لن یكون حزب الله "حجر عثرة" أمام تكلیف الرئیس سعد الحریري تشكیل الحكومة الجدیدة، ولا یشجع على تأجیل
جدید للإستشارات الملزمة، ونتیجتھا محسومة منذ أن أعلن الحریري ترشحه ملبیا الشرط الأول للحزب بأن یعلنالحریري بشكل واضح أنه مرشح لرئاسة الحكومة بدل الإیحاء أنه زاھد في المنصب وأن الثنائي الشیعي یریده بأي ثمن... سیكون حزب الله متساھلا في موضوع تكلیف الحریري، آخذا في الإعتبار الواقع السنّي ومتفھما رغبة بري في أن یكون الحریري شریكا في الحكم لأنه الأول في الطائفة السنیّة وصاحب أكبر كتلة نیابیة ویشكل ضمانة لاستقرار العلاقة بین السنّة والشیعة، ویُعتبر موصلا جیدا للعلاقة بین لبنان والخارج... ولكن الحزب لن یكون متساھلا في مرحلة التألیف ومتجاوبا مع النصائح والضغوط التي تُسدى إلیه وتُمارس علیه لتقدیم تسھیلات وتنازلات بسبب الأزمةالاقتصادیة الخانقة في الداخل، والضغوط الوافدة من الخارج، والشروط الدولیة الموضوعة لمساعدة لبنان مالیا.
السبب المباشر الذي یدفع حزب الله الى التشدد في التعاطي مع الرئیس المكلف سعد الحریري یكمن في السلوكالسیاسي للحریري في الفترة الأخیرة، وتحدیدا منذ قدوم المبادرة الفرنسیة الى لبنان، والذي أثار لدى الحزب الشكوك والھواجس بعدما أظھر الحریري رغبة جامحة في إستغلال الوضع الجدید وبنى حساباته على أساس أن الوقت حانلإحداث تغییر في قواعد اللعبة الحكومیة والسیاسیة.
كاد حزب الله أن یوجه الى الحریري تھمة القیام بمحاولة إنقلاب سیاسي عبر حكومة مصطفى أدیب، محملاً إیاه مسؤولیة تحویر وتقویض المبادرة الفرنسیة، وكذلك مسؤولیة تألیب القیادة الفرنسیة على حزب الله... یستغرب الحزب لماذا قرر الحریري أن یتصّدر المشھد ویخوض غمار معركة سیاسیة كانت أولى خسائرھا إنتھاء شھر العسل معالرئیس نبیه بري الذي وجد نفسه في موقف حرج للغایة. فالرئیس بري كان دفع باتجاه التضحیة بحكومة حسان دیاب وإسقاطھا كمقدمة لاستعادة الشراكة مع الحریري. ولكنه اكتشف عند الحریري، عندما أتاه الى عین التینة بعد تكلیف مصطفى أدیب، وجھا جدیدا غیر مألوف ولغة مخاطبة غیر معھودة، وفوجئ بعدم وجود لیونة في موقفه ورفع سقف التحدي معه. وما حصل أن الحریري، وبناء على إغراءات أمیركیة وإیحاءات فرنسیة من بعض فریق ماكرون، إندفع في لعب دور محوري لتدفیع حزب الله ثمنا سیاسیا وبنى حساباته على أساس أن العقوبات الأمیركیة ستدفع الرئیسبري الى إلتزام الھدوء، وبالرئیس عون والنائب جبران باسیل الى مراجعة الحسابات، وأن فرنسا ماضیة في مبادرتھم للوصول بھا الى خط النھایة ولن یتم التراجع عنھا إلا بتنازل حزب الله... ولكن الحریري إكتشف متأخرا أنه وقع ضحیةحسابات خاطئة ومناورة محدودة في الزمان والمكان، وأن الفرنسیین یطالبونه بالتراجع عن تشدده لأن الرئیس ماكرون غاضب ولم یعد یفھم أسباب الشروط التي یطرحھا الحریري ولم تكن في إطار مبادرته.
من الأمور التي أثارت حفیظة حزب الله وما تزال، أن الحریري یعمل على إخراجه من الحكومة تحت ستار حكومةمن دون تمثیل حزبي عسى ذلك یكون ورقة إعتماد للسعودیة كي تبدل طریقة تعاطیھا معه. وھذا التوجه أفصح عنه خلال مقابلته التلفزیونیة التي أعلن في خلالھا ترشحه لرئاسة الحكومة وضّمنھا معادلة جدیدة عنوانھا العریض أنإصرار الحزب على البقاء في صدارة المشھد الحكومي والسیاسي یعني إصرار الخارج على مزید من الضغوط الاقتصادیة والمالیة على البلاد... ومن الطبیعي أن یرفض الحزب ھذا "المنطق"، وأقصى ما یمكن أن یقبله ھو أن وبالتالي، فإن الحزب لن یمنح الحریري أي مجال لمعادلة إخراجه يسمي إختصاصیین مقربین وأصدقاء وغیر حزبیین من دائرة القرار المؤثر داخل الحكومة، ولن یسلّم إدارة البلد الى الحریري وخیاراته السیاسیة والاقتصادیة. وھذا الموقف المتشدد المنطلق من ثقة مھتزة بالحریري سیُترجم عملیا في عدم تسمیة الحریري في استشارات التكلیف وفي إبقائه تحت مراقبة وضغوط في مرحلة التألیف، إذ لا یكفي أن یكون الإتفاق بشأن الحصة الشیعیة منجزا وأن یوافق الحريري على أن يسمي الثنائي الشیعي وزراء الطائفة . فھناك شروط أخرى یطرحھا الحزب على الحریري وأولھا:
١-الإتفاق المسبق على برنامج الحكومة إنطلاقا من بیانھا الوزاري لجھة تضمینه "نص المقاومة" والإلتزامات بشأن التفاوض مع صندوق النقد وشروط الإتفاق معه.
٢-إرضاء الرئیس میشال عون في أي حكومة جدیدة لا یمكن أن تمر من دون موافقة رئیس الجمھوریة وتوقیعه...
٣-إشعار الحریري بأن لا تفویض ولا شیك على بیاض ولا صلاحیات إستثنائیة، خصوصا وأن الحكومة الآتیة قد تكون مضطرة إلى حسم كثیر من المسائل التي یعتبرھا الحزب أكثر من مصیریة بالنسبة إلیه، من مفاوضات الناقورة وھواجس تسییسھا، الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وھواجس الدخول تحت الوصایة الأمیركیة.
السؤال بعد كل ذلك: كیف سیتصرف الرئیس المكلف سعد الحریري؟! ھل یذعن لشروط حزب الله ویترأس حكومة
أقرب ما تكون الى "حكومة حسان دیاب"، أم یعتذر مثل مصطفى أدیب، أم ینتظر مع حزب الله وعون أوضاع ومتغیّراتما بعد الانتخابات الأمیركیة؟!