يوماً بعد آخر يزداد منسوب المفاجآت لدى العديد من الفاعليات المارونية إزاء المواقف التي يُطلقها البطريرك بشارة الراعي وبوتيرة شبه تصاعدية منذ طرح فكرة “الحياد الناشط” التي أدّت إلى إنقسام وطني، لم يكن لبنان بحاجة إليه في خضم الأزمات التي تعصف به، إبتداء من إنفجار مرفأ بيروت الكارثي وصولاً إلى الكورونا اللعينة ومروراً بكل الحبال المعيشية والمالية والإجتماعية التي تشد على رقاب أبنائه.
ففي حين كان الموارنة يتغنون (على الأقل منذ الاستقلال) على أن “مجد لبنان أعطي لبكركي”، وبأن البطريرك الماروني “يُزار ولا يزور”، وبأن أول كاردينال في الشرق البطريرك بولس المعوشي وقف إزاء رئيسي الجمهورية كميل شمعون واللواء فؤاد شهاب في مفاصل محورية. وهما من أبرز الرؤساء الذين مرّوا على الجمهورية اللبنانية. استغرب الموارنة ما جاء على لسان “بطريركهم” في عظة الأحد الفائت حيث دعا الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة، رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، “أن لا يضع المسيحيّين وراء ظهره”. فهل كان يستجديه أم يحذره في هذا الدعوة؟.
إذا كان يستجديه، فلم يُصب في التعبير، لأن المسيحيين في لبنان هم مكون أساسي ومحوري في هذا الوطن، ولا يفكّر أي رئيس حكومة أكان مكلفاً أم أصيلاً في إقصاء فئة كانت في صلب تأسيس الكيان، وأن دستور الطائف قد قسّم الحكم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين إبتداء من مجلس النواب إلى الوظائف الاساسية. الاّ إذا كان سيد بكركي يعتبر أن إقصاء او إبتعاد كتلتي “لبنان القوي” و “الجمهورية القوية” هما كل المسيحيين. متجاهلاً أن أكثر من ثلث النواب المسيحيين مستقلون، ولا ينتمون إلى هاتين الكتلتين. إلا إذا كان ما زال متأثراً بما تم طرحه بعد إتفاق معراب بأن هذين المكونين يمثلان 94% من المسيحيين! ولماذا كان على سيد بكركي أن يذكّر الرئيس سعد الحريري بمواقف والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري من المسيحيين، فهل يمكن أن يكون قد تناسى ذلك؟.
أما إذا كان بطريرك الموارنة يحذر الرئيس المكلف فتلك مصيبة سترتد بصورة سلبية جداً على الآداء العام، وعلى العلاقة بين الطوائف في لبنان، وبخاصة أنه إتهم المسؤولين بالأمس: “بعدم الولاء للوطن، وبالفساد وسرقة المال العام وتقاسم المغانم”! في مرحلة دولية وإقليمية ليست في صالح المسيحيين الذين لم يبق منهم الاّ النسب الضئيلة في هذا الشرق. وبالتالي على ماذا يتكل “غبطته”، أعلى الأميركيين الذين كانت لهم اليد الطولى في “تطفيش المسيحيين” بناء على رغبات إسرائيلية، وقد ظهر ذلك جلياً في العراق وسوريا وغيرهما في معظم الدول العربية!، أم على الفرنسيين الذين تخلوا منذ نصف قرن عن دورهم كأم حنون، وأغرقوا أنفسهم بالأمس القريب في مفهوم ديني – علماني لن تكون نتيجته في صالحهم على الإطلاق!.
وبين الإستجداء والتحذير طالب البطريرك الراعي بـ “المداورة الشاملة” فهل يقصد بذلك المداورة من رأس الهرم إلى أخمص القدمين؟ أم أنها زلة لسان خارجة عن سياق أن “المسيحيّين لا يساومون على لبنان لأنّه وطنهم الوحيد والأوحد، وضحّوا كثيرًا في سبيل إيجاده وطنًا للجميع، وما زالوا يضحّون”، كما جاء في عظته. فماذا عن أداء باقي الشركاء في الوطن؟