وترفعنا على أجنحة ألحانك إلى مجد السماء في أدعية طيبة، وتحفزّنا على إدمان الجمال، وتجذّرنا بوطننا ليظلّ منطلقً لجهادنا. 
 
لم تنغلق يومًا في قوالب سياسيّة جامدة، ولم تحبذ ثقافة الحروف المغلقة المصاحبة لصراع الأديان. غير مرّة أعلنت للناس الموسيقى لا مذهب ولا طائفة لها. الموسيقى عندك هي الإنسان والوطن، بل هي الإنسانية بالتماعها وفي كلّ مشاعرها. كنت تلتقطها في ألحانك وتجعلها قرينة الذات، فتجعلنا نحزن في مطارح الغياب والحنين ونفرح في تجليات الفرح ونبقى في الوطن ضمن الرسالة الإلهية التي أعطيناها من فوق وندافه عنه دفاعًا مستميتًا، ونشعر بالحب حين يستبدّ العشق بنا ويحتدم. أزعم يا الياس بأنّك نحتّ وطنًا لنفسك ولكل من ذاق موسيقاك وتآلف مع قصائدك، وكنا في كلّ ذلك دامجًا ما الأصالة والحداثة في لحظات اعتبر الدمج مروقًا، ولعلّك في المضمون الموسيقي بدوت مع شقيقيك الأول في ترسيخ الدمج لوجستيًّا، ومن ثمّ فعّلت حوار الحضارات بعمق كبير في استدخال الغرب بالشرق والعكس أيضًا، وكما نجحت نجاحًا باهرًا في الألحان الشرقيّة نجحت بدورك في الألحان الغربية ونلت الجوائز الكبرى، واحتسبت موسيقارًا عالميًّا تتوسّط الكبار.
 
"لقد انطلقت من تراب الوطن لتبني وطنًا خالدًا" كما قال فخامة الرئيس العماد ميشال عون، وطنك يا الياس سيبقى فيما دويلات السياسيين ستزول. وطنك وطننا، وأنا أعلم معاناتك في أزمنة التفلّت العميم، لقد أظهرت لي جرحًا شخصيًّا كبيرًا وخطيرًا حين قلت لي في جلسة خاصّة هل يعقل أنني غير قادر على الانتاج والإبداع فيما المتطفّلون باتوا متسلطون على عرش الفن وينفثون الفساد؟ فساد الفن يا جورج من فساد السياسة، والإدارة السياسيّة أدمنت على التلاشي والتفلّت ولم تعمد على ترسيخ إدارة فنيّة تبقي الزمن الجميل قيد التداول في إنتاجات جديدة مبدعة. فتعمد إلى غربلة الأسماء الفنية فتميز بين القمح والزؤان، نحن نحتاج لهذا التمييز.
 
متى يا الياس تعود الأزمنة الجميلة؟ هل يعزينا المولى بوديع صافي آخر وفيروز وصباح وملحم و.. و..؟ هل يعزينا بعودة الشعر الجميل إلى حلّته السليمة، فلا نقبل على عصر يموت كل شيء جميل في حياتنا؟ لقد اتفقنا غير مرّة على افتقار جيل اولادنا إلى جمال حولوه إلى بشاعة، هل سيتذكّر ابني فادي موسيقاك أو يعود إلى ما كنّا نستحبّه من أعماق قلوبنا، إنه وجع وطنيّ وكونيّ في آن.
 
فيما أنت تعود لترقد في تراب أنطلياس سنضمّك إلى قلوبنا وجهًا ضاحكًا وباسمًا، وسنرفعك في طبي الدعاء إلى وجه ربّك وقد استنزلته بالجمال الموسيقيّ في تاريخنا، وجعلتنا نفهم بأن فعل التجسّد دائم وغير مقتصر على الزمن، فالموسيقى رحم لانبثاث الألوهة في أزمتنا، ونحن نحسّها في الحبّ، في الحريّة في الحقّ في الفقر، في الغنى، نحسّها منسكبة في الوجوه، في الابتسامة، في لغة الدموع. الألوهة، أي الوهة المسيح موجودة في ثنايا إنسانيتنا، فالله غير المنعطف وغير العاطف، لا يعنيني بشيء، الله المتواجد بمسيحه في التاريخ والمديد في جمالياتنا هو من يعنيني ويرفعني إلى ملكوته.
 
سلام عليك يا صديقي في رحلتك المعطرة بشذي موسيقي ملائكيّ. إذهب واعلّ، وحيث ستكون سيكون الله بك رئيفًا وسيسمعك بدوره ألحانًا وكلمات أزليّة لن تدركها ترابيتنا إلاّ إذا انفجرت بالضياء الذي فيه.
 
ألا كان الله معك، وستبقة معنا في ما تركت وزرعت، هذا وجهك هذا أنت، في موسقى البقاءء وموسيقى السفر. 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top