جاءت صدمة تأجيل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلّف بتشكيل حكومة جديدة لتصيب الوسط السياسي والنيابي بالجمود. فالمرشح الوحيد للتسمية الرئيس السابق سعد الحريري بعدما نفى نيّته سحب ترشيحه لتولي رئاسة الحكومة وأكد مواصلة مبادرته، أكدت أوساطه عدم نيته القيام بأي اتصالات ومساعٍ سياسية لتذليل العقبات التي عبّر عنها قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتأجيل الاستشارات، بينما تحدثت المصادر الرئاسية عن ثغرة افتراضية في التسمية لو تركت الاستشارات في موعدها، تطال غياب تمثيل نيابي مسيحي من جبل لبنان يشارك بالتسمية، مبررة التأجيل بفتح الباب لسدّ هذه الثغرة وتأمين تغطية نيابية أوسع مناطقياً وطائفياً في التسمية والمعيار الطائفي والمناطقي، وفقاً للمصادر متساويان بنظر الدستور في الحديث عن تكوين المجلس النيابي، والإشارات إلى التمثيل العادل للمناطق والطوائف، وقالت مصادر متابعة للملف الحكومي إن هذا العذر يبدو أقرب تعبير ممكن من موقع الرئاسة عن الأسباب الفعلية للتأجيل، لأن المقصود هنا هو فريقان يتقاسمان تمثيل مسيحيي جبل لبنان، واحد منهما هو القوات اللبنانية، لا يبدو أن بمستطاع الرئيس المساهمة في تذليل رفضه لتسمية الرئيس المفترض تكليفه، وهو الرئيس الحريري، وفريق ثانٍ هو التيار الوطني الحر وهو الفريق الذي يمكن لرئيس الجمهورية المساهمة في تجسير الهوّة بينه وبين الرئيس الحريري، وربما سعي رئيس الجمهورية عبر التأجيل وفقاً للمصادر لمطالبة الرئيس الحريريّ ببذل مزيد من الجهود والمساعي للتلاقي معه.
المناخات السلبيّة على طرفي العلاقة، أي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر من جهة، والرئيس سعد الحريري من جهة مقابلة، ليست مخفيّة ويبدو استمرارها مصدراً لأزمة تأليف إذا لم يترتب عليه خربطة حسابات التكليف في الأيام الفاصلة عن الخميس المقبل، ووفق المصادر المتابعة فإن الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون دخل مباشرة على خط تجسير العلاقة بين الرئيسين عون والحريري، والتمهيد لنوع من المصالحة بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حيث المشكلة الأكبر، فالحريري لا يبدو بالحسم ذاته تجاه رفض التجسير، حيث يفتح الباب لترتيب العلاقة مع رئيس الجمهورية، ومن ضمنها التسليم بالشراكة مع الرئيس في تأليف الحكومة وتوزيع الحقائب وتسمية الوزراء، المسيحيون منهم خصوصاً، بينما لا يبدو الحريري إيجابياً تجاه دعوات التعامل مع باسيل بالطريقة التي عامل بها النائب السابق وليد جنبلاط، وفتح معه باب التفاهم، والفصل بين حساباته كرئيس لتيار المستقبل وصفته كمرشح لرئاسة الحكومة.
المصادر المتابعة توقعت استمرار الجمود خلال عطلة الأسبوع، وبدء تحرّك المناخات نحو كسر الجمود مطلع الأسبوع المقبل، وقالت المصادر إن اتصالاً من الرئيس ماكرون برئيس المجلس النيابي نبيه بري متوقع خلال العطلة لدعوته الى لعب دور في تدوير الزوايا بين عون والحريري، رغم امتعاض بري من قرار تأجيل الاستشارات وتفضيله لو تركت التسمية تتم، على أن يواكبها مسعى للتفاهم يفرضه موقع رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة دستورياً، ولا يستدعي فرضه تأجيل الاستشارات وتعطيل التسمية.
