2025- 01 - 13   |   بحث في الموقع  
logo رسالة من جعجع إلى حزب الله.. ماذا فيها؟ logo قريبًا من المطار.. كريدية يكشف عن خبر سار logo الرئيس عون يلتقي أبو الغيط و يتلقى اتصالاً من ميلوني logo منسقة الأمم المتحدة في لبنان: نأمل أن يساهم انتخاب عون بتسريع التعافي logo هكذا ستكون الحكومة الجديدة.. كم وزيراً سيكون فيها؟ logo استهداف دراجة في عيترون وتفجير منازل قي عيتا الشعب logo مقالع غير قانونية في زحلة logo سفيرة الاتحاد الأوروبي: نأمل في أن يتم تشكيل حكومة سريعا لإطلاق الإصلاحات
لقاء الشرفاء.. انقلاب على العقوبات وتكوين للبنان ومشرق جديدين مشرقين بالحقّ (بقلم جورج عبيد)
2020-11-13 22:28:15



كلمة سيّد المقاومة أمس أخذت لبنان إلى محطّة جديدة مشرقة بالأمل. كان وجهه ينضح بالحقّ المبين، ويطلّ على أقبية الخوف والشكوك، لينتشل القابعين في دياجيرها، والمرميين على أرضها والمتروكين في لياليها، الخائفين في أقبيتها ليخرجهم بقوّة المنطق إلى كلمة سواء اشتقنا للارتواء والارتشاف من ينابيعها العذبة.


ما هي المحطّة الجديدة المشرقة؟


من سمع الحديث المسهب المشبع بالوفاء والشرف بتعمّق بليغ، إستوقفه الحرص الشديد عند السيّد على ديمومة العلاقة المتينة الرابطة بين مسيحيّة غير متقوقعة ومنعزلة، ومشرقية بامتياز، وبين ما يمثّله حزبه من إسلام كليّ السماح جدير بالمحبّة والاحترام، يتجلّى من قرآن كريم متقبّل لكلّ تطوّر في الحياة. 


انطلق حرص سماحته من تكوين إلهيّ بالدرجة الأولى، غير متحجّر في قوالب جامدة، بل متحرّك في ثنائيّة يفترض أن تعرف نفسها بأنّه غير منفصلة عن روح الله المرفرف على المياه. والتوق في الحديث، أن لا تبقى الثنائيّة على وشاحها وماهيّتها بل أن تتطوّر ليتلاقى الجميع حول ابتكار معنى جديد لبلد تمزّق طوائفيًّا، وهو قادر أن يتوحّد في المطلق الإلهيّ، إذا فهمنا انفسنا بأننا أديان من إله واحد رحمن رحيم، آب ضابط الكلّ، غير متمنزّق بصراعات يحاولون إدخال المشرق بأتونها في سبيل منافع وسخة ومصالح نتنة. فالله إن تمزّق انفجر بدمائنا السكيبة، وتمزّقه في التاريخ يؤدّي إلى موته ومتى مات مات العالم.


استجمع سيّد المقاومة هذا المعطى العميق والغزير بفيضه الروحيّ ومداده الفكريّ، ليستنزله في التجليات السياسيّة المطلّ بها، على الرغم من النكبات المعيشة في لبنان وسوريا والعراق بفعل النكبات المهيمنة على هذا المثلّث بالذات، وقد بلغت ذروتها بالتطبيع الخليجيّ-الإسرائيليّ، ولسماحته موقف عقيديّ صارم، كما للمسيحيّة المشرقيّة موقفها الصارم المنصوص والمسجّل بأقلام آبائها ونخبها الفكرية، وبفعل إنزال العقوبات على من سجّل نصرًا على قوى ابتدعتها أميركا والخليج وتركيا وإسرائيل في سوريا، وعلى إسرائيل مباشرة في جنوب لبنان، وعلى من هو متحالف مع المقاومة وشريك معها في النصر منذ سنة 2006 إلى الآن مع احتسابنا للحرب على سوريا.


