مع ان التداعيات العلنية لقرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ركزت في الظاهر على استبعاد تأثير هذا التطور على مسار تأليف الحكومة الجديدة، فان المعطيات العميقة التي واكبته كما التطورات السياسية الأخرى التي سجلت في الساعات الأخيرة، بدت بمثابة تثقيل إضافي للعثرات والتعقيدات التي تعترض طريق ولادة حكومية قريبة. فحتى لو خلص باسيل نفسه، في الرد المسهب المتشعب والتفصيلي على قرار تصنيفه ضمن لائحة العقوبات التي تستند الى قانون ماغنيتسكي الأميركي المتصل بمكافحة الفساد عبر الحدود، والذي عده باسيل مطية لقرار مسيس بالكامل، الى استعجال تأليف الحكومة للفصل بين الامرين، فان الوقائع لا توحي بسهولة الأمور او بإمكان عزل التداعيات المتدحرجة للعقوبات او للعقبات الداخلية الأخرى عن مسار تأليف الحكومة. كل ذلك يستند الى المعطيات التي اكدت ان اللقاءات الستة التي عقدت بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لم تفض بعد الى اختراق جدي يبنى عليه لتوقع حلحلة وشيكة في الانسداد الحاصل، فكيف الامر مع ارتفاع جدار التعقيدات التي اثارتها العقوبات على باسيل من جهة ومن ثم أيضا اشتعال جبهة سجال سياسية حارة بين “القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل ” التي يصعب أيضا تجاهل دلالاتها السلبية حيال المسار الحكومي؟ فحتى لو كان موقف “القوات” حازما لجهة عدم مشاركتها في الحكومة، فان خروج التوتر المحتقن بينها وبين “المستقبل” الى السجالات الحادة يعيد رسم صورة سلبية حول المشهد السياسي اذ تزامن هذا التطور السلبي بدوره مع تخصيص النائب باسيل جزءا غير يسير من رده على العقوبات في انتقادات ضمنية للرئيس سعد الحريري من دون ان يسميه، وهذا التزامن وضع التيار العوني و”القوات ” مجددا في خانة الاشتباك السياسي مع الحريري. ولذا ستتجه الأنظار في الساعات والأيام المقبلة اكثر فاكثر الى القناة الثنائية بين قصر بعبدا وبيت الوسط تطلعا الى ما يمكن ان تتكشف عنه تداعيات التطورات الأخيرة وما اذا كان ثمة قرار ما في احتواء اخطار التراجع في تأليف الحكومة ام إمعان في التعقيد الذي سيرمي البلاد في مزيد من الانهيارات علما ان قرار الاقفال العام الذي سيتخذه غدا المجلس الأعلى للدفاع لمواجهة زحف كورونا وعلى رغم طابعه الملح والضروري والعاجل سيضع الدولة في عين التحديات المتراكمة.
وسط هذه الأجواء ارتفع فجأة صخب سجالات لم تخل من حدة بين الحليفين القديمين في تحالالف 14 آذار سابقا “القوات اللبنانية ” وتيار “المستقبل” بما كشف اعتمال التوتر الذي احتدم مجددا بعد تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة الجديدة وموقف “القوات” السلبي من مجريات مسار التاليف. وكانت آخر مواقف رئيس حزب “القوات” سمير جعجع انتقدت مسار تأليف الحكومة اذ اعتبر “انهم يقومون بتأليف الحكومة بالطريقة نفسها التي كانت تتشكل فيها الحكومات السابقة ويرفضون الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة “. ولكن اشتعال السجالات حصل على خلفية مبادرة الأمين العام لتيار “المستقبل” احمد الحريري الى الرد على تصريحات وتغريدات نواب ووزراء سابقين قواتيين اتهمهم “بالتهجم على الرئيس الحريري في حملة تتم اداراتها من معراب”، وقال “الى كل الأصوات التي تراهن على الفراغ للوصول الى كرسي بعبدا نقول “نحن قدا” في كل زمان ومكان ..يستطيع سمير جعجع ان يحلم بالرئاسة وان يطلب المستحيل سبيلا للوصول لكنه لن يحلم بتوقيعنا على جدول اعمال معراب السياسي “. وسارعت “القوات” الى الرد.