يقف المراقبون بحيَرة من التصريحات والمواقف الحادة التي تصدر عن تيار ″المستقبل″ وحزب ″القوات اللبنانية″، مطعمة بسيول من التعليقات (الفاجرة أحياناً) عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تعليقاً على الحال المتشنجة جداً بين فريقين تضامنا وتعايشا طوال سنوات قبل أن تقع الواقعة بينهما خلافاً إلى حد إتهام أحدهما للآخر بطعنه في ظهره أو خاصرته!
سمير جعجع الذي أُدخل السجن عام 1994 بعد تُهم وجهت إلى القوات بالرغم من تسويقها لإتفاق الطائف، لم يستفد من “تيار المستقبل” الذي أسسه الرئيس رفيق الحريري عام 1995 كرافعة سياسية وإنتخابية للعديد من الأحزاب والشخصيات الاّ عام 2005 وبعد استشهاد الحريري مباشرة، حين سعى “تيار المستقبل” برئاسة سعد الحريري إلى دعم “القوات” بوجه العماد ميشال عون العائد من منفاه الباريسي مشكلاً “تسونامي جارف” في تغيير المعادلات الإنتخابية. فسارع التيار الأزرق إلى إستخدام كل نفوذه الذي تضخّم بعد إستشهاد مؤسسه، لإخراج “القائد القواتي” من السجن بعد إحدى عشرة سنة عجاف.
إنخرط الفريقان في ما سُمي “قوى الرابع عشر من آذار” بزعامة “المستقبل” الذي فشل في الوقوف بوجه حزب الله في العام 2007 وكما رغبت أكثر من دولة خارجية. عندها بدأت “القوات” في إستغلال الفرصة لأخذ قصب السباق من “المستقبل”. فكانت مرحلة شد حبال غير منظورة تحت طاولة 14 آذار، ولم تظهر إلى العلن إلاّ حين أزمة إحتجاز الرئيس سعد الحريري في العام 2017 في السعودية، حيث سارع جعجع إلى ترشيح بهاء الحريري كخليفة لشقيقه، بالرغم من تمسك سعد به لنحو سنة ونصف السنة كمرشح لرئاسة الجمهورية.
بعدها أعلن شيخ المستقبل أنه “سيبق البحصة” ولكنه لم يفعلها لظروف ما زالت شديدة الالتباس. وبالرغم من استمرار الاتصالات والتفاهمات السياسية بين الطرفين، بقيت هناك “غصّة” لم يستطع بلعها الشيخ سعد إلى أن تظهّر موقف قواتي في الأيام الماضية يؤكد علناً على عدم هضم تأييد ترشيح الحريري مجدداً، وبخاصة عندما فوجئ كما “التيار الوطني الحر” ببدء الوفد النيابي المستقبلي برئاسة النائبة بهية الحريري جولته الأسبوع الماضي من بنشعي. حيث فهم الجميع على أنه رسالة مستجدة لمن يهمه الأمر!
أما الحريري الأبن الذي ظن في تموز 2005 أنه سَلَّف جعجع ديناً في رقبته إلى ما شاء الله عندما بذل المستحيل لإخراجه من السجن. أعرب عن صدمته من أداء قائد القوات في السنوات اللاحقة لا سيما لجهة خروجه من تحت عباءته التي أمنّت له فوزاً بالعديد من المقاعد النيابية القواتية بأصوات المستقبل في غير منطقة، وهو يبدو أنه قد ندم على عدم “بق البحصة” التي دفعت بالقوات إلى رفض تأييد عودة الحريري إلى السراي لمرتين متتاليتين، مذكراً من وجه إليه “طعنة بروتوس” أن من يراهن على هذا الخارج أو ذاك قد يحظى بدعم مالي أو إنتخابي أو سلطوي لفترة، ولكنه لن يحصد الاّ الهباء. والتاريخ اللبناني مليئ بالامثلة.
في السياسة والعلاقات بين الدول يُقال: “لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة بل مصالح دائمة”، فهل سينطبق ذلك على علاقة “السماء الزرقاء” و”الصليب المشطوب”، أم أن عطّار النوايا الطيبة لن يتمكن من تصحيح ما أفسده دهر المراهنات الملتبسة؟.