في الأساس ظهر التيار الوطنيّ الحرّ مع قائده العظيم ورئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والوزير السابق ورئيسه الحاليّ جبران باسيل مطلّين على قراءة المستقبلات واستشرافها. فخلعا عن الموارنة بخاصّة والمسيحيين بعامّة في لبنان صفة الانعزال المطلق والمطبق، ورفضا حصر تواصل المسيحيّة اللبنانيّة مع الغرب من دون التأكيد على أنّها جزء من الشرق، وأنها بعقيدتها وطقوسها ووجودها مشرقيّة بالشكل والمضمون. فجاء التيار مع مؤسّسه ورئيسه ليؤكّد بأنّه    وجه المسيحيّة المشرقيّة والمجسّد لموجوديتها في أدبياته وسياقاته الواضحة.


هذا التحوّل الجذريّ والمبدئيّ في السلوكيات أثار حفيظة أميركا والغرب بشراسة. لم يطق الأميركيون ولا الغرب ذلك التحوّل نحو الاستكانة في الهوية الأصلية بدلاً من المبيت في الخطيئة الأصليّة. على سبيل المثال لا الحصر كانت فرنسا ترى ذاتها راعية للموارنة في لبنان، وفي مرحلة ما بعد الطائف رعت المسلمين السنّة بفعل "وحدة الحال" بين جاك شيراك ورفيق الحريري، ووضع الموارنة على قارعة الطريق. وأميركا بدورها استهلكت المسيحيين في مراحل دقيقة من تاريخ لبنان المعاصر ليس محبة بهم بل كمتراس لها، إلى أن انكشفت على حقيقتها لحظة جاء السفير دين براون إلى لبنان وزار المغفور له الرئيس سليمان فرنجية رحمه الله بغية إقناعه بالهجرة مبديًا استعداده لتسهيلها حتى طرده خارجًا. وكن الرئيس غرنجية من المدافعين الشرسين عن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وبدلاً من أن يبادلوه بالمحبة بادلوه بأن استهلكوا لبنان ساحة للتمرّد على الشرعيّة.


في الحرب اللبنانية لم يكن المسيحيون حاسمين هويتهم، بل تغلغلوا في الصراع عليها حتى غدت قاتلة بحسب قول أمين معلوف. لن نغوص في تاريخ هذا التغلغل وأحدث المزيد من التبدّل، وقد كان لمجموعة التبدّلات أثر في تقرير الجغرافيا المسيحية، إستتباعًا للحروب المتنقلة التي جعلت بيروت تنقسم إلى حيين بحسب توصيف الإعلام الغربيّ، حيّ مسيحيّ وحيّ إسلاميّ ضمن مفهوم الغيتو. استطاب الأميركيون تعميم تلك المألفة بتشجيع إسرائيل في أدبياتهم السياسيّة والإعلامية لاعتقاد راسخ لم ينتبه إليه كثيرون بأنّ الانغلاق ضمن الغيتو وبمفاهيم منحصرة ومنعزلة، تسهّل الهجرة المسيحيّة والانسلاخ عن الوطن، والآلية الأساسيّة للتسهيل الارتكاز على الفدرالية، وهي مشروع خنق واختناق لهم، وكل اختناق يؤول إمّا إلى انفجار أو إلى ارتحال، وهذا عينًا ما شجّع الأميركيون عليه ولا يزالون. مقالات سجعان قزّي وتصاريح فارس سعيد وحراك روجيه ديب المتجدّد غير بعيدة عن هذا النفس. ولهذا ترى فارس سعيد يمعن بانتقاد العلاقة بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله.


