لا مؤشرات تدل الى انّ تأجيل الاستشارات لفترة أسبوع سيؤدي إلى تغيير المعطيات وانقلابها، لأن لا مرشح لرئاسة الحكومة حتى الآن غير الرئيس سعد الحريري، ولا نيّة لدى الأكثرية بتأليف حكومة من لون واحد، ولا رغبة لدى الحريري بالاعتذار عن المهمة التي أرادها لنفسه، وبالتالي التكليف الذي لم يتحقق أمس سينتزعه الحريري الخميس المقبل في 22 الجاري.
وقد أحدثَ تأجيل الاستشارات الملزمة، التي كانت مقررة أمس، ضجة سياسية واسعة، ولم يُعرف من هي الجهة او الجهات التي طلبت هذا التأجيل بسبب إصرار الرئاسة الأولى على إبقاء الأجوبة ضمن العموميات، الأمر الذي فاقَم البلبلة خصوصاً انّ “حزب الله” التزمَ الصمت.
لكنّ الواضح انّ هذا التأجيل يرتبط بالدرجة الأولى بحسابات العهد مع الحريري، كما استياء باسيل من تجاهله على رغم إدراك رئيس “المستقبل” موقعية رئيس التيار ودوره ضمن تركيبة العهد. وبالتالي، أراد من بداية الطريق ان يوجّه إليه رسالة مفادها انّ معادلة سعد ـ جبران، التي حكمت وتَحكّمت بحكومتي الحريري الأولى والثانية في عهد عون، ستنسحب على الحكومة الثالثة، وإلّا لن تبصر حكومته العتيدة النور والتي تستدعي التنسيق، كما في السابق، في الشاردة والواردة.
وقد استوعَب الحريري الصدمة والتقط الرسالة، فلم يصعِّد ولم يعتذر عن مواصلة المهمة كما اعتقد البعض او تمنّى، بل استوعَب التأجيل وامتَصّه، فيما فتحت خطوط التواصل مع “بيت الوسط” من أكثر من جهة بُغية القفز فوق الإشكالية المتعمدة، وهذا ما حصل في ظل محاولات ستُبذَل لعقد لقاء بين الحريري وباسيل. فيما كان لافتاً مساء أمس قول القيادي في تيار “المستقبل” مصطفى علوش في حديث مُتلفز “انّ الرئيس الحريري لن يعتذر وسيلتزم الصمت طوال هذا الأسبوع، ولن يبادر إلى الاتصال بأيّ طرف سياسي”.
ردّت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية، أمس، على مجمل المواقف التي انتقدت قراره تأجيل استشارات التكليف الى الخميس المقبل، فأكّدت أنّ هناك 3 أمور يجب توضيحها: الأوّل، أنّ قرار التأجيل لم يكن للتبرير بل كان لتحديد موعد. والثاني، أنّه لا يتحكّم بموقف الرئيس أي سبب شخصي، ولكن هناك مواضيع يجب أن تُدرس قبل التكليف لكي لا نكون أمام تكليف بلا تأليف وتأليف بلا ثقة. أمّا الأمر الثالث، الذي أوضحَته المصادر، فهو أنّ أي رئيس كتلة نيابية، سواء كان من الكتل الكبيرة الوازنة أو الكتل الصغيرة، له الحق في ان يُبدي رأيه، لكنّ هذا الرأي منفصل عن اختصاص الرئيس ومسؤولياته، مع الإشارة الى انّ الرئيس تلقّى سلسلة اتصالات من عدد من رؤساء الكتل تَمنّوا عليه تأجيل الإستشارات.
وأكّدت المصادر نفسها “أنّ رئيس الجمهورية حريص على توفير اكبر عدد من التأييد النيابي للرئيس الذي سيكلف التأليف، نظراً لأهمية ودقة المهمات المطلوبة من الحكومة في المرحلة المقبلة، والتي تتطلب توافقاً وطنياً عريضاً وليس تشرذماً. مع الإشارة الى أنّه من الأفضل أن يسمّى الرئيس المكلف بإجماع مناطقي”. ولفتت إلى “أنّ الرئيس أراد من خلال قراره ان يعطي فرصة إضافية للإتفاق مع الرئيس المكلف لإنقاذ المبادرة الفرنسية، إنطلاقاً من دعم رئيس الجمهورية لهذه المبادرة، والتي يحتاج تنفيذها الى اكبر عدد ممكن من المؤيّدين، خصوصاً بعد التعثر في المواقف حيالها، وانّ التأجيل يمكن أن يعالج هذه المسألة”.
وأوضحت هذه المصادر “أنّ الخلاف ليس على المبادرة الفرنسية وما تحتويه من نقاط الصلاحية، بل على طريقة تنفيذ هذه المبادرة، الأمر الذي يفرض مناخات إيجابية للعمل”.
الى ذلك ساد في “بيت الوسط” أمس صمت لافت، ولم يسجّل للحريري اي خطوة علنية، في وقت تردّدت أوساطه في الحديث عن الخطوة اللاحقة التي يمكن ان يتخذها. ولفتت الى عدم زيارته عون عقب انتهاء جولة وفد كتلة “المستقبل” على رؤساء الكتل النيابية، وقالت لـ”الجمهورية” انه وقبل أن تنتهي الجولة فوجِىء بالحديث الذي تَنامى إليه من اكثر من مصدر عن نيّة رئيس الجمهورية تأجيل الاستشارات، الأمر الذي دفعه الى الاتصال به مُستَفسراً عن دوافعه الى هذا التأجيل التي تتناقَض مع ما كانت قد أكّدته مصادره قبل ساعات قليلة في اعتبار انها ما زالت في موعدها!!
