دولياً لا يزال المشهد الانتخابي الأميركي يتصدر الأحداث، مع مناخ عام دولي للتعامل مع المرشح جو بايدن كرئيس أميركي مقبل كان لافتاً كلام الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون عن فرص تعاون واسعة وواعدة معه، وفي الداخل الأميركي معلومات عن تفاوض بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مخرج مناسب للفريقين من المأزق الرئاسي، وبالتوازي تفاوض جمهوري مع الرئيس دونالد ترامب لضمان التزامه بالتفاهم مع الديمقراطيين، الصفقة تقوم على اختزال المسارات القانونية في إعادة الفرز والجمع للأصوات وصولاً للشكاوى والطعون أمام المحكمة الدستورية، باعتراف جمهوري بفوز بايدن مقابل حسم جورجيا لصالح الحزب الجمهوري لضمان الفوز بمقعدي مجلس الشيوخ والاحتفاظ بالغالبية الجمهوريّة في المجلس الذي يشارك الرئيس بعض الصلاحيات السياسية خصوصاً في التعيينات، والقرارات التشريعية الكبرى، وبالمقابل عرض جمهوري لترامب بالقبول بتسليم السلطة مقابل تبني الحزب الجمهوري لترشيح ترامب للرئاسة عام 2024.
إقليمياً يتقدم مؤتمر النازحين الذي شهدته دمشق كحدث مفصلي، أبعد من عائداته السياسية والإعلامية. فالمصادر الروسية تتحدث عن اهتمام مباشر يوليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد لمتابعة نتائج أعمال المؤتمر، وتوزّع للمسؤوليات، حيث الدولة السورية ستتخذ جملة من الإجراءات الخاصة بالإعفاءات والضمانات للعائدين، إضافة لتقديمات أعلن نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد عن بعضها بقوله إن الدولة السورية ستضمن للعائدين السكن والمدرسة والطبابة، فيما تهتم موسكو بالدعم الخارجي السياسي والمادي وتعول على المشاركة الأممية وبعض المشاركة العربية المتمثل بدولة الإمارات وسلطنة عمان، لتحريك ملف المساعدات لتمويل عمليات العودة، وتحويل المساهمات الأمميّة للنازحين الى العائدين الذين يختارون العودة، فيما تعتقد المصادر أن لبنان هو النموذج الأكثر قرباً ليكون نموذج اختبار مشاريع العودة.
لبنانياً، بدأت جولة المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، ولقاءاته مع المسؤولين الرسميين وقادة الكتل النيابية والأحزاب، وقد نقل دوريل للجميع دعوة الرئيس ماكرون الملحة للإسراع بحكومة يرضى عنها الجميع بعيداً عن التوصيفات والشروط، مجدداً إبداء رغبة ماركون بزيارة ثالثة لبيروت كما سبق وقال في زيارته الأخيرة، محذراً من خطورة ضياع مؤتمر دعم لبنان المقرّر نهاية الشهر الحالي، اذا لم تولد الحكومة قبل هذا التاريخ، بينما قالت مصادر متابعة للملف الحكومي إن الجمود القاتل يحكم هذا المسار وإن العقد لا زالت هي نفسها، وإن لدى كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري نظرة مختلفة عن الحكومة بعدد وزرائها وتوزيع حقائبها وطريقة تسمية الوزراء، ويبدو صعباً ردم الفجوة بين النظرتين قريباً، رغم ما يبديه الرئيسان من إيجابية ومن رغبة بتشكيل الحكومة سريعاً، فيما يلقي كل منهما على الآخر مسؤولية التعثر.
انشغلت الأوساط السياسية الرسمية الداخلية بزيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية الى لبنان باتريك دوريل وسط ترقب لنتائجها في دفع تأليف الحكومة الى الأمام والسيناريو المتوقع إذا فشلت مهمة دوريل قبيل المؤتمر التي تعقده فرنسا لدعم لبنان والزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت مطلع الشهر المقبل.