قبل الغوص في أهميّة العلاقة ومعانيها، لا بدّ من الإشارة بأن زيارة العماد ميشال عون إلى سوريا والتي بإمكانها أن تتكرّر في الرئاسة وقبل نهاية العهد، كسرت مبدأ الانعزال والتقوقع، وأعادت الاعتبار إلى الحقيقة الجذوريّة للمسيحيّة والمسيحيين على السواء ومنها موارنة أنطاكية وسائر المشرق. وفهم هذا الرجل العظيم أي العماد عون، بأن السياق المشرقيّ لا يمكن ترجمته في لبنان والمشرق إلاّ بورقة فريدة من نوعها واستشرافية واستشراقية بحجمها تصاغ بدورها لتكون الوعاء الصلب لتمتين الفلسفة الميثاقيّة بل الخيار الميثاقيّ القائم على التلاقي بين المسيحيّة ذات الجذور المشرقيّة والإسلام الصحيح بتجلياته القرآنية.أهميّة الورقة والعلاقة هنا أنّها حرّرت العلاقة المسيحيّة-الإسلاميّة من القوالب الطائفيّة الكلاسيكيّة وجذبتها إلى الروحيّة الدينية الحركيّة بالصيغة التي رآها الكبيران المطران جورج خضر والإمام موسى الصدر للبنان مع بعض المفاهيم الجديدة، وكان ينقصها وجود شخصيات من أمثال المغفور لهما صبحي الصالح ويواكيم مبارك. 


لم يرق هذا الاتفاق لكثيرين في الداخل. وآن الوقت للقول بأنّ البطريركية المارونيّة استاءت منه بسبب من مصالحها مع الغرب، كما انّ بقيّة الطوائف راته مسقطًاعليها، في حين أنّ هذا الاتفاق بمعاييره وعناوينه جاء دعوة للجميع للانخراط الإراديّ والسياديّ به، لكونه أنموذجًا ميثاقيًّا راقيًا.


هنا، شعر الأميركيون منذ أيام جورج بوش الصغير مع إليوت إنغل، وجيفري فيلتمان، وكونددوليزا رايس، وجون بولتون، وجو بادين، جمهوريين وديمقراطيين، بأنّ ثمّة انقلابًا جذريًّا في المفاهيم ضمن المدى المسيحيّ، ومنطلقات استراتيجيّة أخذتهم إلى هذا الفهم العقيديّ العميق بأنّ إسرائيل ولدت بالخطيئة، وهي الخطيئة التاريخيّة المغتصبة، وليس لبنان هو الخطيئة التاريخيّ Historical sin. هذا هو الانقلاب الجذريّ الذي أسّس له العماد ميشال عون، وجسّده في خطابه السياسيّ، وأكّد عليه في خطاب القسم، ولا يزال يسير به إلى الآن. 


على هذه القاعدة بنى جبران سياسته الجوهريّة وفصل بين الجوهريّ، وهو الأساس، والشكليّ، الذي يتفرّد أحيانًا في مجموعة تفاصيل تجعل من التيار والحزب على ديمومة نقاش واحيانًا على اختلاف من دون المساس بالجوهر. واقعيّة جبران باسيل لم تفصله عن الجوهر المتأسّس عليه. 


راع الإدارة الأميركيّة العميقة هذا الانقلاب الفكرويّ الجذريّ في الاتجاهات المسيحية. ظنّ هؤلاء بأنّ منهجيّة التيه، تسمح بأن يبقى المسيحيون بأكثريتهم في قبضتها، ويظلّوا أذرعًا لها. الطامة عند الأميركيين تجلّت بأنّ الوجدان المسيحيّ باكثريته المطلقة التي نالها العماد عون ومعه التيار الوطنيّ الحرّ وبخاصّة جبران باسيل صار ناطقًا باسم المسيحيين المشارقة في المدى المشرقيّ برمتّه، وأسّس مع المقاومة ثنائيّة ردعت إسرائيل وحمت الجنوب، وقاتلت القوى التكفيريّة في سوريا وانتصرت عليها إلى جانب الجيش السوريّ، فحمت الثنائيّة لبنان وسوريا من رجس التكفيريين المدعومين من أميركا والخليج وتركيا وإسرائيل، وساهمت بالنصر المبين عليهم على ثلاثة أرباع الأراضي السوريّة. هذا الثنائيّ شكّل وعاء صلبًا في تحديد طبيعة المواجهة وأدلجتها ضمن الإمكانية الممكنة وبناء المستقبل عليها.


