بعد فشل "المحاولة الأولى" لتشكیل الحكومة واعتذار الرئیس المكلف مصطفى أدیب، أطفأ الجمیع محركاتھم
السیاسیة وانكفأ الرئیس سعد الحریري في ختام معركة سیاسیة غیر موفقة... وحده الرئیس نجیب میقاتي من خرق
أجواء الصمت والخیبة، متقدما الى الواجھة ومقدما إقتراحھ القاضي بتشكیل حكومة تكنوسیاسیة. وھذا إقتراح یشكل
في حد ذاته خرقا للملف الحكومي الجامد وكفیل بتحریكه في الكوالیس، خصوصا وأنه یلقى التجاوب والآذان الصاغیة
من الفریق الآخر.
یعود إسم نجیب میقاتي لیبرز مجددا في المشھد السیاسي والحكومي ویتصّدره، فیكون أول من ألمح الى مفاجأة
إعتذار أدیب وأول من اقترح بعد الإعتذار "حكومة تكنوسیاسیة". ویُنظر إلیه كمرشح أول لرئاسة الحكومة بعد الرئیس
سعد الحریري الذي یؤكد علنا وصراحة إنسحابه، وأنه لیس مرشحا لرئاسة الحكومة ولن یُ ... فإذا كان ّسمي أحدا
الحریري یرید ان یعود رئیسا للحكومة ویقدر على تحقیق ھذه العودة، فإنه یحظى بتأیید ودعم میقاتي الذي یعتبره
"الأحق" لھذا المنصب، ولو لم یكن "الأجدر". وإذا كان الحریري زاھدا ومستنكفا أو ممنوعا من العودة وغیر مرحب
به مجددا في رئاسة الحكومة من أكثر من طرف داخلي وخارجي، فإن میقاتي جاھز لتولي ھذه المھمة لأسباب
واعتبارات كثیرة:
- مواصفات "رجل المرحلة" تنطبق علیه، وھي مرحلة شبیھة في دقتھا وحساسیتھا وخطورتھا بمرحلة العام
٢٠٠٥ عندما تولى میقاتي رئاسة حكومة إنتقالیة.
- یتمتع میقاتي بـ"شرعیة سنیّة" إكتسبھا وراكمھا على مر سنوات وتكّرست على المستویین الشعبي (الانتخابات
الأخیرة عام ٢٠١٨ كرسته الأول في طرابلس) والسیاسي (نادي رؤساء الحكومات السابقین)...
- لدیه شبكة علاقات عربیة ودولیة واسعة، وقد نجح في ترمیم وإعادة بناء ما تصّدع منھا، خصوصا العلاقة مع
السعودیة، فیما علاقته جیدة مع الفرنسیین وھو على تماس مباشر مع المبادرة الفرنسیة.
- ضیق ھامش الخیارات المتاحة مع "إعتذار الحریري"
وتعذر العودة الى نموذجي "حسان دیاب ومصطفى أدیب"...
كلھا أمور تجعل من "خیار میقاتي" خیارا مطروحا وجدیا ولكنه لیس محسوما، إذ لا یخلو الأمر من صعوبات
وتعقیدات: فمن جھة ھناك موقف الرئیس عون الذي لم یشارك میقاتي في انتخابھ رئیسا للجمھوریة ولم ّ یصوت له،
وموقف حزب الله الذي لھ تجربة صعبة مع میقاتي عندما كان رئیسا للحكومة في بدایات "الربیع العربي"، والذي له
مشكلة حالیا مع كل رؤساء الحكومات السابقین... ومن جھة ثانیة الرئیس میقاتي لدیه "مطالبھ وشروطھ" لقبول
رئاسة الحكومة ولتولي مھمة تكاد تكون "مستحیلة وإنتحاریة"... فإذا كان أظھر مرونة وواقعیة بانفتاحھ على صیغة
"حكومة تكنوسیاسیة" (من عشرین وزیرا بینھم ١٤ وزیرا تقنیا و٦ وزراء سیاسیین) بعد سقوط صیغة "حكومة
فإنه یُظھر بالمقابل تشددا في حیازة مقومات إختصاصیین مستقلین"... وضمانات النجاح للحكومة التي ستكون برئاسته
في ھذه المرحلة الإنتقالیة البالغة الصعوبة والتعقید. ومن ھذه الضمانات التي یمكن تقدیرھا على سبیل المثال أن یكون
الوزراء السیاسیون الستة "وزراء دولة" من الأقطاب، لأن المرحلة تتطلب سرعة البت بالقرارات والمشاریع... وأن
تُعطى الحكومة صلاحیات إستثنائیة، أقله في مجال الإصلاحات، وفي المقدمة ملف الكھرباء، وفي مجال المفاوضات مع
صندوق النقد الدولي.