اللقاء الأخیر بین الرئیس نبیه بري والرئیس سعد الحریري في عین التینة لم یكن ناجحا ولم یكن مریحا. سمع
الحریري كلاما قاسیا ذّكره خلاله الرئیس بري بكل المحطات التي وقف فیھا الثنائي الشیعي مع رئیس تیار المستقبل وكل
الجھد الذي ساقه كي یعود إلى رئاسة الحكومة، وإذ بالحریري ینجرف لا بل یشارك في تركیب حكومة ستقود حكما الى
إنقلاب سیاسي في البلد، كما یقول مطلعون على موقف الثنائي الشیعي الذي لم یر في مسار التألیف إلا محاولة لعزله.
ولھذا یقول ھؤلاء تم التصدي لھذه المحاولة بعدما رفعت السقوف عالیا لدرجة التھدید بحجب الثقة المیثاقیة عن الحكومة،
وبالتالي منع ولادتھا إذا رفضت عبور معمودیة التوافق مع الثنائي الشیعي.
كلام عنیف سمعه الحریري من بري. لعلھا من المرات النادرة التي یرتفع فیھا صوت رئیس المجلس معاتبا. كان
ھدف الحریري من الزیارة نیل تفویض من بري وتحت عنوان الثقة لتولي تسمیة الشیعة في الحكومة. رفض بري عرض
الحریري وأصر على "إسم نختاره نحن والقصة قصة مبدأ"، مقترحا على الحریري تزویده "بلائحة من عشرة أسماء وإذا
لم تعجبك أزودك بلائحة ثانیة". لا یجد المراقبون على جبھة ٨ آذار تفسیرا شافیا أو جوابا مقنعا لتعاطي الحریري مع
الثنائي الشیعي والرئیس بري ضمنا إلا التسلیم بأن رئیس الحكومة السابق لم یبادل الوفاء بمثله.
لطالما اعتبر رئیس المجلس أن بیت الحریري كما ولید جنبلاط ھما ركنا صداقاته الأساسیان. سیبة ثلاثیة كان
یحرص على تواجدھا في الحكم. إنقلبت القصة ولم یترك الحریري الإبن موقفا محرجا لبري إلا واتخذه. منذ الانتخابات
الرئاسیة العام ٢٠١٦ الى قانون الانتخابات وفترة الانتخابات النیابیة والتحالفات المتقلبة وصولا الى محطة ١٧ تشرین.
في رأي المراقبین على جبھة ٨ آذار أن سعد الحریري یحاول الإنتقام من مرحلة تشكیل حكومة حسان دیاب وتحقیق
ما عجز عن تحقیقه بعد ١٧ تشرین. یرد الحریري الصاع للثنائي الشیعي الذي أدار حكومة لا تحظى بتمثیل سنّي وللتیار
الوطني الحر ورئیسه الذي كانت لھ الید الطولى بتشكیل حكومة دیاب وممارسة السلوك نفسھ بمحاولة إخراجھ من المعادلة
الحكومیة برمتھا. وقبل ھذه وتلك یحقق الحریري أمنیته بالتفرد في تشكیل الحكومة ومن دون أي دور لرئیس الجمھوریة.
طبقا لمسار إنطلاق المشاورات مجددا یبدو أن الحریري أساء تقدیر الأمور، ذلك أن كلمة السر اللبنانیة التي لم یستوعبھا
الفرنسیون أن في لبنان معادلات لا یمكن المساس بھا أو تغییرھا لا بحجة الأزمة الاقتصادیة ولا العقوبات.
طوال یوم الأحد كان الحریري یعیش نشوة إنتصار، بتمكنه من فرض ما یریده من خلال تشكیلة مصطفى أدیب
الحكومیة، وبعدم مشاركة عون وجبران باسیل في عملیة التألیف وفرض شروطھم. تلك النشوة إستفزت حزب الله وبري
وقد . وھناك الكثیر إلى حد بعید. أرسلت رسائل واضحة إلى بیت الوسط، بأنه لن یكتب لھذه الحكومة الولادة بھذا الشكل
من الأوراق لدى الثنائي، ومخطئ من یظن أنھ قادر على كسرھما أولي ذراعھما أو إظھارھما في موقع المھزوم. رسائل
بري كانت قاسیة جدا للحریري، واصفا إیاه بأنه الذي خرج على كل الأصول، بینما ھو كان ملتزما بالحریري حتى في
ظل حكومة حسان دیاب، وبقي متمسكا به إلى حد تقدیم "لبن العصفور" له، وبأنه أعطاه أكثر مما أعطى والده. كل ھذه
المواقف دفعت بالحریري إلى التریث، والتھدئة.
مصادر تیار المستقبل ترفض تحمیل الرئیس سعد الحریري مسؤولیة التشدد في مواجھة الثنائي الشیعي، وتلفت الى
أن رؤساء الحكومات السابقین تلقفوا المبادرة الفرنسیة وتعاملوا بإیجابیة معھا، ومصطفى أدیب لیس محسوبا علیھم، وھم
لم یضعوا أي شرط إنطلاقا من دقة المرحلة، وانطلاقا من ھنا یؤید الحریري معادلة خروج كل القوى الموجودة في السلطة
من الحكم لفترة قصیرة. ووفقا لتلك المصادر، في حال سقطت المبادرة الفرنسیة، فإن الغطاء السنّي الذي ُمنح للرئیس أدیب
لن یُمنح لأي شخصیة أخرى.