وبدأ الدبلوماسي الفرنسي جولته على الرؤساء والقيادات السياسية بزيارة بعبدا، حيث التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أبلغ ضيفه بأن «لبنان متمسك بالمبادرة الفرنسية لما فيه مصلحة لبنان، وهذا الأمر لن يتحقق الا من خلال حكومة موثوق بها وقادرة على انجاز الإصلاحات المطلوبة والتي وردت في الورقة التي تم الاتفاق عليها بين الرئيس ماكرون والقيادات السياسية اللبنانية، والتنسيق بشكل فاعل مع الشركاء الدوليين الذين تعهدوا بمساعدة لبنان لإخراجه من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها».
ولفت عون الى ان «الهم الأساسي حالياً هو استمرار الاستقرار في البلاد وسط العواصف الإقليمية والأزمات غير المسبوقة التي يواجهها لبنان، فضلاً عن تداعيات وجود النازحين السوريين والضائقة الاقتصادية وانتشار وباء «كورونا»، إضافة الى الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت»، لافتاً الى ان «العقوبات الأميركية التي استهدفت سياسيين لبنانيين زادت الأمور تعقيداً». وذكر رئيس الجمهورية ان «كل هذه الأوضاع تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب لإقرار قوانين إصلاحية ضرورية»، مشيراً الى «أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة».
من جانبه، نقل دوريل الى عون تحيات الرئيس ماكرون واهتمامه بالأوضاع في لبنان، مؤكداً «متانة العلاقات بين البلدين»، لافتاً الى «دقة الأزمة الاقتصادية وخطورتها وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة كفوءة ومقبولة من جميع الأطراف كي تباشر بالإصلاحات المطلوبة واستعادة ثقة المجتمع الدولي». وأشار دوريل الى ان «فرنسا ستواصل تقديم مساعدات عاجلة في مجالات عدة، لا سيما منها المجال التربوي»، مذكراً بأن «وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان مرتبط بتحقيق الإصلاحات».
ولفتت مصادر مطلعة على لقاءات الموفد الفرنسي لـ»البناء» إلى أن دوريل نقل للمسؤولين الذين التقاهم اهتمام الرئيس ماكرون بتشكيل حكومة في أسرع وقت، لأن الأولوية للحكومة التي يجب أن تكون مقبولة من جميع الأطراف وتباشر عملها في إنجاز الإصلاحات المطلوبة»، كما شدد الموفد الفرنسي على اهتمام فرنسا الجدي بالملف اللبناني على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها فرنسا، كما أن الرئيس الفرنسي يعتبر أن مبادرته هي الأساس وأن المجتمع الدولي ينتظر الإصلاحات ليبادر الى المساعدة».
وشدّد دوريل على دور عون في تأليف الحكومة، وقال إن «المساعدات الفرنسيّة على الصعيد الإنسانيّ ستستمر وإن المساعدات الأخرى مرتبطة بالإصلاحات التي ستحصل»، وأكد أن «مؤتمر دعم لبنان لا يزال قائماً في موعده ومطلوب تحضير الأجواء المؤاتية له وأولًا تشكيل الحكومة»، كما أكد بأن «زيارة الرئيس ماكرون قائمة بموعدها».
وبعدها انتقل دوريل الى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصف اللقاء بـ»الجيد». وشكر بري ماكرون الذي يحمل همّ لبنان، مؤكدًا على «الموقف لجهة المبادرة الفرنسية وضرورة تطبيق الاصلاحات لا سيما في مجال الكهرباء ومحاربة الفساد»، معتبرًا أن «المدخل والمخرج الوحيد لخلاص لبنان هو إنجاز حكومة اليوم قبل الغد، يكون وزراؤها اختصاصيون يحظون بالثقة التي ينتظرها المجلس النيابي بفارغ الصبر من أجل العبور بلبنان الى بر الأمان امام الموجات العاتية داخلياً وخارجياً».
كما زار الموفد الفرنسي بيت الوسط وعقد لقاء مطولاً مع الرئيس المكلف سعد الحريري. وأكد الموفد الفرنسي على ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة اختصاصيين من غير المنتمين حزبيا لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت. وأشار دوريل إلى أن المؤتمر الدولي لدعم لبنان المنوي عقده في باريس مرتبط بتشكيل حكومة جديدة.
