أياً تكن السياسة التي سيعتمدها القاطن الجديد للبيت الأبيض الأميركي في السنوات الأربع المقبلة، فإن الوضع في لبنان سينحو بإتجاه التصعيد وفق العديد من المراقبين الذين لا يستبعد بعضهم أن تصل الأمور إلى حد الحرب الأهلية التي إندلعت في العام 1975 في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجيه بتشجيع إسرائيلي و ″قبة باط″ دولية! فما هي أوجه الشبه بين تلك المرحلة والوضع القائم اليوم في مطلع السنة الخامسة من عهد الرئيس العماد ميشال عون؟
الكل يذكر أنه عند إنتخاب النائب سليمان قبلان فرنجيه رئيساً للجمهورية بأغلبية صوت واحد فقط في منتصف العام 1970 لم يكن بتسوية دولية – إقليمية أوتجاذب حاد، إنما كان بعملية أقرب ما تكون إلى الديمقراطية النزيهة نتيجة لتجاذب سياسي داخلي. فوصل نائب قضاء زغرتا – الزاوية إلى قصر بعبدا حاملاً على كتفيه إرثاً وطنياً وعروبياً الأمر الذي لم تستسيغه إسرائيل ولا الغرب الذي يسعى إلى استرضائها. فشجعا التنظيمات الفلسطينية على إعتماد مقولة “الوطن البديل”. وما إن حلّ العام 1973 حتى كانت المواجهات مع الجيش اللبناني، والتي تبعها “إتفاق القاهرة” الخدعة.
ثم كان تكليف الرئيس فرنجيه من قبل جامعة الدول العربية بإلقاء كلمة في الأمم المتحدة بإسم القضية الفلسطينية، الخطوة التي أقلقت الكيان الصهيوني من تكاتف عربي. فيما تصرّفت أميركا بـ “قلة تهذيب” مع رئيس جمهورية يقضي البروتوكول الديبلوماسي الدولي أن يُحاط بكل الإحترام. وترجمت إسرائيل وحلفائها في الغرب ذلك الإمتعاض بمد يد المساعدة للمتحاربين الذين لم يوقفوا جنونهم الاّ بعد خمسة عشر سنة برعاية عربية لإتفاق الطائف.
بعد أربعة عقود ونصف تغيرّت الأسماء في لبنان، من دون أن تتبدل أساليب محاولات الإخضاع التي تتقنها إسرائيل بدعم غربي، فما إن تم إنتخاب النائب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بتوليفة ساهم برسم أكثر خطوطها دقة، حزب الله الذي تحوّل إلى هاجس في المنظومة العسكرية الإسرائيلية، إتُخذ القرار بتفريغ العهد من مضمونه “التغييري الإصلاحي”، وإلهائه بكل ما يؤدي إلى إسقاطه من الداخل.
وعندما فشلت الخطوة إعتُمدت الحرب الإقتصادية المالية (التي تزامنت مع وباء الكورونا) في حين كان الرئيس عون يهدد من الأمم المتحدة بفتح الخطوط مع سورية اذا بقي الغرب متفرجا على ازمة النازحين لا بل داعما لبقائهم. ولم يبق أمام الإبتزاز القائم سوى السعي إلى الدفع بإتجاه “الفوضى الداخلية” عن طريق الفقر وربما الجوع، فتسقط كل المحرمات ويتقاتل الأخوة مجدداً، وبذلك تصبح اسرائيل في منأى عن أي إزعاج، لا بل أنها تسعر النار بين المتخاصمين بكل ما تملكه من أدوات الفتنة.
يعتقد العديد من المتابعين لا بل يجزمون بأن ما كان سهلاً في ما مضى بات عصياً على أدوات الفتنة مهما تعددت أساليبها ووجوهها. لإن أصحاب الكلمة الفصل باتوا يملكون من الحكمة والتبصر بما يكفي لإفشال مختلف المخططات. وعلى الأقل هذا ما أثبتته الوقائع في العديد من المفاصل الحرجة.
فاذا كانت هناك مصلحة لاسرائيل وحلفائها في تفجير الأوضاع، فهل هناك مصلحة لأوروبا خصوصاً والغرب بشكل عام لهذا التوجه؟.