وفيما عُلم أن رئيس كتلة حزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان هو مَن اتصل برئيس الجمهورية طالباً تأجيل الاستشارات لمزيد من الوقت، لم تُرصد أي لقاءات أو اتصالات على الصعيد الحكومي بعد قرار الرئيس عون تأجيل الاستشارات، ورغم أن رئيس الجمهورية بحسب مصادر نيابية لـ»البناء» يملك صلاحيّة تحديد موعد الاستشارات وشريك في استحقاق التأليف لكن تأجيل الاستشارات لا يدخل في نطاق صلاحياته بل يخضع لإرادة الكتل النيابية وكانت الاستشارات تؤجل عادة بعد تمنٍّ من رئيس المجلس النيابي، لذلك كان الأجدى برئيس الجمهورية الإبقاء على موعد الاستشارات وترك الأمر للكتل النيابية لتحديد مواقفها وفق الأصول الدستورية والديموقراطية ويمكنه التدخل بعملية التأليف التي تدخل في نطاق صلاحياته الدستورية وكان يمكن لتكتل لبنان القوي أن يمتنع عن تسمية الحريري، علماً أن مصادر التيار الوطني الحر تنفي لـ»البناء» علاقتها بقرار عون تأجيل الاستشارات وتستند إلى كلام رئيس التيار النائب جبران باسيل الذي غرّد بالقول: «لكل مَن يتفلسف ويتكهّن ويراهن، مع احترامنا لقرار تأجيل الاستشارات النيابية فإنّ هذا لن يغيّر في موقفنا». لكن مصادر مقربة من التيار توضح لـ»البناء» أن «الحريري لم يتعامل مع رئيس التيار جبران باسيل كأكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي أسوة بالكتل الأخرى وموافقة التيار على تسمية الحريري يتطلب تفاهماً على المرحلة المقبلة كي لا ينتزع الحريري ورقة التكليف ويضعه في جيبه ويبقى يؤلف الى ما شاء الله ولذلك طرحنا اقتراح قانون لتحديد مهلة التأليف».
وبعد قرار الرئيس عون بات الحريري بحلّ من أمره بحسب أجواء بيت الوسط التي أشارت إلى أن الهدوء يلفّ دارة الحريري وليست هناك بوادر لأي أزمة نجمت عن تأجيل الاستشارات النيابية والتوتر انعكس على مَن اتخذ قرار التأجيل”. وأضافت المصادر أن ليس هناك أي لقاءات سياسية في بيت الوسط وترقب لما سيقوم به الفريق الذي طالب بتأجيل الاستشارات”. ولفتت مصادر “البناء” إلى أن الحريري ليس بوارد حتى الآن القيام بجهود واتصالات باتجاه ميرنا الشالوحي أو بعبدا، وهو يعتبر أنه قام بواجبه وفق القواعد الدستوريّة وهو متمسّك بالمبادرة الفرنسيّة والكرة في ملعب الآخرين وهو لن يعتذر عن متابعة مهمته”. وكان مستشار الحريري الإعلامي حسين الوجه حسم الجدل الذي دار حول اعتذار الحريري بعد قرار عون، مؤكداً أن رئيس المستقبل لن يعتذر ومتمسّك بالمبادرة الفرنسية وبواجباته حتى النهاية.
أما عين التينة فاعتصمت بالصمت وأصابها الذهول وعبرت عن الامتعاض من قرار الرئاسة الأولى واكتفت بموقفها الرافض لتأجيل الاستشارات، لكن زوار عين التينة لفتوا لـ”البناء” إلى أن “أسباب التأجيل بالنسبة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري غير مبرّرة ولو الأسباب صحيحة لكانت أكثر من كتلة نيابية تمنّت على رئيس الجمهورية التأجيل، وهذا لم يحصل لأن معظم الكتل كانت حسمت مواقفها وتتجه للمشاركة في الاستشارات ومقتنعة بضرورة الاستعجال بتكليف رئيس لتشكيل الحكومة نظراً لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية”.
وعلمت “البناء” أن شبه تفاهم حصل بين الحريري من جهة وبين حزب الله والرئيس بري من جهة ثانية حول المرحلة المقبلة مع ترك بعض التفاصيل المتعلقة بالحكومة إلى مرحلة التأليف، كما علمت أن كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة كانتا تتّجهان لتسمية الحريري لو حصلت الاستشارات.
