ساهم مشهد الأمس السياسي، بالرغم من عدم تسجيله اي اختراق في الجمود المحيط بملف الحكومة الجديدة، في التأسيس لرسم عناصر الاستقطاب السياسي في فترة الجمود الحكومي. فالرئيس المكلف مصطفى أديب عبر من خلال البيان الصادر عنه عن تمسكه بالتكليف لتأليف الحكومة الجديدة بعيداً عن تهديدات الاعتذار والاعتكاف التي بشّر بها نادي رؤساء الحكومات السابقين، فبدا من كلام أديب أن جرعة الموقف الفرنسيّ أعلى من التمني، لإبقاء الباب مفتوحاً أمام مواكبة مساعٍ فرنسية لن تتوقف رغم إدراك التعقيدات المحيطة بالملف الحكومي، وقناعة باريس بوجود موقف أميركي لا يريد تسهيل المهمة أمام فرنسا، بحيث بدا التفاهم الذي جمع باريس مع رؤساء الحكومات السابقين عبر أديب، على بقاء المهمة معلقة بلا إحراز تقدم ومن دون إعلان الفشل، في ظل آمال فرنسية بتغيير أميركي يسعف مبادرتهم على تحقيق تقدم، في ظل قناعة فرنسية بصعوبة زحزحة الثنائي عن موقفه، خصوصاً في ظل العقوبات الأميركية، وانكشاف دور نادي رؤساء الحكومات السابقين في السيطرة على الملف الحكومي من خلف الرئيس المكلف، كما ظهر في المفاوضات التي أدارها الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتلك التي أدارها الرئيس المكلف مع ممثلي الثنائي المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، وربط كل موقف تفاوضي بمرجعية نادي رؤساء الحكومات السابقين.
بالتوازي مع اتضاح صورة موقف الرئيس المكلف تبلورت صورة موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بالتموضع في منطقة وسط من التجاذب الحاد حول الصيغة الحكوميّة. ففي بيان وجّهه رئيس الجمهورية، وصف الأزمة كحصيلة لثلاثة مواقف حملها مسؤوليّة الفشل الحكومي، الأول هو سلوك الرئيس المكلّف بعدم الانفتاح على الكتل النيابيّة واحترام حقوقها بالتمثيل في الحكومة، والثاني أداء رؤساء الحكومات السابقين الذي تصرّف كمرجعيّة سياسية لحكومة أراد من الآخرين التسليم بحيادها السياسي، والثالث تمسّك الثنائي حركة أمل وحزب الله، بحقيبة المال، التي رفض رئيس الجمهورية اعتبارها طلباً ميثاقياً أو حقاً مكتسباً، رافعاً عن المطلب تغطيته الرئاسية المتوقعة. موقف رئيس الجمهورية الذي لم يعلق عليه الثنائي لا يبدو متقاطعاً مع فرصة حلحلة وفقاً للصيغة التي اقترحها عون والقائمة على تحرير الحقائب السيادية في الحكومة من التوزيع الطائفي، فأكدت مصادر الثنائي تمسكها بمطلبها وأن لا شيء جديداً يفتح طريق تسوية، وأن البحث الجدي يجب ان ينصب على تطبيق حرفي للمادة 95 من الدستور، طالما لم يعد هناك تسليم بغير النص المكتوب في مواد الدستور.
بالتوازي مع ذلك، قالت مصادر متابعة لحركة النائب السابق وليد جنبلاط بعد عودته من باريس ولقائه مدير المخابرات الفرنسية الدبلوماسي السابق برنار أيميه، ومحاولته تسويق وساطة تقوم على قبول إسناد حقيبة المالية للثنائي مقابل اعتبار المطلب سياسياً لا ميثاقياً، وعرض جنبلاط عبر النائب وائل أبو فاعور وساطته على رئيس مجلس النواب الذي لم يعلّق بانتظار موقف الحريري، الذي رفض الوساطة شكلاً ومضموناً.
