حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، بينما بقيت الحكومة اللبنانية معلقة على جدار الانتظار، دون أن تنفع محاولات إنعاش المبادرة الفرنسية، بالتنفس الاصطناعي، المتمثل ببعض المرونة، حيال ناظر العملية الحكومية المرتبط بعوامل خارجية.
في هذا الوقت الأطراف السياسية، اللاعبة على الحلبة اللبنانية، تتبادل الأدوار «الدونكشوتية»، فريق يبالغ في الإصرار على «التدقيق الجنائي» بمسببات انهيار مالية الدولة، وآخر يعتصم بالصمت، آملا أن يسمع صراخ الآخر أولا، وثالث قتل «التحقيق الجنائي» ثم مشى بجنازته، بل وراح يلطم وينتحب على «شهيد» الفساد المظلوم، وفي النهاية التقى الجميع في قاعة تقبل التعازي ويا دار ما دخلك شر. رئيس الجمهورية ميشال عون، تفرد بالابتعاد عن هذه الجوقة، ليتوجه برسالة إلى مجلس النواب هي الثانية في عهده، مؤكدا الرغبة في إجراء التحقيق الجنائي، واللهم اشهد اني بلغت. وفي رسالته شدد عون على أنه «يجب التعاون مع السلطة الإجرائية لتمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات «مصرف لبنان»، والتدقيق ينسحب إلى سائر مرافق الدولة العامة تحقيقا للإصلاح المنشود وبرامج المساعدات التي يحتاجها لبنان راهنا».
وتوجه عون للنواب بالقول: «التدقيق المحاسبي الجنائي ضروري كي لا يصبح لبنان في عداد الدول المارقة أو الفاشلة في نظر المجتمع الدولي، واستمرار التمنع عن تسليم المستندات إلى شركة التدقيق أدى إلى عدم تمكنها من المباشرة بمهمتها.. ثم أنهت العقد». واعتبر أن «ما حصل انتكاسة خطيرة لمنطق الدولة ومصالح الشعب اللبناني، والتدقيق المحاسبي الجنائي بات من مستلزمات تفاوض الدولة مع صندوق النقد الدولي، وفقدان الثقة بالدولة وسلطاتها ومؤسساتها لن يقتصر على الداخل بل يصبح لازمة لدى المجتمع الدولي».
وطالب عون مناقشة هذه الرسالة في مجلس النواب وفقا للأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار في شأنها، لافتا الى ضرورة التعاون مع السلطة الإجرائية «التي لا يحول تصريف الأعمال دون اتخاذها القرارات الملائمة عند الضرورة العاجلة».
من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة عامة الجمعة المقبل لمناقشة مضمون رسالة رئيس الجمهورية لاتخاذ الموقف أو الإجراء او القرار المناسب، كما قرر بري رفد المسرح بعقدة جديدة، لضمان استمرار مسلسل الانتظار، بدعوة اللجان النيابية الى اجتماع للبحث بقانون انتخابات جديد على أساس النسبية، ما ترتب عليه التمام الأحزاب والتيارات المسيحية، من «قوات» وتيار حر وكتائب التي اعتبرتا مثل هذه الدعوة في هذا الوقت المبكر على الانتخابات، نوعا من «الزكزكة» لدعاة التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان.
وقد لفت أمس، تقديم المملكة العربية السعودية رؤيتها للوضع في لبنان، حيث رأى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في رده على سؤال خلال مقابلة مع الصحافية الأميركية هادلي غامبل حول دعم المملكة للرئيس سعد الحريري في السابق، وهل تعتقدون أنه الرجل المناسب لإخراج لبنان من أزمته فقال: «الأمر لا يتعلق بفرد، بل الأهم أن يكون هناك تغيير حقيقي في كيفية عمل الجسم السياسي اللبناني».
وأضاف: «الآن لدينا حالة حيث ان نظام الحكم في لبنان يركز في شكل أساسي على تقديم الغطاء لحزب الله، وهو ما يقوض الدولة بالكامل، فالدولة تعج بالفساد وسوء الإدارة بفعل سيطرة حزب عليها، هو ميليشيا مسلحة تستطيع فرض إرادتها على أي حكومة، ومن هنا أعتقد أنه من دون إصلاحات هيكلية تعالج هذه المشكلة الأساسية، الأفراد ليسوا هم المسألة».
ورأى أن «أهم ما يمكن لبنان القيام به هو مساعدة نفسه»، مؤكدا «لبنان يستحق أن يكون من أكثر البلدان ازدهارا في المنطقة ولكنه يحتاج إلى حكم جيد». وانضم الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الى مطالبي القادة اللبنانيين بتسريع تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاستجابة لرغبات الشعب اللبناني. ولكن على من يقرأ غوتيريس مزامره؟ ولو أنصف الأمين العام للأمم المتحدة لتوجه إلى قيادات الدول، التي توجه إرادات القادة اللبنانيين التائهين في غابة لعبة الأمم القائمة على أرضهم.