البطريرك الماروني بشارة الراعي المتمسك بـ ″الحياد″ كطرح مُطلق لا مفر منه، وكحالة استفزازية لبعض مكونات المجتمع اللبناني، وضع نفسه وصرح بكركي (المفترض أن يكون وطنياً بامتياز كما فعل بطاركة سابقون) في موقع أبعد ما يكون عن الإجماع الوطني، لا بل إنزلقت الأمور في الأسبوع الفائت إلى حد إتهام البطريرك بعدم دقة ومصداقية كلام له، أطلقه مباشرة عبر حديث تلفزيوني، حيث قال بأن “رئيس أساقفة بيروت المارونية السابق المطران بولس مطر أبلغه بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري بعث برسالة له مع المطران مطر أكد فيها أنه مع الحياد! (مع العلم أنه لم يصدر عن بري أي موقف علني وواضح بشأن طرح فكرة الحياد) الأمر الذي دفع بالمعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل وبعد ساعات قليلة على كلام سيد بكركي للإعلان بأن “الكلام الذي نُقل عن لسان الرئيس بري على لسان المطران مطر غير صحيح على الاطلاق”. مما دفع العديد من المراقبين والمتابعين إلى طرح التساؤلات عن: من هو صاحب “الكلام الدقيق” في هذه الظروف البالغة الحساسية؟.
هل ارتكب رئيس حركة أمل الشيعية زلة لسان إستغلها الصرح البطريركي الماروني لدعم طروحاته التي لم تجد إلاجماع الوطني المرتجى؟، أم أنه حصل إلتباس في “ترجمة الموقف” من قبل المطران مطر الذي لا يُتقن “اللهجة الجنوبية” جيداً؟.
التساؤلات التي تداولها أركان الطائفة المارونية تمحورت حول: “هل كانت بكركي مضطرة لسلوك هذا الطريق “الوعر وطنياً”، في حين أن البلد الجريح يحتاج من جراء تفجير المرفأ المأساوي، والكورونا اللعينة، والأحوال المعيشية والمالية المزرية، إلى مواقف جامعة وغير استفزازية؟.
أوساط قريبة من الصرح الماروني، وفي إطار تبرير المواقف، رددت بقوة أن الفاتيكان هو الناصح بهذا التوجه، إستناداً إلى تمنيات أميركية. ظهرت ترجمتها في الموقف الذي صدر عن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دافيد شينكر الذي أعرب “عن اهتمام خاص بطرح البطريرك الراعي حول حياد لبنان الناشط”. ولكن ما يناسب الدول الخارجية ومصالحها ينسجم في هذه الظروف مع التركيبة اللبنانية؟.
وفق معظم المتابعين فإنه ما من مرة تدخلت وتداخلت المصالح الدولية الاّ وكانت النتيجة وبالاً على الوطن الصغير الذي دفع ما قبل الإستقلال وما بعده، أثماناً باهظة في أمنه واستقراره. ولعل آخر تلك الأثمان الإنفجار الكارثي في مرفأ بيروت الذي تؤكد مراجع مختلفة أنه حصل جراء تضارب مصالح مختلفة منها الدولية ومنها الإقليمية. وما دفعه وسيدفعه الشعب اللبناني كارثي في حين أنه يفتش إما عن لقمة خبز أو حبة دواء وفي كل الظروف جواز سفر!.