مع ان طابعه وهدفه محصور باستكمال حشد الدعم والمساعدات الإنسانية للبنانيين في زمن المحن والأزمات الخانقة التي تطبق عليهم، لن يكون انعقاد “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني ” مجردا من الأهداف السياسية الأساسية التي تطبع المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارتيه السابقتين للبنان في آب وأيلول واللتين يرجح ان تكون ثالثتهما في الأسبوع الأخير من كانون الأول الحالي. ذلك انه بات معلوما ان المؤتمر الدولي الثاني الذي ينعقد بعد ظهر اليوم بتقنية الفيديو ويرأسه الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وان كان محور مناقشاته سيتمثل في تقويم نتائج المؤتمر الدولي الأول الذي نظمته فرنسا غداة انفجار مرفأ بيروت، ووفر للبنان تدفقا في المساعدات الإنسانية المتنوعة، وتاليا المضي في حشد مزيد من هذه المساعدات، فان ظروف انعقاده ستظللها الأوضاع المعقدة في لبنان في ظل العجز المتمادي عن تأليف حكومة جديدة لا يزال المجتمع الدولي ينتظر ولادتها لانطلاق مسار الإنقاذ المرتكز الى الإصلاحات الجوهرية والأساسية. ولذا لم يكن غريبا في ضوء تنامي الخيبة الفرنسية خصوصا، والدولية عموما، من التركيبة الحاكمة والطبقة السياسية في لبنان، ان تبدي أوساط معنية بالتحضيرات لهذا المؤتمر تخوفها من انعكاس هذه الخيبة حتى على حجم الاستجابة الدولية للدعم الإنساني للشعب اللبناني على رغم ان عنوان المؤتمر وحده يفصح عن سقوط اخر معالم الثقة الدولية بالوسط الرسمي والسياسي اللبناني اذ ستتقرر المساعدات وسيجري تنظيمها على أساس الدعم المباشر للشعب اللبناني وليس للدولة اللبنانية. وتشير هذه الأوساط الى ان الفرنسيين والأمم المتحدة بذلوا جهودا اكبر من المرة السابقة لتأمين التزامات الدول والمنظمات الدولية الـ35 المشاركة في المؤتمر والدفع نحو زيادة المساهمات في مختلف القطاعات والمجالات الملحة كالصحة والاستشفاء وفق الأولويات العاجلة التي وضعها الطرفان المنظمان للمؤتمر. ولن تغيب الازمة السياسية التي تعصف بلبنان عن آفاق المؤتمر ولا عن نقاشاته خصوصا ان الجانب الفرنسي، كما تضيف الأوساط نفسها، يقدم عبر إصراره على عقد المؤتمر ولو بطابعه الإنساني الدليل الحاسم على عدم تراجعه عن مبادرته السياسية الإصلاحية التي شكلت أرضية أساسية وحيدة لتوافق لبناني عريض، كان يفترض ان تترجمه ولادة حكومة الرئيس سعد الحريري ولكنها تأخرت للاعتبارات الداخلية المعروفة. وسيكون تبعا لذلك للمؤتمرين إشارة سياسة قوية في الحض على وضع حد للتأخير في تشكيل الحكومة بما يعكس نفاد صبر المجتمع الدولي من مماحكات ومناورات الافرقاء السياسيين ولا سيما في ظل التمادي في طرح الشروط المعقدة لعملية تشكيل الحكومة. ومعلوم ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيشارك في المؤتمر الذي يشارك فيه مبدئيا نحو 35 رئيسا ورئيس حكومة الى منظمات دولية وسيلقي عون كلمة في المؤتمر قالت بعبدا ان رئيس الجمهورية سيتناول فيها الأوضاع الاقتصادية الراهنة والصعوبات التي تواجه اللبنانيين في هذه المرحلة.
ومساء امس اصدر قصر الاليزيه بيانا عن المؤتمر جاء فيه “سيترأس رئيس الجمهورية السيد ايمانويل ماكرون مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش مؤتمرا بالفيديو دعما للشعب اللبناني يوم الأربعاء 2 كانون الأول الساعة السادسة والنصف مساء. سيشارك في هذا المؤتمر عبر الفيديو رؤساء دول ومنظمات دولية وجهات مانحة متعددة الأطراف ومنظمات غير حكومية وممثلون عن المجتمع المدني اللبناني. بعد ما يقرب من أربعة اشهر من الانفجار في مرفأ بيروت، يهدف مؤتمر الفيديو هذا الى حصر المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي وطرق توزيعها منذ مؤتمر 9 آب لتقييم الاحتياجات الجديدة والعمل على تلبيتها في سياق الازمة في لبنان”.