كما التقى دوريل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب السابق سامي الجميل ورئيس القوات سمير جعجع.
وأشارت مصادر «البناء» الى أن «زيارة الموفد الفرنسي هي المحاولة الفرنسية الأخيرة لإنقاذ الحكومة واستكشاف أفق احياء المبادرة الفرنسية لإلقاء الحجة على المسؤولين اللبنانيين قبل أن تسحب فرنسا يدها من مسألة الحكومة وتحصر مهمتها بالدعم الانساني فقط».
ثم توجه دوريل الى حارة حريك، حيث التقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي لفت بعد اللقاء في دردشة مع الصحافيين الى أن «دوريل جاء في مهمة استطلاعية بموضوع تشكيل الحكومة وللتأكيد على المبادرة الفرنسية»، مؤكداً على «ضرورة التزام الحكومة التي يجري تشكيلها بتنفيذ بنود المبادرة والورقة الاصلاحية التي تم الاتفاق عليها في قصر الصنوبر». ولفت رعد إلى أن «دوريل تمنى التعاون مع الرئيس المكلف في تذليل العقبات ولم يأت على ذكر نوعية العقد الحكومية»، وأضاف: «نحن مسؤولون قدر المستطاع عن الإسراع في تشكيل الحكومة لأن البلد لا يحتمل والوضع الاقتصادي سيئ جداً».
ورداً على سؤال عن عقوبات اوروبية على معرقلي تشكيل الحكومة، أجاب: «استغرب مثل هذا الكلام الذي لم يؤتَ على ذكره ولا يمكن تحديد من يعرقل قيام الحكومة».
ولفتت أوساط متابعة للشأن الحكومي لـ»البناء» الى أن «العقد الحكومية متوقفة عن الحريري الذي لم ينجح في التوفيق وتأمين التوازن بين الضغط الأميركي الخليجي عليه لتأليف حكومة مع تقليص نفوذ حزب الله وحلفائه الى الحد الأدنى وبين عدم قدرته على تأليف حكومة بغير موافقة قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر اللذين يمتلكان ورقتي توقيع مرسوم الحكومة والثقة النيابية في المجلس النيابي، لذلك لا مؤشرات على ولادة قريبة للحكومة خلال الأسبوعين المقبلين وربما أكثر بحسب الأوساط»، متوقعة أن «تمتد مرحلة الفراغ في لبنان الى مطلع العام المقبل وربما أكثر اذا استمر الحريري على موقفه وتأثره بالعوامل الخارجية».
وبقيت أصداء مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله طاغية على المشهد الداخلي والإقليمي، توقفت مصادر مطلعة لـ»البناء» عند أبرز النقاط التي وردت في خطاب السيد نصرالله، إذ كان لافتاً بحسب المصادر تناوله للملف الحكومي بصيغة فهم منها أنه غير متفائل بولادة الحكومة في الأمد المنظور وأن الظروف لم تنضج بعد لولادتها.
أما في ما خص العلاقة مع التيار الوطني الحر فاكد ثبات العلاقة والسعي لتطويرها مع تنظيم الخلاف لمنع اي اشتباك اعلامي وسياسي يستفيد منه الأخصام الداخليون والأعداء في الخارج لزرع الفتن والانقسامات، كما جدد ثقته بالنائب جبران باسيل ما يعزز العلاقة أكثر بين الطرفين. مشيرة الى أن السيد نصرالله حدد موقف حزب الله من مفاوضات ترسيم الحدود بعد حملة الإشاعات والحملات الاعلامية بتأكيده أن المفاوضات تديرها السلطة المخولة دستورياً بالملف وهي رئاسة الجمهورية ومحل ثقة تامة من قبل الحزب، ثانياً ثقته بالوفد اللبناني العسكري المحترف والمستند للوثائق التي تحفظ حق لبنان، ثالثاً أن المقاومة جاهزة لإسناد الوفد ونتائج المفاوضات بما لديها من امكانات وقدرات عسكرية، ثالثاً قطع الصلة بشكل مطلق بين المفاوضات العسكرية التقنية المألوفة في لبنان وبين التطبيع الذي لا مكان له في لبنان لا من قريب ولا من بعيد.