وقالت الاوساط نفسها انّ التبرير الذي قدمته مصادر بعبدا لم يقنع الحريري بأي شكل من الأشكال. وسألت عبر “الجمهورية”: “منذ متى يُحكى عن ميثاقية التمثيل المناطقي النيابي في تسمية رئيس الحكومة ِليُقال انّ نواب جبل لبنان، مثلاً، قالوا انهم لن يسمّوا الحريري لتستقيم الامور وتُشَكِّل سبباً للتأجيل؟”. واشارت الى “انّ الثقة لم ترتبط يوماً بالتكليف بل عند التأليف، وإلا كيف مَضوا في تسمية الرئيس حسان دياب لتشكيل الحكومة في ظل رفض أكثرية النواب السنة ورغم غضب الشارع السني ولم يقل انّ نواب بيروت مثلاً لم يسمّوا دياب، أليست بيروت من ضمن الميثاقية للتمثيل النيابي المناطقي كما قالت مصادر بعبدا أمس؟”.
وردّت اوساط الحريري التأجيل الى “نيّة معروفة وإن لم تُعلن، فهناك من استدرجَ رئيس الجمهورية بحُكم الصلات العائلية الى تأجيل الاستشارات، أيّاً كان الثمن الذي سيدفعه البلد، وهل ان الامور باتت رهناً باتصال لم يُجره الحريري او زيارة لم يقم بها؟”.
وانتهت اوساط الحريري الى التأكيد انّ اتصاله برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط “كان ضرورياً لِطَي الازمة التي نشأت في أثناء إطلالة الرئيس الحريري التلفزيونية ،وما رَدّ به جنبلاط في اطلالته المماثلة قبل ايام قليلة ،وقد أدّى نتائجه الايجابية”.
في غضون ذلك، أبلغت مصادر مطلعة الى “الجمهورية” انّ ملف تشكيل الحكومة ليس بعيداً من الأميركيين، على قاعدة انّ اي دعم مالي للحكومة المقبلة يحتاج إلى موافقة واشنطن وحلفائها وصندوق النقد الدولي. وبالتالي، فإنّ اي تركيبة حكومية يجب أن تحظى برضى أميركي اذا أرادت استقطاب المساعدات، وهذا ما يبدو أنّ بعض المعنيين الأساسيين بالتكليف والتأليف يأخذونه في الحسبان، علماً انّ بقاء مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر في بيروت لأيام عدة يؤشر الى انّ مهمته تتجاوز حدود المشاركة في إطلاق مفاوضات الترسيم الى مواكبة تفاعلات الملف الحكومي.
وتتوقف المصادر عند دلالات تَمسّك رئاسة الجمهورية بإدراج مدنيين ضمن الوفد اللبناني الى مفاوضات الترسيم، على رغم من اعتراض “حزب الله” وحركة “امل”، مشيرة الى “انّ رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” ربما يعتبران في حساباتهما انّ الثنائي الشيعي بالَغَ في التفسيرات التي أعطاها للاستعانة بمدنيين، بينما الواقعية السياسية تبرر، في رأي الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، موقفهما من تركيبة الوفد، خصوصاً اذا كانت إحدى نتائجه المساهمة في تحييد باسيل عن لائحة العقوبات الأميركية وحماية مستقبله السياسي، وكذلك الامر بالنسبة إلى بعض القريبين من رئيس الجمهورية”.
الى ذلك، وفي إطار جولاته المكوكية على المسؤولين اللبنانيين، يزور شينكر عند التاسعة إلّا ربعاً صباح اليوم رئيس الجمهورية ترافقه السفيرة دوروتي شيا، وذلك للتشاور معه في مجمل التطورات اللبنانية وفي المنطقة، وكذلك في انطباعاته حول الجلسة الاولى لمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل التي انعقدت الاربعاء الماضي في الناقورة.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”الجمهورية” انّ شينكر، في جولته على القيادات اللبنانية التي اختار منها عدداً قليلاً هذه المرة، “حريص على تعميم رسالة القيادة الاميركية التي أبدت ارتياحها الى الاجواء الإيجابية التي عبّر عنها الجانبان اللبناني والاسرائيلي في الإجتماع الاول الخاص بترسيم الحدود البحرية في هذه المرحلة. وكذلك من اجل تجديد الضمانات بما تعهّدت به بلاده ليكون طرفاً مساعداً في هذه المفاوضات واستعدادها للتدخل اذا طلب الطرفان رأيها او تسوية ما في اي اشكال محتمل”.
وفيما قيل انّ شينكر اراد من لقاءاته تعريف المسؤولين اللبنانيين الى ممثل بلاده الجديد الذي سيواكب المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية السفير جون ديروشر، لوحِظ انّ الاخير لم يرافقه في جولاته امس، ولن يكون في عداد الوفد الذي سيرافقه الى قصر بعبدا اليوم.
وفسّرت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” هذه الخطوة بوجود قرار ببقاء ديروشر بعيداً من الاجواء السياسية اللبنانية، وحَصر مهماته بالمفاوضات، فهو سبق له ان شاركَ في خطوات مماثلة في اكثر من مهمة سابقة.
وكان شينكر قد زار أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري، واستمر اللقاء زهاء الساعة، غادر بعده من دون الإدلاء بتصريح. ثم زار رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي استبقاه الى مائدة الغداء.
وعلمت “الجمهورية” انّ شينكر نقلَ الى الذين التقاهم ارتياح بلاده الى انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود التي اذا استمرت بالوتيرة نفسها التي سادت الجولة الاولى منها ستؤدي الى تحقيق مصلحة الجانبين، وشدد على ان الولايات المتحدة “ستكون وسيطاً نزيهاً لإنجاح هذه المفاوضات”.