حين قرّر دونالد ترامب تهويد القدس ووهب الجولان لإسرائيل وتنفيذ صفقة القرن التي ستفضي حتمًا إلى توطين الفلسطينيين في لبنان، وقف جبران باسيل وزير خارجية لبنان آنذاك على مدى سنتين بخطابين شهيرين عرّى فيها الصراع المذهبيّ والقوميّ بمعاييره ومعانيه وأهدافه، وحضّ على المصالحة العربيّة-العربيّة وعودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، ووجه كلامه بالحرب عليه، وكانت أميركا تحضّ، لأنها مع مجموعة المسيحيين المتهودين كشفت بأنّ خطابه عبّر عن جوهر المسيحيّة بهويتها الناسوتيّة-المشرقيّة. 


ومنذ ذلك الحين وهم يقتنصون الفرص ليغتالوه جسديًّا وسياسيًّا ومعنويًّا. بداءة ذلك كانت في قبرشمون بتحريض أميركيّ فاضح قاده ديفيد ساترفيلد، ولمّا فشلوا باغتياله واخذ البلاد إلى فتنة مذهبيّة قرروا اغتياله سياسيًّا ومعنويًّا. 


كلّ من يمزج ما بين الميثاقيّة والمشرقيّة مطلوب ذبحه. هذه ثابتة أميركيّة-إسرائيليّة. وكل من يتحالف مع حزب الله مطلوب عقابه. كل من يرفض دمج النزحين السوريين بلبنان وتوطين الفلسطينيين مطلوب حرقه، كلّ من قاد إلى قلب الموازين في المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-العراقيّ، وكلّ من كشف الحقّ الفلسطينيّ بالوجود مطلوب محوه. هذه إرادة صهيونيّة بامتياز.


ليست العقوبات على جبران باسيل سوى غيض من هذا الفيض. الداخل والخارج متآمر عليه، البطريرك المارونيّ بشارة الراعي، اذي رفع صوته من أجل حماية رياض سلامة بالتهديد، آثر الاندراج في سياسة "الحياد" تجاه الاعتداء على جبران وهتك سيادة لبنان فآثر الصمت أمام اعتداء آثم على ابن روحيّ منتم إلى كنيسته.


العقوبات على جبران تنتمي إلى الحرب المعنوية والاقتصادية والماليّة على لبنان، وأهمية خطاب السيد، تتجلى بغوصه في أبعادها عبر عناوين كثيرة منها الحكومة التي لم يؤلفها بعد سعد الحريري لأنه آثر الانقلاب على تلاقي الوجدانات الطائفيّة الثلاث في تكوين الشراكة الميثاقيّة، لم ينبث ببنت شفة حول الحكومة، ولكن قال كلامًا بليغًا فيما يختصّ بالمستقبل المطلّ بأن شجاعة الوزير باسيل بالمعطيات في داخلها يبنى عليها. فهم السيد معنى البذل العميق والمؤلم الذي أظهره جبران بوفاء وشهامة وشجاعة مطلقة فبادله الوفاء بحب وكبر، وأطلق العنان لرؤية استراتيجية جديدة تواجه ما يحاك، وحتمًا ستؤكّد النصر.


تلاقي المسيحيّة المشرقيّة والإسلام القرآني من جديد سيسقط العقوبات الظالمة والجائرة، وكاشف بأنّ أميركا دولة آثمة مستكبرة، وليس لها سلطان لا على دول أخرى أو مجمعات أو أحزاب تعاقبها إدارتها متى شاءت، وهو ولادة جديدة لمدى ممدود من جبال لبنان وجنوبه وشماله وبقاعه إلى أشور وبابل مرورًا بقوروش، والغد مشرقيّ مضيء. 



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top