جمود حكومي
لم يخرج ملف تأليف الحكومة من دائرة الجمود، إذ لم تُسجل المقار الرئاسية أي جديد يذكر مع غياب الاتصالات واللقاءات العلنية بين الأطراف التي بقيت مصرة على مواقفها حتى إشعار آخر.
وقد أوحت المواقف السياسية يوم أمس، بأن الأبواب ما زالت مقفلة أمام الحل للعقد الحكوميّة التي لا تقتصر على عقدة وزارة المالية فحسب، وفق ما قالت مصادر متابعة لـ«البناء»، مشيرة إلى أن «أهمية عقدة المالية وصعوبة حلها حجبت الأضواء عن العقد الأخرى المتمثلة بشكل الحكومة وتوازناتها السياسية والطائفية وكيفية توزيع الحقائب وأسماء الوزراء ومطالب الكتل النيابية، لا سيما التي تنضوي ضمن فريق 8 آذار إضافة إلى حصة رئيس الجمهورية»، لافتة إلى أنه و»إن حُلت عقدة المالية فستبرز عقد أخرى ليست سهلة»، موضحة أن «أصل الأزمة الحكومية التي ازدادت تعقيداً حالياً هو الأسلوب الذي اتبعه الرئيس المكلف منذ بداية التكليف مع الكتل النيابية، إذ تفرد باختيار شكل الحكومة وأسماء الوزراء وتوزيع الحقائب ولم يتشاور مع الكتل التي سمّته لتكليف الحكومة والتي بطبيعة الحال ستمنح حكومته الثقة أيضاً في المجلس النيابي». وتخلص المصادر إلى أن ثمة مشروعاً خلف هذا السلوك المريب من خلال تمرير حكومة سياسية بامتياز تحت عنوان تكنوقراط واختصاص لا سيما أن هذا المطلب ليس جديداً بل طُرح بقوة في تشرين الأول الماضي بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ولا سيما أن من يختار الوزراء اليوم ويحدد شكل الحكومة هم رؤساء الحكومات السابقون سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام المعروفي الخط والانتماء السياسي، متسائلة كيف يمكن وصف حكومة يشكلها هؤلاء بالتكنوقراط؟ ولماذا يسمح لهؤلاء الرؤساء التدخل بعملية التأليف وتسمية كل الوزراء ولا يحق لأحزاب الأكثرية النيابية التدخل وتسمية مرشحيها ولا حتى الاطلاع على أسماء الوزراء قبل صدور مراسيم الحكومة!».
عين التينة
ولم تتلقَ عين التينة أي عروض جديدة بعد سقوط بعض صيغ الحل كأن يسمّي الرئيس الحريري اسماً شيعياً للمالية أو أن تسند حقيبة المال إلى ماروني يسمّيه رئيس الجمهورية يوافق عليه الرئيس نبيه بري كحل وسط، وأصرّ الثنائي أمل وحزب الله على تسمية وزير شيعي للمالية وتسمية الوزراء الآخرين أيضاً. وأكدت أوساط مطلعة على موقف رئيس المجلس لـ«البناء» إلى أن «لا جديد لدينا من مسألة التأليف ولا تراجع عن موقفنا بالتمسك بحقوق الطائفة الشيعية الميثاقية ما دام هذا النظام الطائفي قائماً ونؤيد مبدأ المداورة في الحقائب باستثناء الماليةـ وهذا ليس موقفاً طائفياً ومذهبياً بل من أجل تثبيت الشراكة في الحكم».
