من أسبوع الميلاد الى أسبوع نهاية السنة 2020 ورأس السنة 2021 يتمدد الجمود السياسي الداخلي مطلقا الإشارة الأشد سلبية حيال مصير لبنان المحكوم بواقع سلطوي وسياسي داخلي واقليمي يجعله اقرب الى رهينة تنازع البقاء. انتفت منذ أيام أي حركة سياسية داخلية، وباتت ازمة تأليف الحكومة تنذر بصراع سياسي مفتوح لا تقف حدوده عند المعالم المعروفة للخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري حول التشكيلة التي قدمها الحريري، بل ان ما يتسرب في الأيام الأخيرة عن خلفيات فشل المحاولة الأخيرة ينذر فعلا بمرحلة فراغ حكومي طويلة لن تكون حكومة تصريف الاعمال قادرة ابدا على إيفاء متطلباتها الكارثية.
واذا كانت معظم المؤشرات والمواقف والتسريبات التي واكبت انفجار الخلاف بين قصر بعبدا وبيت الوسط حول مشروع التشكيلة الحكومية الكاملة ذهبت في اتجاه واحد تقريبا هو وجود خلفيات لتأخير الولادة الحكومية الى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سلطاته في العشرين من كانون الثاني المقبل، فان هذا البعد على واقعيته يمثل وجها واحدا من دوافع الازمة. وتكشف مصادر سياسية بارزة ومعنية بمأزق الاستحقاق الحكومي لـ”النهار” ان معظم البعثات الديبلوماسية في بيروت باتت من خلال متابعتها الدقيقة الدؤوبة للازمة الحكومية على ادراك ويقين ان ثمة معركة سياسية حادة يخوضها فريق العهد مدعوما بحليفه “حزب الله ” لتشكيل الحكومة التي تلائم أهدافهما الطويلة المدى للسنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس عون، وتاليا فان معركة اسقاط تشكيلة الحريري التي قدمها الى عون في اللقاء الثالث عشر بينهما لم ولن تتوقف اذا استمر الحريري متمسكا بها او بالمعايير التي اتبعها في وضع هذه التشكيلة.
وتضيف المصادر نفسها ان الأيام التي فصلت بين انفجار الخلاف على التشكيلة بين الرئيسين عون والحريري ومغادرة الحريري البلاد لتمضية عطلة رأس السنة في الخارج، شهدت الكثير من الاتصالات وراء الكواليس وتبلغت عبرها مراجع سياسية ودينية واوساط ديبلوماسية ان الصراع تجاوز البعد الحصري لتأليف الحكومة وان العهد لن يقبل اطلاقا بتشكيلة يعتبرها صنيعة قرار احادي للحريري بالتنسيق مع الفرنسيين من دون المشاركة الفعالة بكل تفصيل فيها للعهد. ولكن الامر لا يقف هنا بل ان العهد لم يعد يقبل ابدا بمعيار تأليف الحكومة كما وضع الحريري تشكيلته أي بمبدأ التسمية من دون مشاورة القوى السياسية كافة والحصول على توافقات واسعة وغطاء سياسي واسع للحكومة بما يعني تاليا نسف كل أسس التشكيلة الحريرية ومن خلالها المبادئ الجوهرية للمبادرة الفرنسية.
وفي سياق مماثل أفادت بعض التقارير نقلا عن أوساط معارضة بوجود محاولات حثيثة ومستمرة لدى قسم من السلطة الحاكمة لعرقلة تأليف الحكومة وان آخر ما قام به هذا الفريق هو اقتراح توسيع التشكيلة الحكومية من 18 وزيرا كما وضعها الحريري الى 30 وزيرا بحجة توسيع التمثيل ولكي يكون لكل حقيبة وزارية وزير مع انشاء وزارات لمكافحة الفساد والإصلاح والتصميم. وأشارت هذه التقارير الى انه يجري حض بعض الأقليات الطائفية على المطالبة بحكومة ثلاثينية بداعي تأمين مشاركة أوسع.
