سيناريوهات عدة يتداولها المتابعون للأوضاع المزرية التي وصل إليها لبنان، ولما يمكن ان تنتهي إليه الأمور في هذه الدولة الصغيرة من شرق المتوسط، على وقع أن كل مجموعة طائفية أو مذهبية تحاول أن تبني شكلاً مما يُسمى “تكوين سياسي” تعتقد أنه سيحميها من غدرات الزمن، ومخططات الدول العظمى التي تبني استراتيجياتها بشكل مطلق على ما يخدم مصالحها وديمومتها، وفي آخر سُلَّم اهتماماتها هذا الشعب أو تلك الدويلة!
فهل أدرك اللبنانيون بمختلف طوائفهم ومذاهبهم الحال التي قد يستقرون عليها في حال إنهار هذا الكيان المترسخ جذوراً في التاريخ والذي عَمِل الاجداد والآباء على حفظه حتى جاءت أجيالنا لتبدده؟
المسيحيون ولاسيما الموارنة منهم الذين ساهموا في وضع اللُبنات الأولى لإستقلال الوطن إعتقدوا أنهم بالإتكال على “حنان” دولة كانت متوغلة في الإستعمار، من منطلق أن المذهب الكاثوليكي يجمعهما، وان تلك “الأم الحنون” ستبذل الغالي والنفيس من أجل صون الكيان إلى أبد الدهور! فوجئوا أنها بعد أقل من عقدين من الزمن، وبعد أن تراجع حماسها لذاك المذهب إثر إنخراطها في مدنية الدولة واشتراكيتها، أنها قد أدارت الظهر لذاك الكيان الذي رسمت خرائطه. كما سهت عن غرقه في مواجهة كيان طارئ على حدوده الجنوبية، على قاعدة أن مصالحها الدولية تتطلب منها ذلك. فيما اطلق هؤلاء المسيحيون في أكثر من مفصل وطني دعوات الى الفدرالية أو الكونفيدرالية أو ما يوازي ذلك، من دون أن يحسبوا جيداً المخاطر التي تقف وراء تطبيقها!
أما المناطق اللبنانية التي جرى ضمها إلى جبل لبنان لإعلان “دولة لبنان الكبير” في العام 1920 لم تهضم تلك الفكرة التي هبطت عليهم ببارشوت المنتدب الفرنسي، ولذلك ظل أبناؤها من المذهب السني في الطائفة الإسلامية والذين يشكلون النسبة الأكبر من قاطنيها، يعلنون لبضعة عقود رفض الفكرة والإنجذاب نحو هذه الدولة العربية أو تلك باعتبارهم امتداداً لها. ولكن الظروف الصعبة التي مرّت على الوطن أثبتت لهم عدم جدوى تلك المطالبات لأنهم لمسوا حسياً كم أن انتماءهم لوطنهم سيوفر عليهم الكثير الكثير من التعقيدات، بعدما صدمتهم تلك الآمال التي ظهرت وكأنها جوفاء!
من جانب المذهب الشيعي في الطائفة الإسلامية يأخذ عليه منتقدوه أنه إستطاب بعض الهواء الإقليمي علّه يحقق هذا التفسير الديني أو ذاك، ويستعيد ما لحقه من حرمان. لكّن عقلاءه باتوا على قناعة أن لبنان المتعدد الثقافات والطوائف والمذاهب لا يستطيع أي فريق أن يؤدلجه وفق مفهومه!
يقول أحد وزراء خارجية اللوكسمبورغ جاك بوس: “إن مشكلات الدول الصغيرة مع جيرانها، مثل لبنان واللوكسمبورغ هو إضطرار هذه الدول الى تأكيد هويتها باستمرار، والدفاع عن مصالحها، في ظل وجود جيران لديهم آراء مختلفة”!
وعليه يبدو واضحاً أن العقّال من كل الطوائف والمذاهب على قناعة راسخة انه لا بديل عن هذا الوطن المتنوع دينياً وثقافياً بالرغم من كل السموم التي يحاول هذا الخارج القريب أو ذاك البعيد بثها عند أية ثغرة. وبات معظمهم على قناعة بأن الخروج من المأزق لا يكون باستدراج التدخل الاجنبي تحت عناوين ومبررات مختلفة، بل برفع راية هذا الوطن الفذ وعلى كلمة سواء لا تُشكّل إحراجاً لأحد.. والاّ فلنشارك جميعاً في وداع هذه التركيبة التي قد نعض أصابعنا عليها، لأن ما سيليها سيكون أسوأ بكثير!.