أديب لن يعتذر
وقد خرج الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى أديب عن صمته، مطلقاً سلسلة مواقف أوحت بأنه مستمر في مهمته ولن يعتذر بخلاف الأجواء التي كانت تسرّب نقلاً عنه وتروج بأنه سيتوجه إلى الاعتذار قبيل كل زيارة إلى بعبدا، ما يدعو للتساؤل: هل كان الحديث عن اعتذاره مجرد مناورة وتهديداً للضغط على الأطراف الأخرى لتمرير حكومة كما يهوى «نادي رؤساء الحكومات» وامتدادهم في الخارج؟ أم أن أديب زُوِدَ بشحنات طاقة من الفرنسيين ووعود بتسهيل مهمته؟ وماذا يحضر الفرنسيون للأيام المقبلة؟ هل جولة مشاورات جديدة يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية للتوصل إلى حل للعقد؟ أم أن إقفال الباب سيدفع أديب إلى الاعتكاف بدل الاعتذار ويبقى رئيساً مكلفاً ويجري الاتفاق على تفعيل حكومة تصريف الأعمال لملء الفراغ الحكومي في البلد مؤقتاً ريثما يطرح الفرنسيون نسخة منقحة عن التسوية ودعوة القيادات السياسية إلى حوار وطني؟
وأعلن أديب في بيان أنه لن يألو جهداً لـ«تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع رئيس الجمهورية»، متمنياً على الجميع «العمل على إنجاح المبادرة الفرنسية فوراً ومن دون إبطاء والتي تفتح أمام لبنان طريق الإنقاذ ووقف التدهور السريع». وشدّد على أن «أي تأخير إضافي يفاقم الأزمة ويعمّقها، ويدفع الناس نحو المزيد من الفقر، والدولة نحو المزيد من العجز، ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يحمّل ضميره مسؤولية التسبب بمزيد من الوجع لهذا الشعب الذي عانى كثيراً ولا يزال».
ويردّد الرئيس المكلف خلال لقاءاته واتصالاته مع المعنيين بالتأليف بأنه لن يطرح تشكيلة حكومية جاهزة على رئيس الجمهورية لا ترضي باقي الأطراف السياسية وبالتالي لن يترأس حكومة بلا موافقة ثنائي أمل وحزب الله.
عون
وبرزت سلسلة مواقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال مؤتمر صحافي عقده في بعبدا طرح خلاله رؤيته للملف الحكومي، واقترح عون حلاً وسطاً يقوم على إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية وعدم تخصيصها لطوائف محددة بل جعلها متاحة لكل الطوائف فتكون القدرة على الإنجاز وليس الانتماء الطائفي هي المعيار في اختيار الوزراء»، متسائلاً: «هل نقوم بهذه الخطوة ونبدأ عملية الإنقاذ المتاحة أمامنا أم سنبقى رهائن الطوائفية والمذهبية؟»، مشدداً على ان «لا الاستقواء على بعضنا سينفع، ولا الاستقواء بالخارج سيجدي. وحده تفاهمنا المبني على الدستور والتوازن هو ما سيأخذنا الى الاستقرار والنهوض».
ورأى «اننا اليوم أمام أزمة تشكيل حكومة، ولم يكن مفترضاً أن تحصل لأن الاستحقاقات التي تنتظر لبنان لا تسمح بهدر أي دقيقة، ومع تصلّب المواقف لا يبدو في الأفق أي حل قريب لأن كل الحلول المطروحة تشكل غالباً ومغلوباً». اعتبر عون أن «إذا لم تُشكّل الحكومة «رايحين على جهنّم»، لافتاً الى أننا «طرحنا حلولاً منطقية ووسطية لتشكيل الحكومة ولكن لم يتم القبول بها من الفريقين، وتبقى العودة الى النصوص الدستورية واحترامها هي الحل الذي ليس فيها لا غالب ولا مغلوب»، لافتاً الى ان «4 زيارات لرئيس الحكومة المكلف ولم يستطع أن يقدم لنا أي تصوّر أو تشكيلة أو توزيع للحقائب أو الأسماء، ولم تتحلحل العقد». وقال رئيس الجمهورية إن «رئيس الحكومة المكلف لا يريد الأخذ برأي رؤساء الكتل في توزيع الحقائب وتسمية الوزراء ويطرح المداورة الشاملة، ويلتقي معه في هذا الموقف رؤساء حكومة سابقون. ويسجل له أنه يرفض التأليف إن لم يكن ثمة توافق وطني على التشكيلة الحكومية». واضاف: «كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة تصران على التمسك بوزارة المالية وعلى تسمية الوزير وسائر وزراء الطائفة الشيعية الكريمة. ويسجّل لهما التمسك بالمبادرة الفرنسيّة، وعندما تفاقمت المشكلة واستعصت قمت بمشاورات مع ممثلين عن الكتل النيابية لاستمزاج الآراء، فكانت هناك مطالبة بالمداورة من قبل معظم من التقيتهم، ورفض لتأليف الحكومة من دون الأخذ برأيهم».