كوبيش:هذا لبنان !
في أي حال، لم يكن الموقف الذي عبر عنه الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش امس عاكسا صورة كارثية عن الواقع اللبناني بعيدا عن هذه الخلفيات والمعطيات اذ غرد كاتبا على صفحته عبر “تويتر”: الوضعان الاقتصادي والمالي بالإضافة الى النظام المصرفي حال من الفوضى، السلم الاجتماعي بدأ بالانهيار، الاحداث الأمنية باشرت الارتفاع، الهيكل اللبناني يهتز، اما القادة اللبنانيون فينتظرون بايدن! لكن هذا لبنان وليس الولايات المتحدة الأميركية”.
ومع غياب كل التحركات وخمود المحركات السياسية في كل الاتجاهات بدا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كأنه لا يزال يعول على المبادرة الفرنسية لفتح باب المخارج. وقال “عمليا لا زلنا حتى اللحظة في الأفق المسدود لسبب بسيط من قوى سياسية ونحن من القوى السياسية لكن كم نملك من التأثير على التيار الوطني الحر او حزب الله او سعد الحريري وتيار المستقبل؟ لا شيء. حوصرنا في الدائرة المذهبية الصغيرة وقالوا لنا تفضلوا بيطلعلكن وزارتي الخارجية والزراعة”. وحمل جنبلاط المسؤولية محليا في عدم تشكيل الحكومة “لهذه القوى ، عون والحريري وحزب الله “ ولكنه لفت أيضا الى ان القوة المركزية في لبنان يعني ايران متمثلة بحزب الله تنتظر استلام الرئيس المنتخب جو بايدن لتتفاوض معه. هم مرتاحون في وقتهم وفي الأثناء نرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان”.
كورونا: التخبط
وسط هذه المناخات السياسية القاتمة لم يكن غريبا ان تتفاقم الى حدود واسعة حال التخبط التي تطبع الإدارة الحكومية والرسمية للانتشار الوبائي لفيروس كورونا الآخذ في الاتساع على نحو بالغ الخطورة خصوصا مع مواسم الأعياد والتفلت الهائل الذي يطبع سلوكيات المواطنين حيال إجراءات الحماية المفروضة. واذا كان موضوع اللقاحات طغى امس على الواجهة الإعلامية فان ذلك لا يعني ان توقيع العقد بين وزارة الصحة اللبنانية وشركة “فايزر” الأميركية سينجو بدوره من التعقيدات الإدارية والمالية اللبنانية،
ولا يضمن كذلك ان ينضم لبنان الى نادي الدول التي ستصل اليها اللقاحات بالسرعة المرجوة على رغم الجهود المشهودة لوزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حسن حمد في هذا المجال. وقد اعلن امس الوزير حمد عقب اجتماعه مع الرئيس عون في قصر بعبدا انطلاق الإجراءات المتعلقة بتوقيع اتفاق مع شركة “فايزر” للحصول على اللقاح ضد كورونا مؤكدا ان السلطة الصحية اتخذت القرار المناسب بتغطية المجتمع اللبناني بلقاح فايزر وأخذنا الاذن بالتفاوض لإمكان ادخال بعض التعديلات على العقد. وأوضح “اننا حجزنا ما يقارب مليوني جرعة لقاح تكفي لـ20 في المئة من اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية “. وأوضح مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ان الرئيس عون سوف يتلقى اللقاح ضد كورونا خلافا لما نشر امس في وسائل اعلام ووسائل تواصل اجتماعي. وفي المقابل انتقد رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي عدم توقيف الرحلات الجوية بين لبنان وبريطانيا وشدد على وجوب توقفها لخمسة او سبعة أيام ولفت الى ان هناك فوضى في ضبط الإجراءات الخاصة بكورونا من جانب وزارتي الصحة والداخلية.