البنك الدولي
ولكن اذا كان “المكتوب يقرأ من عنوانه” في معاينة نظرة الدول والمنظمات المالية الدولية الى الانهيارات اللبنانية، فان التقرير الأخير الذي صدر امس عن البنك الدولي حول لبنان، بدا ناطقا بذاته حيال المستويات المثيرة للقلق التصاعدي في أحوال لبنان واللبنانيين. علما ان الكثير من هذه الوقائع الدراماتيكية يتمثل اليوم في المؤتمر الدولي اقله لجهة التحفيز على مد اللبنانيين بمزيد من الدعم الإنساني العاجل ذات الطبيعة الملحة. ذلك ان البنك الدولي رسم صورة شديدة القتامة للواقع اللبناني بعد سنة على ازمته المالية، وأشار الى ان لبنان يعاني من ركود شاق وطويل كما يعاني من استنزاف خطير للموارد بما في ذلك رأس المال البشري حيث باتت هجرة العقول تمثل خيارا يائسا على نحو متزايد. وتوقع البنك الدولي في تقريره تراجع النمو في شكل حاد عام 2020 كما توقع استمرار معدلات الفقر في التفاقم لتغطي اكثر من نصف السكان.
التدقيق والاحتياطي والدعم
ولكن المشهد الداخلي امس بدا متجها الى مزيد من التآكل في ظل الانتظار العقيم لحلحلة التعقيدات التي تعطل مسار تأليف الحكومة، فيما يحاول العهد ومعه بعض حكومة تصريف الاعمال، ملء الشغور الحكومي الفعال بعناوين فضفاضة من مثل التدقيق الجنائي الذي أخفقت السلطة التنفيذية في تنفيذه، وها هي تعود الان الى الضرب على وتره من دون أي ضمانات جديدة لانجاح التجربة. وفيما لم تسجل أي حركة او خطوة على المسار المعلق والجامد لتأليف الحكومة، تواصلت التكهنات حيال امكان ان يزور الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم قصر بعبدا وعرض تشكيلة كاملة لتركيبة حكومية. وستشهد البلاد من اليوم مهرجانات سياسية ونيابية ومالية صاخبة حيال مسالة الدعم للمواد الأساسية في ظل بلوغ الاحتياط النقدي الأجنبي في مصرف لبنان الخطوط الحمراء وذلك مع انعقاد جلسة اليوم للجان النيابية المشتركة المعنية لدرس ملفي الدعم والاحتياط لدى مصرف لبنان الذي ينعقد غدا الخميس مجلسه المركزي لاتخاذ القرارات اللازمة في شأن الملفين. وواكبت الاستعدادات لهذين الاجتماعين حملة متجددة للدفع نحو تنفيذ قرار التدقيق الجنائي في مصرف لبنان سواء من خلال إعادة التفاوض مع شركة “الفاريز اند مارسال” مع ضمان تقديم كل المستندات المطلوبة من مصرف لبنان في ظل القرار – التوصية لمجلس النواب في هذا الخصوص او من خلال التفاوض مع شركة جديدة للتدقيق المحاسبي الجنائي. وارسل وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني كتابا الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول موضوع اخضاع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي. وعلى الصعيد السياسي دعا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع حكومة تصريف الاعمال الى الطلب من وزير المال إعادة التواصل مع “الفاريز” او الاتفاق بسرعة مع شركة جديدة كما الطلب من حاكم مصرف لبنان تسليم كل المعطيات المطلوبة للتدقيق الى وزير المال . وحمل جعجع الأكثرية النيابية أي الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر مسؤولية ما يحصل ونفى بشدة ان يكون هناك أي تفاهم مع التيار او مع رئيس الجمهورية ووصف هذه الأكثرية بانها صماء بكماء مجددا الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة .
سلامة
وليل امس تحدث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر محطة “ الحدث” التلفزيونية فرد على متهميه بخدمة المنظومة السياسية الفاسدة قائلا انه قام بواجباته وعيب ان يتهم بذلك، واكد ان ودائع اللبنانيين موجودة لدى المصارف. وأشار الى ان هناك سحبا لنحو 600 مليون دولار شهريا لحاجات اللبنانيين وامل ان يعود الانتظام المصرفي التدريجي مع بداية السنة المقبلة كما يريده اللبنانيون. ونفى سلامة ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن العقوبات المحتملة على مصرف لبنان لانه احترم التزام العقوبات والقوانين وهو على تنسيق دائم مع الخزينة الأميركية وقام بما يقتضي ليحترم العولمة المالية . كما اكد سلامة التزام التدقيق الجنائي وان المصرف المركزي سيقدم الحسابات الى الدولة التزاما برسالة وزارة المال.