دخل البابا فرنسيس، في رسالته التي خص بها اللبنانيين وتلاها بالنيابة عنه البطريرك الماروني بشارة الراعي،
على خط اإلتصالات لأخراج لبنان من التأزم الذي لا يزال يؤخر تشكيل الحكومة الجديدة، وتلاقى في مضامين رسالته مع
بكركي في مطالبته المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوترات الإقليمية.
ويُفترض أن يبادر البابا فرنسيس إلى التواصل مع الأطراف الدولية المعنية بمساعدة لبنان إنسجاما مع ما ورد في
رسالته للبنانيين، خصوصا أنها غير مسبوقة، ولم يسجل له في رسائله إلى شعوب العالم أن توجه إليهم برسائل سياسية
بامتياز تجاوزت دعواته للإلتفات إلى الشعوب الفقيرة التي تعاني من الجوع، وتطالب بحقوقها المدنية، إلى إطلاق صرخة
مدوية داعيا فيها إلى تضافر الجهود لمساعدة لبنان الستعادة عافيته السياسية والإقتصادية. و علم أن ما حملته رسالة البابا
فرنسيس من أبعاد سياسية واجتماعية جاءت ترجمة لمداولاته مع الراعي، في زيارته األخيرة للفاتيكان في نهاية تشرين
الثاني الماضي. ويضع الفاتيكان بعض الأطراف أمام مسؤولياتها في الحفاظ على الكيان اللبناني، وعدم تعريضه إلى
مشاريع من شأنها أن تهدد الوجود المسيحي بالدرجة الأولى.
وتلفت إلى أن الفاتيكان كان ولا يزال يحث القوى السيادية
والإستقلالية في الشارع المسيحي على الإنتفاضة وعدم التسليم بمشاريع الأمر الواقع والإنفتاح على المسلمين الذين
يؤمنون بالتوجه ذاته، لأنه من دون التلاقي بين جميع هؤلاء لا يمكن الإنخراط في إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
وفي رأي مصدر سياسي أنه ليس تفصيلاً أن يرسل رأس الكنيسة الكاثوليكية رسالة الى اللبنانيين في عيد الميلاد.
هي سابقة تعكس حجم القلق الذي ينتاب الفاتيكان حيال المستقبل القاتم للبنانيين. وعدا الخطوة بحد ذاتها، فإن الكرسي الرسولي وجه رسالتين نافرتين:
الأولى بأنه و جه الرسالة الى رئيس الكنيسة المارونية وليس الى رئيس الدولة الماروني، وهو بذلك اراد الإيحاء بأن المواقف الإنتقادية المتتالية للبطريرك الراعي تحظى بدعم الفاتيكان. وقد تكون أيضا نابعة من روحية اللقاء الذي حصل في روما بين البابا والبطريرك.
والثانية، هي مضمون الرسالة وأهم ما جاء فيها إنتقاد،
وربما أكثر من إنتقاد، السعي لأعطاء الأولوية للمصالح الخاصة، وهو عاد وكرر كلامه هذا في عظته الرسمية في القداس
الأحتفالي لعيد الميلاد وكان واضحا ماذا يقصد.
في الواقع، فإن في رسالة قداسة البابا ما يشبه فقدان الأمل، والإستياء من البحث عن مكاسب خاصة وسط مخاطر
وجودية تتهدد آخر مواقع المسيحيين في الشرق األوسط.
وتكشف مصادر مطلعة، أن الكرسي الرسولي لم يكتف برسالة
التحذير القوية التي أرسلها، بل طلب من الجسم الدبلوماسي الفاتيكاني البدء بحملة إتصالات لمعالجة المخاطر الوجودية
التي تلوح في لبنان. وقد طالت هذه الإتصالات إيران نفسها، إضافة الى عواصم كبرى ومنها مع الرئيس المنتخب جو
بايدن، وهو الذي ينتمي الى الطائفة الكاثوليكية. لكن الإدارة الأميركية المقبلة، والتي تتحضر لاستلام مهامها في العشرين
من الشهر المقبل، لا تملك حتى الآن أي تصور واضح لكيفية التعامل مع الملف اللبناني، لا بل وحتى الملف السوري. ذلك
أن التحديات تحاصر هذه الإدارة، بدءا من التحديات الداخلية والإنقسامات الحادة، والتي بلغت مستوى جديدا لم تلأفه الحياة
السياسية األميركية، وصولاً الى تحديات السياسة الخارجية والرهانات المطروحة.
لبنان على موعد مع زيارة البابا فرنسيس المرتقبة والذي أعلن عنها بذاته، معللاً ذلك بسبب خطورة الوضع في لبنان وداعيا المجتمع الدولي إلى العمل من أجل إنقاذ الوضع. وتضع الكنيسة الزيارة المرتقبة في إطار تجديد قداسة البابا وقوفه إلى جانب الشعب اللبناني وعدم ترك لبنان ينهار ويسقط، خصوصا أنه يشكل آخر نقطة جغرافية يعيش فيها المسيحيون في الشرق بحرية وكرامة. وما سرع في زيارة البابا، التي سترتدي طابعا شعبيا وليس رسميا، هو إنتفاضة الشعب اللبناني في 17 تشرين من العام الماضي من ثم حصول الإنهيار المالي والإقتصادي والذي تلاه إنفجار مرفأ بيروت المدمر والذي دمر أجزاء من العاصمة بيروت، والأهم من هذا كله إستمرار المنظومة الحاكمة بالقضاء على أساسات الدولة وإذلال الشعب وعدم تلبية مطالبه الإنسانية المحقة.