ونقلت قناة «أو تي في» عن مصادر في كتلة التنمية والتحرير قولها إن «لرئيس الجمهورية الحقّ ان يطرح رؤيته وتصوره لأي مسألة مطروحة ولكن نحن مع إلغاء الطائفية بتطبيق الدستور وفق المادة 95». وأشارت القناة إلى أن «أكثر من مصدر نيابي في حزب الله رفض التعليق على طرح الرئيس عون واعتبر انه اذا كان هناك من تعليق فيكون بين الحزب والرئيس لا في الإعلام».
وعلمت «البناء» أن الثنائي أمل وحزب الله لن يدخلا في سجال مع البطريرك الماروني بشارة الراعي حول المواقف التي أطلقها الأحد الماضي، والاكتفاء ببيان المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، مشيرة إلى أن الهدف خلف كلام الراعي استدراج ثنائي أمل وحزب الله إلى سجال طائفي مسيحي – شيعي، وبالتالي إحراج الرئيس عون والتيار الوطني الحر واللعب على وتر العلاقة بين التيار وحزب الله.
انتهاكات إسرائيليّة
في غضون ذلك، سجلت انتهاكات اسرائيلية للأجواء اللبنانية تمثلت بخرق 6 طائرات حربية إسرائيلية لمعظم المناطق اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت وبكثافة وعلى علو منخفض.
وأعلن رئيس بعثة الـ»يونيفيل» اللواء ستيفانو ديل كول في تصريح لـ«الوكالة الوطنية للإعلام» أن «الطلعات الجوية المتواصلة في الأجواء اللبنانية تشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 (2006) وللسيادة اللبنانية، وقد أدانها سابقاً مجلس الأمن الدولي».
اضاف: «لقد طلبت من الجيش الإسرائيلي التوقف عن التحليق في الأجواء اللبنانية»، ورأى أن «مثل هذه الانتهاكات المستمرة تؤدي إلى تصعيد التوتر ويمكن أن تؤدي إلى حوادث تهدد اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان و»إسرائيل». كما انها تتعارض مع أهدافنا وتقوّض جهودنا للحد من التوترات وتهيئة بيئة أمنية مستقرة في جنوب لبنان».
كورونا
على صعيد أزمة وباء كورونا، انعقدت في السراي اللجنة الوزارية المختصة بكورونا، واتخذت سلسلة توصيات لضبط التفلت المجتمعي وتدابير وقائية للحد من الإصابات.
وأعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أنه «رفع توصية للجنة كورونا الحكومية بإمكانية الإقفال العام لمدّة أسبوعين وذلك بسبب ارتفاع عدد الإصابات أخيراً». وقال خلال مؤتمر صحافي، ان التحدي في الاقضية والمحافظات هو في الشمال وبيروت والجنوب ففي الشمال نرفع الإمكانيات اللوجيستية والامكانيات البشرية وسيتم تحويل مستشفى المنية الى مستشفى يستقبل حالات كورونا فقط. وأضاف حسن: «على المستشفيات الخاصة أن تفتح أقسامًا خاصة لاستقبال مرضى كورونا ويجب التجهيز لموسم الخريف الذي ينذر بموسم انفلونزا مع كورونا». وأضاف «بقدر ما يمكن مساعدتنا على تطبيق الاجراءات نكون شاكرين واذا لم يكونوا قادرين يجب ان يقولوا ذلك، لكن لا يمكن الاستمرار بالوضع الحالي». وفي سياق متصل أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب أنّ أمامنا مرحلة صعبة لمتابعة العام الدراسي الذي سيتقرّر شكله التعليمي بحسب المؤشر الصحي لكورونا.