على صعيد آخر، تستمرّ بعض الجهات السياسية والإعلامية التابعة للفريق السعودي في لبنان بالترويج بأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية هي خطوة تصبّ في عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، علماً أن رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو وعدداً من المسؤولين الإسرائيليين أكدوا عكس ذلك وتحدثوا عن أن مفاوضات الترسيم لا تعني التطبيع الذي يستحيل حصوله في ظل وجود قوة حزب الله وحضوره في لبنان، مؤكدين بأن التفاوض سقفه ترسيم الحدود بما يتيح للفريقين استثمار الثروات البحرية.
وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور هشام جابر لـ”البناء” أن “المفاوضات التي تحصل في الناقورة مع العدو الإسرائيلي ليست خطوة للتطبيع”، مذكراً بأن اللقاءات غير المباشرة التي تعقدها اللجنة الثلاثيّة في الناقورة (الجيش اللبناني وممثل العدو الاسرائيلي والامم المتحدة) تُعقد منذ زمن طويل موضحاً أن “المفاوضات تتم على الحدود البحرية بهدف تحديد المنطقة الاقتصادية للبنان لتمكينه من الاستفادة من ثروته النفطية والغازية أما في البر فالمفاوضات تتم على تثبيت الحدود وليس ترسيمها لأنها مرسمة”، وأشاد جابر بأداء الوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد الركن بسام ياسين وبالتزامه الدقيق بتعليمات رئيس الجمهورية وقيادة الجيش اللبناني وأوضح جابر أن “الخبيرين المعتمَدين ضمن الوفد يتبعان لقيادة الجيش ولا يحولان الوفد الى سياسيّ ولا المفاوضات الى مفاوضات سياسيّة أو ديبلوماسية، مشدداً على أن الاعتراف بـ”إسرائيل” يحصل عندما تكون المفاوضات سياسية دبلوماسية اقتصادية قانونية دولية”، مؤكداً بأن “لبنان لا يعترف بـ”إسرائيل””. وأوضح أن “بيان أمل وحزب الله يمثل ثوابت وطنية سياسية مبدئية تتعلق بالصراع مع العدو لكنها لن تؤثر على معنويات الوفد اللبناني ولا على أدائه، بل بالعكس تشكل دعماً تفاوضياً للوفد وتنبيهاً للفخاخ التي يمكن أن تحصل خلال المفاوضات”.
وزار مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، عين التينة حيث التقى الرئيس بري.
وبحسب مصادر “المنار” فإن المفاوضات الحدودية ستكون بمعدل جولة أسبوعيّة على الاقل، مضيفة أن تقييم ديفيد شينكر للجولة الاولى كان إيجابياً.
ولفتت مصادر في الخارجية الروسية لـ”الميادين” الى أن “المفاوضات الاسرائيلية – اللبنانية حول ترسيم الحدود البحرية خطوة في الاتجاه الصحيح”.
وفي موازاة التعقيد الحكومي، تداهم الملفات الاقتصادية والمالية كافة القوى السياسية والمواطنين، وسط ترقب لتوجه مصرف لبنان رفع الدعم عن السلع الأساسية في مقابل اعتراض شعبيّ عارم لهذه الخطوة، ما دفع بمصرف لبنان والمعنيين بالشأن المالي الاقتصادي لعقد اجتماعات للبحث بإجراءات ماليّة نقدية بديلة للحفاظ على الاحتياط النقدي في مصرف لبنان.
وعقد وفد من مجلس إدارة جمعية المصارف برئاسة سليم صفير اجتماعاً أمس، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تمّت خلاله مناقشة الإجراءات الأخيرة المتّخذة لوضع سقوف لسحوبات المصارف النقدية بالليرة من المصرف المركزي. وأكد المجتمعون في بيان أن “هذا النوع من التدابير هو بطبيعته إجراء موقّت تفرضه أوضاع استثنائية وتلجأ اليه المصارف المركزية في العالم لمكافحة التضخم والارتفاع المفرط في أسعار السلع والخدمات، من دون التقصير في تلبية مجمل حاجات السوق المحلي الى السيولة”. ولفت الى “تأمين ما يحتاجه السوق اللبناني وزبائن المصارف من السيولة، من دون أن تكون هذه الأخيرة محصورة بالسيولة النقدية”.