لم یكن سعد الحریري مرتاحا ومتماسكا في أول إطلالة تلفزیونیة له بعد إنھیار المبادرة الفرنسیة وتحمیله مسؤولیة
في ذلك. كان منفعلا وغاضبا حیال الإتھامات السیاسیة المساقة ضده وتطایرت رسائله في كل الإتجاھات وأصابت بشظایاھا الخصوم والحلفاء على حد سواء... كان قلقا مثل الفرنسیین من زوال لبنان، وقلقا، بخلاف رأیھم، من الذھاب الى حرب أھلیة...
لم یكن سعد الحریري مملا في حدیثه ولم یكن حذرا ومتحفظا، وإنما تطرق الى مسائل حساسة ومثیرة وأفاض سردا و تحلیلا، وباح بـ"مكنوناته"، وكان صریحا وعفویا وكشف أمورا وأشیاء كثیرة متفاوتة الأھمیة، كاشفا:
- أن آخر إتصال مع ولید جنبلاط كان عاصفا وحصل في لحظة كان مجتمعا مع الفرنسیین وطلب منه جنبلاط القبول بإعطاء وزارة المالیة للطائفة الشیعیة لمدى الحیاة...
- أنه أجرى إتصالا مع جبران باسیل مطمئنا علیه بعد إصابته بـ"كورونا"... وأن باسیل رد علیه برسالة نصیة...
- أن عدم عودته الى رئاسة الحكومة كانت بسبب مواقف باسیل وجعجع وجنبلاط الذین "لم یمشوا بتسمیة سعد الحریري، ولا أعرف الأسباب. فلكل واحد أجندته".
- أن الإتفاق في قصر الصنوبر كان على حكومة مھمة لـ٦ أشھر، ولدیھا مھمة واحدة وقف الإنھیار وإعمار بیروت.
- التصعید تجاه المبادرة الفرنسیة.
- أن موضوع ترسیم الحدود مع إسرائیل "مشي" بسبب العقوبات التي فرضت على البعض "وكل واحد صار بدو یحمي حالو"...
- إنه لم یقدم إستقالة نواب كتلته من مجلس النواب لأن ھناك فریقا لدیه فائض قوة لا یرید الانتخابات النیابیة المبكرة...
- أن علاقته مع سمیر جعجع لیست جیدة، فھو من جھة یرى من الظلم أن تحمّله القوات مسؤولیة إیصال عون الى الرئاسة الجمھوریة فیما ھي جزء أساسي من التسویة. ومن جھة ثانیة لا یعرف لماذا ترفضه القوات رئیسا للحكومة...
- أن الثنائي الشیعي ("أمل" وحزب الله) متمسك بالحریري لتفادي الإحتقان السنّي ـ الشیعي.
- أن لیس ھناك من مؤامرة على حزب الله، ولا أحد یطالب بنزع السلاح، ولحل موضوع السلاح یجب حل المشكلة الإقلیمیة.
ولكن أھم ما كشفه الحریري وما قاله ھو أنه مرشح الى رئاسة الحكومة... مرشح حكما ومرشح طبیعي "ومن دون تسمية أحدا. والآن یقول إنه مرشح "... قبل أیام معدودة كان یقول إنه غیر مرشح لرئاسة الحكومة ولن یوحي أنه أعاد النظر بموقفه. وھنا یكمن العنصر الجدید في موقفه والتطور السیاسي الذي یخرق جمود الملف الحكومي ویفتح ثغرة ھي الثانیة بعد إقتراح الرئیس نجیب میقاتي تشكیل حكومة تكنوسیاسیة لا یبدو أن الحریري موافق علیه.
أعلنھا الحریري بوضوح: أنا مرشح لرئاسة الحكومة، مقدما نفسه منقذا للبلاد وللوضع الاقتصادي المنھار، ومقدما عرضا فحواه ترؤس حكومة مھمة من إختصاصیین لمدة ٦ أشھر... ومشترطا، إضافة الى حكومة إختصاصیین، إلتزام الأفرقاء السیاسیین بالورقة الاقتصادیة الفرنسیة وما فیھا من إصلاحات واتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأعطى الحریري نفسه مھلة أسبوع لإجراء إتصالات مع مختلف الأطراف للتأكد إن كانوا لا یزالون یؤیدون المبادرة الفرنسیة... وفیما رفض معادلة "سعد وجبران في الحكومة معا أو الإثنان خارجھا"، تعھد الحریري بأن تكون وزارة المال للشیعة من دون أي إلتزام بأن تكون من حصتھم الى الأبد...
ترشح الحریري لرئاسة الحكومة مع ما یعنیه من إلغاء كل الترشیحات والإحتمالات الأخرى، یفتح الطریق أمام إستشارات التكلیف ولكنه لیس كافیا لفتح باب التكلیف للحریري وطریق عودته الى رئاسة الحكومة... ھناك إحتمال أن یعود الحریري عن ترشحه في حال لم یحصل على الضمانات التي یطلبھا، وھناك إحتمال في حال عزف عن الترشح أن تتأجل الإستشارات.
وھناك ثلاثة أسئلة محوریة تضع "مبادرة الحریري الحكومیة" على المحك، ومصیرھا في دائرة الشكوك والغموض:
١-ھل یوافق حزب الله على حكومة إختصاصیین أم یتمسك بحكومة تكنوسیاسیة؟!
٢-ھل تأمنت للحریري أكثریة نیابیة "محترمة"؟! وماذا عن الذین إشتكى منھم: جعجع وجنبلاط وباسیل؟!
٣-ھل حصل تغییر في الموقفین الأمیركي والسعودي وتم رفع الفیتو عن عودة الحریري؟! وھل للتغییر السعودي علاقة بتدخل وطلب فرنسي، وللتغییر الأمیركي علاقة بمفاوضات ترسیم الحدود؟!